أعلنت تونس أنها رفضت حضور مؤتمر برلين حول ليبيا، بعد دعوة متأخرة وجهتها ألمانيا إليها أمس الجمعة.
وقالت وزارة الخارجية التونسية، في بيان السبت، "بالنظر إلى ورود الدعوة بصفة متأخرة وعدم مشاركة تونس في المسار التحضيري للمؤتمر الذي انطلق منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي على الرغم من إصرارها على أن تكون في مقدمة الدول المشاركة في أيّ جهد دولي يُراعي مصالحها ومصالح الشعب الليبي الشقيق... فإنّه يتعذّر عليها المشاركة في هذا المؤتمر".
وأضاف البيان أن تونس التزمت عدم التدخل في الشؤون الداخلية والوقوف على المسافة نفسها من كافة الفرقاء الليبيين، ودعت إلى ضرورة إيجاد حلّ سياسي نابع من الإرادة الحرة لليبيين أنفسهم بعيداً عن التدخلات الخارجية التي أضرت بالشعب الليبي منذ عام 2015، وذلك على الرغم من أنّ تونس من أكثر الدّول تضرّراً من تأزم الأوضاع في ليبيا.
ثمن الفوضى
وتعتبر الفاتورة التي دفعتها تونس ثمناً للفوضى في ليبيا، أكبر بكثير مما دفعته دول الجوار الأخرى. إذ سددت تونس فاتورة ثقيلة جداً من اقتصادها وأمنها واستقرارها، طوال السنوات التسع الماضية من عمر الأزمة.
بهذه العبارة، لخصت الصحافية وفاء دعاسة، لـ "اندبندنت عربية"، الإحساس العام لدى كثير من التونسيين جراء استبعاد بلادهم من مؤتمر برلين لبحث مستقبل العملية السياسية في ليبيا، بخاصة أن الجار الأقرب لليبيا فتح أبوابه من دون حساب وتقاسم، على الرغم من صعوبة الظروف التي عاشتها البلاد.
وتعتبر دعاسة أن استبعاد تونس هو نتيجة طبيعية لسياسات خاطئة، وأن غياب موقف صريح وواضح مما يجري في ليبيا واعتماد سياسة النعامة التي تضع رأسها في الرمال، أوصل تونس إلى تجاهل حضورها تماماً أو حتى التنسيق والتحاور معها بشأن البحث عن حل لهذه الأزمة.
فشل كبير وخسارة اقتصادية
رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير اعتبر أن إقصاء تونس من مؤتمر برلين سببه الفشل السياسي والدبلوماسي التونسي في التعامل مع الملف الليبي، والتعامل العشوائي مع الملف، وبقائها من دون موقف، إضافة إلى عدم وجود وزير خارجية على رأس الوزارة، بعد إقصاء الوزير السابق خميس جهيناوي الذي بقي يتابع الملف الليبي لمدة ثلاث سنوات، مشيراً إلى أن الرئيس قيس سعيد ليست له علاقات أو صداقات على المستوى الدولي تمكنه من فرض نفسه في هذا الاجتماع، بل هو في عزلة.
وقال عبد الكبير إن استبعاد تونس لن يقف عند المستوى السياسي، بل سيتجاوزه إلى المستوى الأهم وهي الأوضاع الاقتصادية، حيث ستكون تونس الغائب الأكبر عن ملف إعادة إعمار ليبيا، في حال نجح مؤتمر برلين بالوصول إلى حل للأزمة.
صمت رسمي واستنكار حزبي
وقبل صدور بيان الخارجية، اكتفت تونس بتصريح لسفير تونس في ألمانيا أحمد شفرة، قال فيه "تلقينا (تجاهل دعوة تونس) باستغراب ودهشة كبيرة، وما أثار دهشتنا أكثر كونه يأتي من ألمانيا، الشريك الذي تربطه بتونس علاقات جيدة وممتازة وقائمة على الثقة، وهي علاقات عريقة. إذ كانت تونس عام 1965 الدولة العربية الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها بألمانيا (الغربية آنذاك)... لذلك، نستغرب اليوم أن تكون تونس البلد الوحيد الذي يتم إقصاؤه ومن طرف من؟ من طرف ألمانيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينما اعتبرت عديد الأحزاب التونسية الإقصاء نتاجاً طبيعياً لأداء الدبلوماسية التونسية، بحسب رئيس حركة الشعب زهير المغزاوي، الذي رأى أن ذلك يعود إلى النظرة القديمة للحكومات التونسية للملف الليبي، حيث لم تلعب دورها كما يجب "ودخلنا في سياسة المحاور"، في إشارة إلى زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس ثم زيارة رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى تركيا.
وأضاف المغزاوي أن لا حل في ليبيا من غير العبور من تونس، ونحن دفعنا ثمناً باهظاً للأزمة واليوم نحن غائبون عن المؤتمر.
ومما زاد في حجم الصدمة لدى التونسيين أن ألمانيا وجهت دعوات إلى دول لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يجري في ليبيا وليس لها حدود أو مصالح معها.
ويقول الصحافي مصطفى مشاط إن هذا الاستبعاد يخفي ملفات أخرى تتجاوز الموضوع الليبي وترتبط بأزمة كبيرة بين البلدين الربيع الماضي، عندما تم إيقاف المنصف قرطاس وهو دبلوماسي يعمل في الأمم المتحدة ويحمل الجنسيتين التونسية والألمانية وخبير في الأمور المتعلقة بشحنات الأسلحة غير القانونية الواردة إلى ليبيا.
وقد أثار إيقافه غضباً كبيراً لدى الأمم المتحدة والحكومة الألمانية، اللتين وصفتا الواقعة بأنها "أمر خطير للغاية". ووجهت إليه حينها تهماً خطيرة تتعلق بالتجسس وحيازة أجهزة اتصال ومراقبة اتصالات، ثم أطلق سراحه بعد شهرين، مغادراً تونس إلى ألمانيا.