قلبت الانتفاضة اللبنانية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، المشهد رأساً على عقب، فالوجوه السياسية التقليدية بدأت تنكفئ لتحتل المشهد وجوه شابة ثائرة حالمة بالتغيير. ومن يتابع يوميات الانتفاضة الشعبية، يلاحظ الشابة نسرين شاهين باندفاعها وتصدرها المسيرات ورفع الصوت والراية، وإطلالاتها النارية عبر القنوات المحلية، إذ جسّدت صرختها من القلب "فشّة خلق" اللبنانيين.
نسرين أستاذة متعاقدة في التعليم الرسمي مع وزارة التربية اللبنانية، تثير في كل مداخلة تلفزيونية ضجة كبيرة عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وتقول في حديث لـ "إندبندت عربية"، إن السياسيين في لبنان لم يفلحوا على مدى سنوات بحلّ مشاكلنا، داعيةً جيل الشباب إلى التعبير عن آرائهم وألاّ "يصفقوا" للسياسيين والزعماء الذين "سرقوكم ونهبوا أموالكم".
السلطة تكذب على الشعب
ألقت نسرين التي تتحدث بنبرة عالية، الضوء على مشكلة الفساد والمحاصصة في البلد، والتوظيفات العشوائية وأزمة المدارس الرسمية، وسطوة رجال الدين على المؤسسات في لبنان، والفساد في القضاء.
وتقول إن "الثورة التي لا تقلب الأوطان رأساً على عقب ليست بثورة، ولبنان عانى الأمرَّيْن من نظام سلطوي فاسد، توارث كل مقدرات الوطن من جيل إلى جيل وأورثوا أحفادهم الكراسي والممتلكات العامة حتى أموال الشعب التي في البنوك نهبوها، كما جعلوا كل المفاتيح لقيام الدولة تحت سيطرتهم، فهيمنوا على القضاء والوزارات والنقابات والإعلام حتى بات كل شيء في صمت مريب وبعد إفلاسهم البلد وسرقة كل ما اقترضوه في المؤتمرات الدولية ولا سيما مؤتمرات باريس ١ - ٢ و٣، لم ينل الشعب أي إصلاح أو تقديمات من هذه الأموال".
وترى شاهين أن قدرة تحمّل الشعب تدنّت إلى ما دون الصفر وولدت الثورة، مضيفةً "بعد ثلاثة أشهر والطبقة السياسية مستمرة بالتمثيل والكذب بتشكيل حكومة لا تجسّد تطلعات الشعب الذي أسقط الحكومة السابقة". وتعتبر أن الذين يعملون على تأليف حكومة الرئيس المكلف حسان دياب لن يسمحوا بتأليف حكومة نظيفة وفق تطلعات الشعب المنتفض كونها ستزج بهم جميعاً في السجون وتحاسبهم على فسادهم الذي أوصل لبنان إلى الانهيار الاقتصادي".
يريدون تشويه صورة الثورة
الشابة المنتفضة والمشاركة الدائمة في معظم التحركات الشعبية توضح أنه "منذ بدء الثورة، عمدنا في تحركاتنا، إلى الوسائل السلمية كافة من اعتصامات وتظاهرات على وقع الأغاني الوطنية والثورية، فخوّنونا واتّهمونا بالعمالة للسفارات والخارج من أجل تشويه صورة الثورة الحرة".
وتشدّد على أنه "عندما عمدنا إلى قطع الطرقات بأساليب سلمية بهدف الضغط على السلطة المستبدة، اتهمونا بأننا قطاع طرق واستخدموا العنف تجاهنا بحجة حقهم في المرور، فسقط الشهيد علاء بو فخر نتيجة لذلك".
وتضيف أنه "عندما بدأ الثوار اقتحام المرافق العامة التي تشوبها فضائح الفساد، أو التظاهر أمام منازل بعض المسؤولين، أرسلوا أنصارهم للاعتداء على الثوار وإخافتهم"، معتبرةً أن السلطة الحاكمة لا تتعب من البحث عن الحجج للالتفاف على المواطنين والاستمرار بالتحكم في مصير الشعب، في وقت لم يعد المواطن يملك قوته اليومي في ظل ارتفاع سعر الدولار حتى ٢٥٠٠ ليرة وتفشي البطالة بين الشباب إلى مستويات قياسية، وحسم الشركات الخاصة حوالى نصف رواتب الموظفين.
وهنا تسأل شاهين بانفعال شديد، "ماذا بعد؟ هل علينا أن نجلس في ساحات مغلقة لنصرخ قليلاً ونعود بائسين إلى منازلنا؟" وتجيب عن تساؤلها أن "هذا الأمر مستحيل"، وتضيف "الثورة دخلت مرحلة التصعيد بوجه السلطة، بدءًا بطرد النواب والوزراء الذين نجدهم في الأماكن العامة، إلى الاستمرار بقطع الطرقات، والتظاهر أمام المرافق العامة وإغلاق أبوابها، وصولاً إلى التوجه إلى المصارف التي تآمرت مع السلطة على الشعب، والمجلس النيابي الذي شهد أعنف المواجهات منذ اندلاع الثورة".
لاقتحام المجلس النيابي وتحريره
وعن سبب اختيار المتظاهرين المجلس النيابي مساحة للتظاهر، تعتبر شاهين أن هذا المجلس ملك للشعب اللبناني، وليس للنواب الذين احتلوه عبر قانون انتخابي لا يعبّر عن حقيقة التوجه الشعبي. بالتالي، أي حكومة تنبثق منه، هي حكومة غير شرعية ولا تلبّي تطلعات الثوار، مشيرةً إلى أن الزعماء السياسيين بواسطة أزلامهم وبعض الكتل النيابية، يعمدون إلى وضع الجيش اللبناني والقوى الأمنية، في مواجهة مع المتظاهرين ليتسنّى لهم الوقت للاستمرار بمحاصصة الحكومة، غير عابئين بصراخ الناس في الشارع. وتشدّد على أن فشلهم بفهم إرادة الشعب سيزيد نقمته وغضبه وشحن النفوس وسيولّد ثورة أكثر إصراراً وأكثر عنفاً.
"نحنا مش زعران"
وتقول شاهين "نحن مش زعران ولكننا نحذر كل من يريد سلبنا حقنا أننا سننتزعه منه بالقوة"، معتبرةً أن الشاب الكفؤ الذي خسر كل شيء، حين يرى شاباً آخر دون مستوى الكفاءة المطلوبة قد حصل على وظيفة ومخصصات لأنه مدعوم من أحد أحزاب السلطة، لن يتوانى عن تفجير غضبه.
الثورة... "امرأة"
في المقابل، تعلّق شاهين على مشاركتها المستمرة في التظاهرات إلى جانب آلاف اللبنانيات من مختلف المناطق والطوائف بالقول "أجمل ما في الثورة أنها غيرت صورة المرأة النمطية، بخاصة أننا كنساء شرقيات يمدحوننا على جمالنا فقط. أما الآن، فقد أثبتت المرأة اللبنانية أنها جوهر الثورة وقوتها".
وتضيف "المرأة اللبنانية باتت تقف في الصفوف الأولى للتظاهرات حتى في المواجهات القاسية. فعند كل احتدام، نشكّل كنساء حاجزاً أمام الرجال كي لا يتم اعتقالهم وأحياناً لمنع المندسين من الاقتراب إلى الصفوف الأمامية والاعتداء على العناصر الأمنية، كذلك كان للنساء الدور الأول في المواجهات القاسية التي حصلت خلال قطع الطرقات ومع رجال الأمن الذين حاولوا فض الاعتصامات".
وترى شاهين أن دور المرأة، بخاصة في لبنان مهم، كونها تعطي صورة حقيقية للثورة، والمرأة الثائرة هي الشابة والأم والأخت والابنة وكثيراً ما تصطحب أطفالها، ممّا جعل الثورة انعكاساً لانتفاضة شعب بكامله.