يتطلع الأميركيون والعالم باهتمام إلى معركة أخرى بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل مجلس الشيوخ الذي يبدأ خلال ساعات محاكمة الرئيس دونالد ترمب بالتصويت على إجراءات المحاكمة، التي ستقدم مؤشراً مهماً على ما يمكن أن تنتهي إليه محاكمة ثالث رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يتعرض لخطر العزل من منصبه. وعلى الرغم من تماسك الجمهوريين واصطفافهم خلف الرئيس ترمب بهدف تبرئته من التهم المنسوبة إليه، إلا أن قضية استدعاء الشهود لا زالت تشكل نقطة أساسية في الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين، بينما تظل هناك أسئلة عدة حول المحاكمة وكيفية إدارتها والتعامل مع الاتهامات والردود وأدوار وحقوق كل طرف فيها، كلها تحتاج إلى توضيح. في السطور التالية إجابة على كل التساؤلات التي قد تخطر على الأذهان.
ما هي محاكمة مجلس الشيوخ؟
يمنح الدستور الأميركي السلطة التشريعية (الكونغرس) حق محاسبة المسؤولين الحكوميين بمَن فيهم الرئيس ونائبه عن جرائم كبرى ارتكبوها أو نتيجة لسوء التصرف، لكن هذه العملية تجري على درجتين، الأولى تتم في مجلس النواب الذي يجري التحقيقات ويقرر ما إذا كان سيوجه الاتهامات أم لا، وهو ما فعله مجلس النواب بتوجيه تهمتين إلى الرئيس ترمب، والثانية تعود إلى مجلس الشيوخ الذي يقرر وحده ما إذا كان المسؤول أو الرئيس مذنباً أم بريئاً، فإذا تمت الإدانة، فذلك يعني إقالة المسؤول أو الرئيس من منصبه. وشهد التاريخ الأميركي محاكمة 19 مسؤولاً منهم قضاة ووزراء ورئيسين سابقين حصلا على البراءة، هما بيل كلينتون عام 1999، وأندرو جنسون عام 1868، كما واجه الرئيس ريتشارد نيكسون بدء إجراءات التحقيقات في مجلس النواب غير أنه استقال من منصبه عام 1974 تجنباً لإقالته بعدما تكشف دوره في التجسس على خصمه الديمقراطي في فضيحة ووترغيت الشهيرة.
ولكي تتم إدانة مسؤول أو رئيس، ينبغي موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم مئة عضو، على الإدانة والعزل، ولذلك يُتوقع إلى درجةٍ شبه مضمونة فوز ترمب بالبراءة في ظل اصطفاف الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ بـ 53 عضواً، خلفه، بينما يعارضهم الديمقراطيون بـ 47 عضواً من بينهم مستقلان يصوتان مع الديمقراطيين.
هل من إدعاء ودفاع وقاضي ومتهم؟
المحاكمات الرئاسية في مجلس الشيوخ تُعد إجراءً نادراً، تشارك فيه أفرع الحكم الرئيسية الثلاثة في الولايات المتحدة – التنفيذية والتشريعية والقضائية – عبر تشكيل واسع يشبه المحاكمات الجنائية، وفيما يلي شرح لطبيعة ودور كل طرف في المحاكمة.
مديرو الاتهامات (فريق الإدعاء)
حددت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قبل أيام، أسماء سبعة نواب سيديرون الاتهامات الموجهة ضد الرئيس ترمب، وهم سيقومون بدور الادعاء في المحاكمة حيث سيحاولون إقناع اعضاء مجلس الشيوخ المئة بإدانة ترمب والموافقة على عزله من السلطة بعد شرح الاتهامين وما توصلت إليه التحقيقات في مجلس النواب، ويقود هذا الفريق آدم شيف رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، الذي أبدى رغبةً صلبة في ملاحقة ترمب منذ تحقيقات لجنته في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. ويُعد شيف عضواً مهماً في الكونغرس منذ عقدين من الزمن.
ويعد جارولد نادلر رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب ، الرجل الثاني في فريق الادعاء حيث قاد توجيه وصياغة قراري الاتهام ضد ترمب ، واستمر نادلر في الكونغرس 3 عقود خاض خلالها معارك ضد وكالة الأمن القومي في قضية تسجيل الوكالة اتصالات المواطنين الأميركيين ، كما نازع نادلر ترمب منذ سنوات طويلة حيث عارض توسعات للرئيس ترمب في نيويورك.
ومن بين أبرز الأعضاء السبعة في فريق الإدعاء، زوي لوفغرين التي أمضت في الكونغرس 13 دورة متصلة وشاركت في قضايا عزل مسؤولين كبار ورؤساء سابقين، منهم نيكسون وكلينتون.
فريق الدفاع عن ترمب
يتشكل فريق دفاع ترمب من سبعة أعضاء عيّنهم هو، ويقودهم بات سيبولوني المستشار القانوني للبيت الأبيض الذي عرف الرئيس منذ فترة طويلة ومثّله في قضايا سابقة وساهم في إعداد مناظراته الرئاسية عام 2016، كما عمل في وزارة العدل تحت قيادة وليام بار وزير العدل الحالي ولكن في عهد الرئيس جورج دبليو بوش. وكان سيبولوني هو مَن نصح ترمب بنشر تفاصيل مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في يوليو (تموز) الماضي، كما صاغ المذكرة القانونية التي تؤكد أن البيت الأبيض لن يتعاون مع تحقيقات مجلس النواب إستناداً إلى رؤيته بأنه من حق الرئيس حماية الشهود ومنع الكونغرس من الاطلاع على وثائق.
ويُعدّ جاي سيكولو، الرجل الثاني في ترتيب فريق الدفاع عن ترمب، انخرط كمنسق مع فريق الرئيس القانوني الشخصي خلال تحقيقات المدعي الخاص روبرت مولر في قضية التدخل الروسي في انتخابات 2016 الرئاسية.
كما يُعتبر كين ستار من أبرز أعضاء فريق دفاع ترمب، وهو مستشار قانوني مستقل وعميد كلية بيبردين للقانون، واشتهر عبر قيادته التحقيقات في قضية "وايتووتر" في منتصف التسعينيات خلال حكم الرئيس بيل كلينتون وهي التحقيقات التي قادت إلى التحقيق في علاقة كلينتون مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي وانتهت بأول اتهامات توجه لرئيس أميركي منذ عام 1868.
أما آلان دورشويتز، أستاذ القانون في جامعة هارفاد الأميركية المرموقة، فاشتهر بدفاعه عن الحقوق المدنية والشخصية، ويؤكد أنه صوّت لهيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الماضية ضد ترمب كما عارض محاكمة بيل كلينتون خلال اتهامه عام 1999.
رئيس الجلسة (القاضي)
رئيس المحكمة الدستورية العليا جون روبرتس (65 سنة) الذي يُعد بمثابة قاضي القضاة في أميركا، سيكون هو مَن يرأس جلسة محاكمة ترمب بحكم الدستور، بمعنى أنه سيدير جلسة المحاكمة حيث سيكون من صلاحياته إجبار الشهود على الإدلاء بشهادتهم وقبول دلائل الاتهام، إلا أن قواعد إجراء المحاكمة التي سيقرها خلال ساعات مجلس الشيوخ والتي قدم ميتش ماكونيل زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ مشروع قرار بشأنها عارضه الديمقراطيون، قد يحد بشكل كبير من صلاحيات روبرتس عبر تجاوز قراراته بالتصويت على أي منها لمصلحة الجمهوريين الذين يتجاوزون نسبة الأصوات المطلوبة للمصادقة على أي أقرار وهي 51 صوتاً أي الغالبية البسيطة.
ويقول مراقبون أن جون روبرتس سيحاول أن يدير الجلسة بطريقة غير حزبية نظراً إلى تاريخه في الحرص على المؤسسية، إلا أن قلقه على وضعية المحكمة العليا قد يدفعه إلى تجنب اتخاذ قرارات تغضب الجمهوريين الذين سيكون بوسعهم تجاوز قراراته عن طريق التصويت عليها واجهاضها، ما يضع المحكمة العليا في موقف ضعيف.
ويؤكد أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ أنه إذا فعل روبرتس مثلما فعل القاضي سالمون تشيز خلال محاكمة الرئيس أندرو جونسون عام 1868 عندما كسر التعادل بالتصويت لمصلحة طرف ما، فإنه بذلك سيضع نفسه في موقف يتعيّن معه أن يعفي نفسه داخل المحكمة العليا في أي قضية لاحقة يكون ترمب طرفاً فيها.
هل من شهود؟
مشروع القرار الذي تقدم به ميتش ماكونيل حول إجراءات المحاكمة ، يؤجل مسألة الشهود إلى ما بعد سماع الحجج والدفوع القانونية لكل من مديري الاتهامات (الادعاء)، وهيئة الدفاع عن ترمب، وكذلك بعد أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ إلى الطرفين، ومن ثم يقرر مجلس الشيوخ بعدها ما إذا كان يجب استدعاء شهود وطلب الاطلاع على وثائق أم لا، فإذا صوّت المجلس بالرفض لن يحق لأحد استدعاء شهود أو الاطلاع على وثائق.
ويحاول الديمقراطيون الضغط من أجل تعديل قواعد إجراءات المحاكمة بما يسمح باستدعاء شهود منذ البداية، غير أن الجمهوريين بمن فيهم السيناتور سوزان كولينز والسيناتور ليزا ماركويسكي والسيناتور ميت رومني، يؤكدون عدم رغبتهم في استدعاء شهود إلا بعد تقديم الحجج القانونية الافتتاحية. ويحتاج الديمقراطيون 4 أصوات ليتجاوزوا هذه العقبة، وهو ما يبدو غير مضمون بنسبة كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل يحضر الرئيس ترمب؟
صرح الرئيس ترمب من قبل أنه سينظر بقوة في الإدلاء بشهادته، إلا أن ذلك أصبح مستبعداً حيث يؤكد فريقه القانوني أنه لن يكون في حاجة إلى الإدلاء بشهادته، كما أن جميع السوابق التاريخية تشير إلى أن الرئيسين كلينتون وجونسون لم يظهرا خلال محاكمتهما في الكونغرس.
وربما تعمّد الرئيس ترمب المشاركة في قمة دافوس السنوية في سويسرا هذا العام حتى يبتعد عن الأضواء المسلطة على محاكمته وليظهر ثقته في نيل البراءة وعدم اكتراثه بالتفاصيل.
متى تبدأ وتنتهي المحاكمة؟
تبدأ المحاكمة رسمياً الساعة الواحدة بعد ظهر الثلاثاء بتوقيت واشنطن (16:00 بتوقيت غرينتش) حيث سيتم التصويت على قواعد إجراءات المحاكمة التي أعلنها ماكونيل والتعديلات التي سيقترحها الديمقراطيون والتي قد تتواصل حتى السادسة مساء أو ما بعدها.
وستبدأ باقي الإجراءات بدءاً من ظهر الأربعاء، وتستمر المحاكمة على مدى ستة أيام في الأسبوع من الإثنين إلى السبت، وستستغرق المحاكمة خلال الأسبوع الأول على الأقل 12 ساعة يومياً، بمعني أنها قد تستمر من الظهر إلى ما بعد منتصف الليل بتوقيت واشنطن حيث سيكون لكل من الإدعاء والدفاع فرصة تقديم حججهم القانونية بما لا يتجاوز 24 ساعة على يومين فقط، وهو الأمر الذي انتقده الديمقراطيون بشدة معتبرين أنه جدول مضغوط جداً يستهدف تغييب الأميركيين عن مجرياته، كما يستهدف تلبية رغبة ترمب في تبرئته سريعاً قبل الرابع من فبراير (شباط) المقبل، وهو موعد إدلائه خطاب حالة الاتحاد أمام الكونغرس بغرفتيه (النواب والشيوخ).
وبعد سماع الادعاء والدفاع، سيُتاح لأعضاء المجلس طرح أسئلتهم للطرفين على مدى 16 ساعة عبر أسئلة مكتوبة يديرها رئيس المحكمة العليا.
وعقب الانتهاء من هذه الأسئلة وإجاباتها ، سيناقش مجلس الشيوخ ما إذا كان يتعيّن على المجلس استدعاء شهود أو طلب وثائق، ولهذا فمن غير المعروف حتى الآن متى تنتهي المحاكمة.
وكانت محاكمة بيل كلينتون استغرقت 5 أسابيع حيث بدأت في 7 يناير وانتهت في 12 فبراير 1999.
كيف سيتم التعامل مع الأدلة؟
لم تبحث قواعد إجراءات المحاكمة مسألة الاعتراف بالأدلة المقدمة من مجلس النواب، لكن ذلك سيُترك للتصويت في مرحلة لاحقة من المحاكمة لم يتحدد موعدها بعد، وحتى يمكن تقديم دليل جديد قد يظهر على السطح، يجب تصويت 51 عضواً بالموافقة على قبول الدليل.
وبينما يبدو الديمقراطيين موحدين في قبول أي دليل جديد، إلا أن الجمهوريين يرفضون ذلك ويلقون بالمسئولية على مجلس النواب الذي لم يكمل إجراءاته قبل توجيه الاتهامات إلى الرئيس ترمب.
ما طبيعة الاتهامات؟
تجسد الاتهامات والردود عليها طبيعة صراع واضح بين الديمقراطيين والجمهوريين حول نظريات الحكم في الولايات المتحدة، فمن وجهة نظر الديمقراطيين، انتهك ترمب سلطاته الرئاسية، واعترض سبيل الكونغرس، وعلى هذا الأساس وُجِّه اتهامان ضده وصادق عليها مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون.
ويستند هذا الرأي إلى أن الكونغرس يجب أن يمارس صلاحياته وسلطته عندما يضع الرئيس مصلحته السياسية والشخصية فوق مصلحة الأمة، وأن هذا هو ما فعله الرئيس ترمب بالضبط.
ويُلخص الإدعاء فكرة أن ترمب إنتهك سلطته بأن مارس ضغوطاً على دولة أجنبية طالبها بالتدخل في الانتخابات الأميركية لتحقيق مصالح سياسية شخصية، وبهذا قوّض العملية الانتخابية الأميركية والسياسة الخارجية الأميركية، حين أراد من الرئيس الأوكراني إعلان التحقيق في ملف نائب الرئيس السابق جو بايدن ونجله، فضلاً عن التحقيق في دعاوى بأن أوكرانيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية عام 2016.
وينتهي ملخص الاتهامات إلى أنه لا يوجد دليل على أن بايدن تصرف بشكل غير مناسب، وأن نظرية التدخل الأوكراني ليست إلا محض خيال ودعاية روسية خبيثة. ووفقاً لما يقوله الديمقراطيون فإن ترمب اعترض سبيل الكونغرس بعد ذلك بأن أصدر توجيهاته إلى البيت الأبيض والوكالات التنفيذية الخاضعة له بتجاهل مذكرات الاستدعاء القانونية، كما أصدر أوامره إلى كبار مساعديه برفض الادلاء بشهاداتهم، فضلاً عن أوامر أصدرها إلى وكالات ووزارات عدة برفض التعاون مع الكونغرس وعدم الاستجابة لطلباته بتوفير الوثائق المطلوبة.
وحسب حجج مجلس النواب، فإن رفض التعاون مع تحقيقات الكونغرس في الاتهامات المتعلقة بالعزل، ليس من حق الرئيس أن يتخذه من الناحية الدستورية، بل ويمثل خطراً جدياً على أسس الضوابط والتوازنات التي اعتمدها الدستور الأميركي.
ما نقاط دفاع ترمب؟
قدم فريق الدفاع عن ترمب رده على الدعاوى المتضمنة في اتهامات مجلس النواب، اعتبر فيه أن فقرتي الاتهام، تمثلان إهانة للدستور والمؤسسات الديمقراطية، ووفقاً لهذا الطرح، فإن توجيه الاتهام للرئيس بسبب ما يقول الديمقراطيون أنه انتهاك لاستخدام السلطة، هو في الواقع انتهاك خطير للسلطات الدستورية التي يتمتع بها الرئيس، وأن الموافقة على الإدانة ومن ثم عزل الرئيس، سيضعف مؤسسة الرئاسة بشكل دائم.
ويوضح دفاع ترمب، إن ما يسمونه "عرقلة الكونغرس"، هو أمر مشروع لسلطة الرئيس وللإمتياز الذي يتمتع به، ولهذا فإن الموافقة على الاتهام بعرقلة الرئيس للكونغرس، سيحوّل نظام تقاسم السلطة الثلاثي (التنفيذي - التشريعي – القضائي) إلى نظام برلماني خالص رفضه واضعو الدستور الأميركي.
ويضيف دفاع ترمب أن إقالة الرئيس من منصبه تتطلب ارتكابه جرائم محددة ضد القانون الراسخ والمعروف بالفعل، وأن الديمقراطيين لم يقدموا شيئاً يدل على أن ترمب فعل ذلك ضمن فقرتي الاتهام.
وحمّل فريق دفاع ترمب الديمقراطيين مسؤولية الفشل في تقديم شهود لديهم معلومات مباشرة عن سبب حجب الرئيس للمساعدات العسكرية إلى أوكرانيا في مقابل الاعلان عن التحقيق مع بايدن.
ويضيف أن إجراءات مجلس النواب حرمت ترمب من حقوقه الموجبة قانونياً، وأن تصرفات ترمب كانت شرعية لأن السياسة الخارجية هي مسؤولية الرؤساء بغض النظر عن دوافعهم، بينما تسيطر على الديمقراطيين رغبةً جامحة في إزاحة ترمب عن منصبه، ما لوّث بشكل مدمر إجراءات الاتهام.