طوال العام الماضي، الذي شهد احتجاجات أدت إلى سقوط نظام استمر 30 عاماً، توقفت الأنشطة الثقافية والفنية والأدبية التي اشتهرت بها العاصمة السودانية الخرطوم، حيث مارس عمر البشير في فترة حكمه أساليب قمع لكل النشاطات التي كان يرى أنها تنشر الوعي وتهدد نظامه القائم على التعتيم.
قبل سقوط النظام كان هناك نموذج مصغر داخل ميدان الاعتصام يعكس المظاهر الأدبية والثقافية والفنية، حيث أُقيمت الندوات ورُسمت الجدران بجداريات داخل حدود الاعتصام وخارجها. هذا النشاط الواضح حمّس المهتمين بإرجاع الحياة الثقافية والفنية بقوة بعد سقوط النظام وتشكيل الحكومة الانتقالية التي لم تعارض النشاطات بجميع أشكالها.
حفلات غنائية
نظّم مهتمون العديد من الحفلات الغنائية، كان أغلبها إحياءً لذكرى الثورة السودانية، حيث جرى ترديد أغنيات الثورة والأغاني الوطنية، وعاد فنانون كُثر، هاجروا من السودان لزمن طويل، إلى المشاركة في حفلات رأس السنة، منهم الفنانة جواهر وهاجر كباشي وآمال النور، مع عودة متوقعة للفنان عبد الكريم الكابلي في 28 يناير (كانون الثاني) الحالي، الذي يعد من أهم الفنانين السودانيين حيث رفد المكتبة الغنائية السودانية بأهم الأغنيات التي تداولتها الأجيال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقاهٍ ثقافية
وافتتح المهتمون بالشأن الثقافي عدة مقاهٍ ثقافية، يُستضاف فيها أهم الكُتـّـاب وتُقام فعاليات أدبية وفنية، حيث جرى افتتاح مقهى "رَتينة" واستضاف الفنانة آمال النور في جلسة غنائية وطنية وسط حضور كثيف من قِبِل المثقفين والمهتمين، وكانت أول فعالية برفقة الكاتبة ميسون النجومي مع فاصل موسيقي على آلتي الجيتار والكمان.
أما "بوكتينو" فهو مقهى ومكتبة تقام فيه نشاطات متعددة، حيث استضاف في الشهر الماضي الكُتّاب حمور زيادة ومهند الدابي وحجي جابر، وتُعقد ندوات وأوراق عمل في علم الاجتماع والفلسفة وورش رسم للأطفال. ويقول أحمد بدر، المسؤول عن المقهى لـ"اندبندنت عربية" إن "وجود مقاهٍ مختصة بالثقافة يسهم بصورة جيدة في دفع الحركة الثقافية في السودان إلى الأمام".
أما في معرض الكتاب السابق فشهدت الخرطوم حريات في النشر والتوزيع، حيث لم يتم مصادرة الكتب التي كانت تصادر طوال الأعوام السابقة، ما أتاح للعديد من الكتاب الذين مُنعوا من ممارسة أنشطتم فرصة التواجد داخل السودان والتوقيع على كتبهم.
وللمرة الأولى طُبعت رواية "حوش بنات ود العمدة" للكاتبة سناء جعفر والتي كانت من الروايات الممنوعة من التداول داخل السودان في فترة حكم البشير، حيث تعرض الرواية جانباً من المشكلات الاجتماعية في البلد الأفريقي كالعنصرية والفشل والعلاقات الزوجية والأسرية وبعض المسكوت عنه، بالإضافة إلى رواج روايات عبد العزيز بركة ساكن، التي كانت تُصادر سنوياً من المعرض.
وأتاحت الحريات الثقافية لكتّاب كُثر التواجد في السودان بعد غياب طويل، منهم حمور زيادة، فيما استقطب هذا المناخ الصحي العديد من الروائيين والشعراء العرب.
بيوت ثقافية وفنية
وأسهم "بيت الشعر" في خلق ترابط بين الشعراء في السودان، وفتح الباب للمواهب الجديدة عبر المنتديات التي ينظمها أسبوعياً وكذلك المهرجانات التي تُقام، ولم تقتصر الفعاليات داخل الخرطوم فقط، بل شملت زيارات إلى أماكن مختلفة، منها منطقة "كُترانج"، بالإضافة إلى احتفاله باليوم العالمي للغة العربية بحضور وزيرة التربية والتعليم انتصار صغيرون، والاحتفال بيوم الكاتب الأفريقي، ومهرجان الخرطوم للشعر العربي، بحضور شعراء عرب من كل أنحاء العالم.
بيت العود
وافتُتح "بيت العود" الجمعة الماضي، في أمسية ضمت عازفي عود وفعاليات متعددة في خطوة لدعم الفن السوداني. ومن أهداف المركز تدريب الموسيقيين السودانيين وتطويرهم حتى ينافسوا في المسارح العالمية.
بينما انطلق اليوم "مهرجان السودان للسينما المستقلة" في دورته السادسة، ويستمر لمدة أسبوع بمشاركة خبراء وفنانين وسينمائيين من الداخل والخارج، في وقت حقق السودان حقق نجاحات كبيرة في السينما العالمية بعد فوز عدة أفلام بجوائز عالمية، أبرزها فيلم "ستموت في العشرين" للمخرج أمجد أبو العلا. وفي الوقت ذاته انطلق اليوم معرض الخرطوم الدولي الذي يضم فعاليات مختلفة.
الفعاليات المتعددة والمتنوعة التي يشهدها السودان حالياً في مجالات الأدب والفن والنشاطات الثقافية عموماً، والحضور الكثيف في كل المحافل، يؤكد أن الشعب السوداني محب ومتذوق للفنون بمختلف أشكالها.