توقع مسؤولون عراقيون أن تمدد الولايات المتحدة استثناء بلادهم من إجراءاتها بشأن استيراد الكهرباء والغاز من إيران، برغم إقرارهم أن هذا الأمر هو موضع انقسام داخل الإدارة الأميركية حاليا.
وقد يؤدي عدم تجديد الإعفاء الى الحاق ضرر بقطاع الكهرباء العراقي الذي يعتمد ثلث طاقته على ما يستورده من الغاز والكهرباء الإيرانيين، في وقت يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
وتحدثت "اندبندنت عربية" مع ثلاثة مسؤولين عراقيين، رفضوا الكشف عن أسمائهم، قالوا جميعا إنهم يتوقعون تمديد الاستثناء الأميركي للعراق الخاص بشراء الكهرباء والغاز من إيران.
لقاء صالح وترمب
قال أحد المسؤولين، إن هذا الملف سيكون حاضراً في جدول أعمال الرئيس العراقي برهم صالح بنظيره الأميركي دونالد ترمب، على هامش اجتماعات منتدى دافوس الذي تجري أعماله في سويسرا حاليا، مؤكدا أن بغداد لديها مؤشرات واضحة أن الاستثناء الأميركي للعراق سيستمر خلال الشهور القليلة القادمة.
ويضيف المسؤول العراقي، "على الرغم من ميل ترمب نحو التصعيد ضد إيران خلال الشهور القادمة، فإنه قد يؤكد لنظيره العراقي في دافوس أن الولايات المتحدة لا تنوي ممارسة ضغوط اقتصادية على بغداد في المدى المنظور، لكنها قد تعيد النظر في خياراتها على المدى البعيد".
ويوضح أن "الاستثناء الأميركي الذي ينتهي منتصف فبراير (شباط) المقبل، قد يتجدد لثلاثة شهور أخرى، وفقا لتقديرات بغداد"، مشيرا إلى أن "الرئيس صالح سيحاول أن يتوافق في دافوس على هذه النقطة مع الرئيس الأميركي".
انقسام أميركي بشأن استثناء العراق
في المقابل، أكد المسؤولان الآخران أن الولايات المتحدة ستمدد استثناءها للعراق، لكنهما قالا إن لدى بغداد معلومات تؤكد أن هذا الملف سبب انقساماً في إدارة البيت الأبيض، بين فريق يدفع باتجاه التجديد، وآخر يفضل زيادة الضغط على إيران أكثر، لاسيما خلال المدة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وقال المسؤولان إن الولايات المتحدة ربما لا تأخذ الأضرار التي سيتعرض لها العراق جراء وقف الاستثناء بعين الاعتبار، قدر اهتمامها بالضرر الذي سيقع على إيران، فيما أكدا أن ضرر إيران لن يكون كبيرا قياسا بالعراق، و"هو أمر جرى إيضاحه لواشنطن بالأرقام".
لكن جميع المسؤولين، أقروا بأن "بدء العراق في تنفيذ قرار إخراج القوات الأجنبية من البلاد، سيدفع الولايات المتحدة إلى إلغاء الاستثناء بسرعة، وربما فرض عقوبات على بغداد كتلك التي تحاصر إيران منذ شهور، وتكاد تدمر اقتصادها".
بانتظار حكومة دائمة
في المقابل، يرى السياسي العراقي المستقل إبراهيم الصميدعي، أنه من المستبعد ألا تجدد الولايات المتحدة استثناء العراق من قرارات حظر التعامل مع إيران، بسبب عدم وجود حكومة دائمة في بغداد.
ويرى الصميدعي إن تكليف رئيس حكومة جديد في بغداد، سيكون أمرا حاسما في ملف استيراد العراق للكهرباء والغاز من إيران، إذ يمكن للولايات المتحدة في حينه التفاهم معه.
لكنه يقول إن الظروف الأخرى التي تحيط بالقرار الأميركي تشجع إلغاء الاستثناء الممنوح للعراق بشأن التعامل الاقتصادي من إيران، مشيرا إلى أن تجهيز طهران لبغداد بالكهرباء في هذا الوقت من العام، يكون في أدنى مستوياته، بسبب اعتدال المناخ، ما قد يشجع كلا من بغداد وواشنطن على مناقشة بدائل أخرى عن الطاقة الإيرانية، بينها خيارات قد توفرها أميركا نفسها.
البنوك العراقية
وفي سياق متصل، قال رئيس مجلس المصرف العراقي للتجارة فيصل الهيمص يوم الثلاثاء 21 يناير (كانون الثاني) 2020، وهو المنصة النقدية التي تغطي تعاقدات العراق الخارجية، إن مصرفه لن يكون طرفاً في آلية دفع مستحقات إيران المالية عن الغاز والكهرباء اللذين يستوردهما العراق، في حال لم تجدد واشنطن الإعفاء من العقوبات الذي ينتهي الشهر المقبل.
وفرضت واشنطن عقوبات صارمة على قطاع الطاقة الإيراني في العام 2018، لكنها منحت العراق سلسلة من الإعفاءات الموقتة على مدار الأشهر الـ15 الماضية، تسمح لبغداد بشراء الغاز من طهران.
وتدفع بغداد ثمن الواردات من طريق إيداع الدينار العراقي عبر المصرف العراقي للتجارة المملوك للدولة، ما يسمحُ مبدئياً لإيران باستخدامه لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات.
وقال رئيس مجلس إدارة المصرف إنه "في حال انتهى الاستثناء، أكيد أن المصرف لا يمكنه أن يدفع لأي مستحقات غاز، ولا يمكن أن يتعامل مع أي كيان إيراني بخصوص الغاز والكهرباء بالتأكيد".
وأضاف "كمصرف، أهم شيء لدينا هو أن نكون ملتزمين التعليمات المحلية للبنك المركزي العراقي والتعليمات الدولية)، لذلك يثق العالم بنا".
ويتعرض أي كيان يتعامل مع المؤسسات أو البلدان التي أدرجتها الولايات المتحدة في القائمة السوداء لعقوبات ثانوية تقيد وصوله إلى الدولار الأميركي.
وأدى الإعفاء الأميركي إلى حماية العراق من عقوبات مماثلة، ما سمح له بمواصلة استيراد حوالى 1400 ميغاواط من الكهرباء و28 مليون متر مكعب (988 مليون قدم مكعب) من الغاز من إيران.
آلية سداد خاصة
في غضون ذلك، اتفقت إيران والعراق على خطة سداد تتماشى مع اللوائح الأميركية من طريق حساب بالدينار العراقي عند المصرف العراقي للتجارة.
وبدءاً من العام الماضي، توجبت على العراق فاتورة مستحقة تبلغ نحو ملياري دولار عن عمليات شراء سابقة للغاز والكهرباء، وفقاً لوزير النفط الإيراني بيجان زنكنه.
ورفض الهيمص الكشف عن المبلغ الذي دفع في الحساب أو المبلغ الذي لا يزال مستحقاً، لكنه أكد لوكالة الصحافة الفرنسية أن "الاستثناء سمح بأن يدفع لمصدري الكهرباء والغاز. سلمت دفعات عدة حسب هذه الآلية لكن المشكلة أن التصرف بالأموال التي دفعت لم يكن ممكناً".
ويخشى العراق تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وكلاهما حليفان لبغداد.
وصوت البرلمان العراقي في وقت سابق من الشهر الحالي على تفويض الحكومة بإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد، بما في ذلك نحو 5200 جندي أميركي، في أعقاب غارة أميركية بطائرة مسيّرة اغتالت فيها واشنطن الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض عقوبات شديدة على العراق في حال إصرار بغداد على وجوب ان تغادر القوات الأميركية العراق.