إياد علاوي رئيس الحكومة العراقية التي تولت الحكم عقب الغزو الأميركي للعراق في مايو (أيار) 2004 خلفاً لسلطة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر. وكان من معارضي القرارين اللذين اتخذهما بريمر باجتثاث البعثيين وحل الجيش العراقي، وأصر على ضرورة استيعاب جمبع القوى السياسية العراقية. خلال فترة حكمه قاد عمليات عسكرية ضد جيش المهدي في النجف بمشاركة القوات العراقية والأميركية. انضم علاوي يافعاً لصفوف حزب البعث ثم أصبح من أشد المعارضين لنظام الرئيس العراقي صدام حسين حتى أنه كتب عن قسوته في أحد أجزاء مذكراته بعنوان "بين النيران" قائلاً في وصفه لأحد الأحداث "لم أشهد مثل قسوة صدام". أمضى سنوات طويلة في عالم السياسة وقرر تقديم استقالته – وكان قد تحدث عن عزمه القيام بذلك في حال التمس فشل السلطة السياسية ليحاربها بسلمية - من مجلس النواب قبل أيام، واعتبر أن السلطة التشريعية لم تتعامل بجدية مع مطالب الحراك الشعبي المستمر في العراق منذ أشهر.
واليوم يعوّل علاوي على انبثاق "موج" قريباً وهي مختصر مسمى "الجبهة الوطنية المدنية" وحصيلة حوارات طويلة بين القوى العراقية المدنية. وفي حديث لـ"اندبندنت عربية" قال "نؤسس جبهة وطنية تملأ فراغ الشرعية وتسترجع القرار من الميليشيات، وهي تعمل لدعم مشروع الإصلاح الوطني في العراق".
كلامه المتزامن مع استقالته يترك المراقب في حيرة وترقب!. هل استقال السياسي العراقي المخضرم من البرلمان ليكون طرفاً معارضاً؟ أم أنه يعتزم جمع الأصوات المدنية ليرشح من جديد لقيادة مشروع بناء دولة المواطنة التي تقوم على العدل والمساواة، كما يؤشر دوما لذلك؟
في هذا الحوار، إجابات عن هذه الأسئلة وغيرها:
10 تيارات لبناء الحكم المدني
يشير علاوي إلى أن جبهة "موج" لتمثيل التيار المدني الوطني المؤلف حديثاً، الذي يمثل تجمعاً عراقياً من 10 تيارات، تضم إضافة لحزبه (الوفاق الوطني العراقي) كلا من المشروع الوطني برئاسة جمال الضاري، وتجمع شباب العراق الحر، ورابطة خريجي المركز المهني للصناعات الميكانيكية، ورابطة جرحى الجيش العراقي، وحزب عروبيين، والمجموعة الأكاديمية وممثلي الاتحادات والنقابات التي تضم نخبة من المحامين والصحافيين، واتحاد الحقوقيين والفنانين، ونقابات العمال، فضلاً عن مجموعة من الناشطين المدنيين في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية، كل ذلك لمجابهة ميليشيات استقوت بإيران الداعمة والمحركة لمشروعها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رغم الاستقالة
لعل هذا النشاط تأكيد على أن استقالة علاوي لا تعني أنه غادر العملية السياسية التي سبق أن وصفها بالفاشلة، بعدما حرمته من تشكيل حكومة 2010 التي ترشح فيها لهذه المهمة إثر فوز قائمته الوطنية في تلك الانتخابات، وكيف عملت أحزاب السلطة الدينية على تزوير نتائج الانتخابات وحرمته من حقه الدستوري وحرمان ناخبيه المدنيين من إعلان تشكيل الحكومة وقتها.
الدستور المغيب بالأزمات
في حديثه يرى رئيس الوزراء العراقي الأسبق أن الدستور الذي سعى إليه بات حبراً على ورق كما يصفه الكثير من المراقبين للمشهد العراقي، وأن الإرادة السياسية ماهي إلا ورقة بيد القوى الإقليمية الساعية لتحقيق مصالحها مع المتغيرين الإقليمي والدولي، حين امتنعت الدولة الراعية للعملية السياسية حينها عن إنصافه وهي صاحبة الكلمة الفصل بوجود جيوش الولايات المتحدة فوق الأراضي العراقية قبيل انسحابها عام 2011.
ويشير إلى أن نتيجة هذا المتغير خذل التيار المدني وأبعده ضمنياً عن أن يُمنح دوراً قيادياً في العراق، وأن المرحلة التي تلتها هي ذات مؤشر لتسليم مقاليد الحكم للإسلاميين، وعلى رأسهم حزب الدعوة الإسلامي برئاسة أمينه العام وقتها نوري المالكي في زمن الرئيس أوباما وحكم الديمقراطيين المناوئين لإيران علناً.
علاوي والاستقالة السياسية
في الحديث مع السياسي علاوي تشعر بأنه وصل لطريق مسدود قاده ضمنيا للاستقالة كنتيجة لما قال عنه، "إخفاق البرلمان في أداء دوره التشريعي والرقابي، وصمته عن حملات الاغتيالات الممنهجة للناشطين والصحافيين العراقيين، وعجزه عن إيجاد بديل وطني لرئيس الوزراء المستقيل لا يمكنه إلا أن يكون ممثلاً حقيقياً للشعب العراقي وطموحاته الوطنية".
التزوير في 2018
في المحصلة التاريخية تسبب التزوير العلني في انتخابات عام 2018 بمخرجات كارثية على المجتمع سيما انعدام الثقة بين الشعب وزعاماته وبرلمانيه، حيث يؤكد المتخصصون أن التمثل فيها لم يصل سوى 18-20% من مجموع الأصوات المؤهلة للتصويت، وهو ما استدعاه للقول: "أعلنت في بيان رسمي بعدم الاعتراف بتلك الانتخابات ومخرجاتها، وحذرت من تجاهل المقاطعة الشعبية والرسمية التي شهدتها، وما رافقها من شبهات تزوير وتلاعب، ما نزال ندفع ثمن تداعياتها". كلماتٌ تضمنها بيان استقالته من البرلمان.
الحراك الشعبي زلزل سلطة الميليشيات
في التطورات الجارية يرى علاوي، وهو الذي خاض الغمار السياسي المعارض لفترة طويلة، أن الحراك الشعبي والتظاهرات هو زلزال تشهده البلاد حالياً مرتكزاته تلك العملية السياسية التي كانت تعلن بأنها تسعى لبناء تجربة ديموقراطية، سبق أن حلم بها معارضو حكم الرئيس صدام حسين ممن تسلموا السلطة والحكم بعد غزو العراق 2003، وعلى رأسهم رئيس حزب الوفاق الوطني إياد علاوي، الذي وجد نفسه وحركته مطوقاً بالميليشيات المسلحة التي تجوب شوارع العاصمة والمحافظات، والأخيرة حولت مشروع بناء الدولة المدنية الديموقراطية، إلى مشروع لما يسمى بدعم "المقاومة" وربطت البلاد في عجلة الماكنة الإيرانية ومشروعها الإقليمي.
الملايين الغاضبة على الفساد
لكن خروج ملايين العراقيين في العاصمة بغداد والمحافظات ذات الأغلبية الشيعية فرض وضعاً مغايراً للاستكانة التي سادت قبيل إعلان الاحتجاجات في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي 2019، التي كانت نوعاً من الاسترخاء النشط على وصف المتخصصين بالعلوم السياسية في بغداد. تمكنّ وضوح أهداف الحراك الشعبي والاحتجاجات التي ظلت تكبر ككرة الثلج المتدحرجة من إحراج السلطة الموغلة بالفساد والتبعية نتيجة تفاعل قوى الأغلبية العراقية الصامتة والخروج إلى الشارع وملء الساحات العامة وهي تهتف "إيران بره بره بغداد تبقى حرة"، وجد علاوي وسواه من التيار المدني متنفسا وأملاً جديداً لوقف مشروع إيران في العراق، وطرح بدائل تحاكي متطلبات الشارع الغاضب.
قمع السلطة كشف الحقيقة
يشرح علاوي حركة الشارع العراقي الحالية بقوله، "إن ردود فعل السلطة عليها كانت صادمة، حيث استمرت بقمع المتظاهرين الذين تعرضوا لعنف مفرط، وكشفت عن نوع السلطة التي تهيمن عليها الأحزاب المسيطرة على مقاليد الحكم والمنخرطة في مشروع إقليمي يرهن البلاد إلى قوى إقليمية متحكمة بالمشهد السياسي والمغلبة لمصالحها على حساب المصالح العراقية، ناهيك عن مصادرتها لسلطات البلاد الثلاث".
في هذا الصدد يقول رئيس كتلة الوطنية أيضا: "صمت مجلس النواب إزاء تصاعد حملات الاغتيالات اليومية الممنهجة التي يتعرض لها الناشطون والصحافيون، واستشهاد ما يقارب 600 مواطن من المتظاهرين السلميين وإصابة عشرات الآلاف، مؤشر لضعف الأداء الحكومي والنيابي الرقابي معاً".
ضرورة إعلان الحكومة المؤقتة
يذهب علاوي بعيداً في التعبير عن استيائه لما يلمسه في أداء السلطة التي تقتل المحتجين علناً وتشرد الآلاف منهم ولم تتمكن من "اختيار بديل" لرئيس الوزراء المستقيل بعيداً عن التمسك بالأطر الدستورية، ويلبي تطلعات الحراك الشعبي ويحقق الإصلاح من خلال تشكيل حكومة مؤقتة تقود العراق إلى بر الأمان والاستقرار بتهيئتها الأرضية المناسبة لإجراء الانتخابات المبكرة والنزيهة.
استعادة العراق لمحيطه العربي
علاوي يطالب بإرجاع العراق إلى محيطه العربي، بعدما حالت وتحول قوى الإسلام السياسي دون تغليب هذا التوجه نحو ربطه عنوة بالماكنة الايرانية، وتوظيف إمكانات الدولة ومواردها لخدمة المشروع الإيراني والتوافق مع مسعى تعويم الإرادة العراقية الوطنية وبناء الدولة المدنية.
يرى رئيس الوزراء الأسبق أن سبب ذلك يعزى إلى "انعدام وجود خارطة طريق سياسية فيما يتعلق بعلاقات العراق العربية وتطويرها وتكوين حلقات الربط الاقتصادي والتجاري معها، كذلك انعدام خارطة طريق فيما يتعلق بالجوار العراقي غير العربي والنفوذ المستفحل لبعض هذه الدول في العراق"، في إشارة للنفوذ الايراني، كما يؤكد ذلك، مما يؤشر من وجهة نظره على أن "العراق يعيش المرحلة الأخطر في تاريخه بالمنطقة كإحدى نتائج التصعيد الذي حذرنا منه، يجعلنا نكرر مطالبتنا بعقد مؤتمر إقليمي يقود المنطقة بكاملها إلى شواطئ السلام، من خلال تغليب الحكمة والاتزان لحفظ العراق من الانزلاق بالحرب وتأثيراتها.
هناك خطورة من تكرار السيناريو السوري في العراق وقرار جلاء القوات الأجنبية ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال
التحذير من تكرار النموذج السوري
ولم يتوان السياسي علاوي من التحذير من خطورة ما سمّاه تكرار السيناريو السوري في العراق، وأن قرار جلاء القوات الأجنبية ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، محملاً البرلمان المسؤولية في تحمل ما يحدث من صِدام حيث يوضح "كان على البرلمان محاسبة الحكومة ومراقبة آليات تطبيق قواعد الاشتباك العسكري من حيث طريقة وتوقيتات الاشتباك ونوعية الأسلحة المستخدمة، على أن يكون العراق كدولة دعت التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمساعدته في حربه ضد داعش، وهي صاحبة القرار وليس غيرها، ولضمان ألا يكون ساحة مفتوحة أمام القوى الإقليمية والدولية".
عجز الحكومات عن خلاص العراق
يسأل علاوي، لماذا بقى العراق يراوح بين البندين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة وتقف أكثر من 90% من أمواله عبر مصرف نيويورك بحسب قرار مجلس الأمن، فمن هم المسؤولون عن ذلك، ومن سيتحمل التداعيات؟، في إشارة واضحة للعجز الحكومي والبرلماني في التفاوض حول انتزاع الاستقلال الاقتصادي والمالي للعراق بعد 16 عاماً من رفع الحصار عليه!.
ويعزو علاوي كل هذه التناقضات التي تشهدها الإدارة السياسية للبلاد بشكل صريح وواضح إلى "أن العملية السياسية في العراق التي تكللت بأول انتخابات نزيهة عام 2010، خرجت عن جادة الصواب في تحقيق مصالح الشعب، وغدت أضحوكة كبرى وعبئا ثقيلاً على الشعب العراقي، وأسيرة للمحاصصة والطائفية والفساد وعرضة للانتهاكات والاستباحة من قبل دول خارجية، وضحية دستور مكبل، ما يستوجب إعادة العملية السياسية برمتها إلى المسار الصحيح بطرق سلمية، وانتخابات نزيهة وبقانون جديد ومفوضية جديدة وقادرة، وبدستور يأخذ بعين الاعتبار دور الشباب والنساء في بناء العراق ومستقبله".
الهيمنة الإيرانية
لكن كل ذلك يصطدم بأهداف إيران التي جعلت العراق منصة لانطلاق صواريخها وسياستها التي جندت الآلاف من العراقيين في ميليشياتها حيث يؤكد رئيس الوزراء الأسبق بقوله "إيران تريد منازلة أعدائها انطلاقا من أرض العراق على حساب شعبه الكريم بهدف أن تكون شرطي الخليج العربي، كما كانت أيام نظام الشاه الذي سقط بإرادة الشعب، لكن ذلك سيفشل، لأن الشعب الإيراني وقواه الوطنية ترفض هذا الأسلوب وتهدف إلى إقامة أفضل العلاقات مع العراق وبقية شعوب المنطقة.
هل يسعى علاوي للرئاسة؟
في خضم هذه الفوضى، أعلن علاوي أنه لا يسعى لرئاسة الحكومة بقوله: "لن أتسابق مع الطامعين في الحصول عليها". دون أن يحدد من هم أولئك الطامعون؟، مؤكداً أن مبرر استقالته وتحوله للمعارضة المدنية هو احتجاج على القتل بحق المحتجين في البلاد، الذين لا يمكن لأحد أن يردعهم عن ثورتهم، ثورة الشعب العراقي التي تؤسس للحظة وطنية كبرى ستنقل البلاد إلى مرحلة جديدة كلياً.