لا تزال علامات الاستفهام مطروحة حول تعيين بعض "الأشخاص" في حكومة رئيس الوزراء عبد العزيز جراد، وبينما يرى البعض أن الرئيس تبون اعتمد على الكفاءات، تتساءل فئة واسعة من الشعب عن كيفية اختيار المسؤولين بالجزائر.
تعيينات تطرح تساؤلات
مع جلوس كل رئيس جديد على كرسي حكم الجزائر، ومع تعيين كل رئيس حكومة أو وزير أول، تثار تحفظات حول عديد من المسؤولين، وتطرح تساؤلات حول طريقة ومعايير تعيين إطارات الدولة، ورغم أن الرئيس الحالي عد المجيد تبون صنع الاستثناء، وخرج عن المعهود منذ استقلال البلاد في 1962 بتعيين مسؤولين أغلبهم من خارج "صحن" النظام، غير أن الغموض لا يزال سيد الموقف حول وجود أشخاص من ضمن الإطار الحكومي المعين وفي المؤسسة الرئاسية، خصوصاً الذين اختصر منصبهم في جملة "مكلف بمهمة".
يقول الأكاديمي والإعلامي عبد الرحمن طيبي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إنه "لا يمكن فهم معايير اختيار المسؤولين في الجزائر، من دون إدراك بنية الساحة السياسية، سواء بصورتها الحقيقية كما هي موجودة في الواقع، أو الصورة المسوقة في صناعة مشهد معيّن لصالح طرف أو آخر".
ويضيف، "أن أكبر المعايير في معرفة متغيرات اللعبة السياسية وثوابتها هي سيادة جو الحرية والعدالة والمساواة، التي تعتبر الانتخابات الشفافة والنزيهة آلية من آليات تجسيدها".
وقال إنه على هذا الأساس "تركيبة المشهد السياسي في الجزائر معقدة"، نظراً إلى عوامل عدة مرتبطة بالإرث المكون له، والمتجلي ثقافياً واجتماعياً ومعرفياً، إذ "نجد حضوراً للإرث الاستعماري في التسيير والانتقاء، وحضوراً للإرث التاريخي الوطني الذي ينشد بناء دولة الحريات والسيادة في سياق تاريخ وهوية ومصالح البلد، وحضوراً أيضاً لبعض الممارسات الاستبدادية لدولة ما بعد الاستقلال".
لا مكان للكفاءة
يعتقد طيبي أن هذه المقدمة مفيدة في معرفة مخرجات الاختيار، نظراً إلى الوضع الذي يمر به البلد، فآليات وغايات الاختيار في زمن الأزمة وعدم الاستقرار ليست نفسها زمن الاستقرار، "لكن المتفق عليه أنه في ظل سيادة القانون والعمل على تحقيق مصالح البلد، وحتى وإن سجّلت جملة من الانحرافات، إلا أن الكفاءة كثيراً ما تكون العامل الحاسم في الاختيار".
ويشير إلى أن الكفاءة لا ينظر إليها بمعزل عن الولاء والاقتناع بالبرنامج السياسي أو خطة عمل المنتقي الذي يختار.
وأوضح أنه في حال الأزمات غالباً ما يُنتقى "الأكفأ الموالي والمقتنع بخطة العمل أو السياسة العامة لصاحب الاختيار".
ويُجرى اختيار الموالين في سياقات التوازن الجهوي والفكري، كما يُنتقى البعض الآخر لاعتبارات متعلقة برؤية معينة لحل الأزمة من قبيل تشتيت المعارضة، أو التغلغل فيها من أجل توجيهها، أو فضحاً لممارساتها.
ويقول طيبي، "إن حالات أخرى عاشتها الجزائر في العهد السابق التي نتمنّى أن لا تعود، مرتبطة بتولية ذوي القرابة العائلية لاحتكار السلطة والثروة"، معتبراً أن معايير الانتقاء مرتبطة ومتأثرة بصورة المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وكلما ساد القانون والعدالة زادت حظوظ الكفاءة في الانتقاء.
منع وزراء حكومة جراد من التعيينات
ولتجاوز الاستفهامات والانحرافات، علمت "اندبندنت عربية" أن رئاسة الجمهورية، جمّدت كل مسارات التعيينات في المناصب العليا للدولة، بعدما سُجّل تجاوزات خلال تولي نور الدين بدوي رئاسة حكومة "تصريف الأعمال" بعد استقالة بوتفليقة، خصوصاً في وزارة الداخلية والوزارة الأولى.
وذكر المصدر أن وزراء عبد العزيز جراد تلقوا تعليمات صارمة بتجميد التعيينات في المناصب العليا في الدولة، كما وُجّهت تعليمات بمتابعة اقتراحات تعيين قدّمتها حكومة بدوي، بعدما وردت معلومات إلى الجهات المعنية تفيد بعدم أحقية وأهلية بعض المسؤولين لتلك المناصب، التي طبعتها المحاباة والولاء في التعيين.
ومن أجل منع تكرار ممارسات النظام البوتفليقي الذي اعتمد على معايير غير عقلانية ومقبولة في التعيين، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون، في اجتماع مجلس الوزراء، عن منح سلطة التعيين لرئيس الحكومة عبد العزيز جراد، و"نزعها" من الوزراء أو الأمناء العامين وغيرهم، وبرر الرئيس قراره بـ"هدف التخفيف من إجراءات التعيين في المناصب السامية للدولة، وتسريع حركة مستخدمي الوظائف العمومية السامية".
ممارسات زرعها النظام السابق
في سياق متصل، يعتبر المحلل السياسي رابح لونيسي، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن دستور الجزائر يضع التعيين من صلاحيات رئيس الجمهورية، "لكن في الواقع ليس كذلك، إذ يتم الاختيار بتوافقات بين عدة أطراف".
ويقول إن النظام الجزائري منذ عام 1962، يستند إلى ثلاث ركائز، وهي "الرئاسة والمخابرات وقيادة الأركان"، فهذه الأطراف لها الكلمة في اختيار المسؤولين الكبار على الأجهزة والمؤسسات الحساسة، وعادة ما كان الأمر يتم بالتوافق فيما بين هذه الأطراف، موضحاً أن بوتفليقة خلال توليه الحكم تمكّن من تحويل الرئاسة إلى "مؤسسة قوية جداً، وعلى حساب المؤسسات الأخرى".
ويواصل لونيسي أن "رجال المال كان لهم دور كبير في التعيينات خلال الحكم السابق، وهؤلاء أو بعضهم الذين تغولوا هم وراء تنحية تبون في 2017 من على رأس الحكومة، بعد أن سعى إلى فصل السياسة عن المال".
ويضيف، "نعتقد أنه لن تعود لهم الكلمة مرة أخرى بفعل إصرار تبون على مبدأ الفصل بين المال والسياسة، وأيضاً للدور الذي لعبه قائد الأركان الراحل قايد صالح بإبعادهم عن الساحة السياسية وسجن بعضهم"، موضحاً أنه يجب تجاوز الولاء للنظام والتوازنات الجهوية وهي نوع من المحاصصة غير المعلن، وهو ما يناقض النظام الجمهوري الذي يجب اشتراط الكفاءة والولاء للجزائر فقط لا غير.
من جانبٍ آخر، تعبر الإعلامية المهتمة بالشأن السياسي نسيمة عجاج عن أسفها لتجذر على مدار عقود معيار التعيين حسب الولاء سواء في المناصب السياسية أو في كبرى المؤسسات الاقتصادية ربما المؤسسات الأمنية أين يكون التعيين فيها أكثر صرامة ويلعب فيها معيار الكفاءة دوراً كبيراً بالنظر إلى حساسية القطاع.
وقالت إنه "حتى إن تساوى شخصان في الكفاءة، واستحقا المنصب نجد من يُتقن الولاء هو من يصل إلى أعلى المراتب"، مشيرة إلى أنه في حال تجاوز معيار الولاء يبقى "معيار القرابة والجهوية يصنع الفارق"، والمؤسف أن هذه الممارسات أصبحت "لا تقتصر على مناصب المسؤولية فقط، بل انتشرت إلى أبسط الوظائف".