غاب عن المشهد العراقي الحديث عن الانتخابات المبكرة، في ظل التطورات السياسية الأخيرة، والذي يعد أحد المطالب الرئيسة للمحتجين العراقيين، فبعد أن شرع قانون جديد للانتخابات ومفوضيتها، لم يتبقَ من المطالب سوى انتخاب رئيس وزراء مستقل وحلّ البرلمان لإجراء انتخابات مُبكرة بإشراف أممي.
ولعل ما يدفع المحتجين العراقيين للتشديد على ضرورة أن يكون رئيس الوزراء المقبل مستقلاً هو التخوّف من احتمالية تزوير تلك الانتخابات، وعدم ضمان نزاهتها في ظل حكومة تتسلط عليها الأحزاب السياسية التي ينتفضون عليها.
وكان بعض الكتل السياسية الموالية طهران اتهمت المطالبات بإجراء انتخابات مبكرة بأنها تأتي بدفع أميركي، لكن مطالبة المرجعية الدينية في النجف بإجرائها أوقف تلك الاتهامات، وعلى الرغم من إعلان تأييد تلك الكتل مطلب المرجعية، فإنها عملياً لم تؤدِ إلى تحرّكها للشروع بذلك ابتداءً بتشكيل الحكومة ثم حل البرلمان.
وبرر مراقبون أن الكتل السياسية تستخدم المماطلة في قضية انتخاب رئيس وزراء جديد لتأجيل حل البرلمان، مبينين أن كل المؤشرات تقود باتجاه نية الكتل السياسية تكليف رئيس حكومة دائمة لثلاث سنوات، فيما كشف آخرون عن تسريبات تفيد بأن رئيس الوزراء المقبل ستُجرى الموافقة عليه فور إعلانه، مرجّحين أن ترضخ القوى السياسية للمطالب الشعبية الداعية إلى إجراء الانتخابات المبكرة.
أسباب دستورية
يعلل نواب في البرلمان العراقي تأجيل مسألة حل البرلمان بأنها "لا يمكن أن تُجرى في ظل حكومة تصريف أعمال"، وفيما بيّنوا أن كل الكتل السياسية تنتظر تسمية رئيس الوزراء المقبل للشروع بتلك المهمة، يقول آخرون إنه لا رغبة لدى بعض الكتل في تحقيق هذا المطلب، وإن صرحت بخلاف ذلك.
في السياق ذاته، قال رئيس كتلة الوطنية في البرلمان كاظم الشمري، إن "الانتخابات المبكرة مطلب التظاهرات والمرجعية، والكل يسعى بعد تسمية رئيس الوزراء المقبل إلى إجرائها، لأن وضع البلاد لا يمكن أن يستقر دون انتخابات مبكرة فيها عدالة ونزاهة وشفافية".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "النظام العراقي برلماني، وكل السلطات الأخرى وتحديداً التنفيذية تنبثق من رحم البرلمان، وحله يعني حلّ كل السلطات"، مشيراً إلى أن "الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة يقتضي وجود حكومة واتباع آليات رسمها الدستور لحل البرلمان".
ولفت أنه "لا يمكن الدعوة لحل البرلمان بظل حكومة تصريف أعمال لا تمتلك أي صلاحيات"، مردفاً "هناك أسباب دستورية وواقعية وعملية تمنع ذلك".
من جهة أخرى، قالت النائبة عن تحالف سائرون إيناس المكصوصي، إن "التحالف يدعم مطالب الشارع العراقي، ومن ضمنها الانتخابات المبكرة"، مستدركةً "نحن نبدأ وننتهي من الشارع العراقي".
وأضافت لـ"اندبندنت عربية"، "تتحدث تصريحات لبعض النواب والكتل السياسية عن دعمها مطلب حل البرلمان، لكنها تختلف في الحقيقة، ولا رغبة لدى بعض الكتل في تحقيق هذا المطلب".
وأشارت إلى أنه "نحن بانتظار تشكيل الحكومة المقبلة للشروع بمشروع الانتخابات المبكرة، لأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال".
حظوظ ناقصة
ولعل السمة الأبرز في الاحتجاجات العراقية، تجاوز الطائفية ومحاولة إنهاء المحاصصة، ما شكَّل تخوفات كبيرة للكتل السياسية الرئيسة، إذ يعتمد النظام العراقي الحالي على المحاصصة في توزيع السلطة.
من جانبه، قال النائب السابق حامد المطلك، إن "القوى السياسية المستفيدة من الوضع الحالي والتي لها حضور سياسي، وتحكّمت بالانتخابات الماضية بالتزوير لا تريد الذهاب باتجاه انتخابات مبكرة تكون حظوظها ناقصة فيها".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أنه "من يتحكّم بالمشهد السياسي هو القوى الموالية إيران، وهذه القوى لا تريد ذهاب مكتسباتها السياسية".
وأضاف أن "تلك القوى الموالية إيران هي القادرة على تفعيل مشروع الانتخابات المبكرة من عدمه".
تحايل على الحراك الشعبي
في المقابل، يرى أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية فاضل البدراني، أن "المشكلات السياسية والتصعيد الأخير أقرا واحداً من أهم المناخات للقوى السياسية للتحايل على الحراك الشعبي والمماطلة لعدم تنفيذ مطالب المتظاهرين".
ويقول لـ"اندبندنت عربية"، إن "هذا التسويف في تنفيذ المطالب هو ما دفع المتظاهرين إلى بدء التصعيد، وهذه الخطوة كادت تؤدي إلى تسمية رئيس الحكومة لولا تدخل أطراف سياسية للتأجيل مستفيدة من زيارة رئيس الجمهورية لمؤتمر دافوس ولقائه الرئيس الأميركي وتوظيفها لصالحهم".
ويشير إلى أن "الخطوة الأولى لدى الكتل السياسية في حال تشكيل حكومة جديدة هي أن تستمر وتكمل ما تبقى من دورتها الانتخابية، وهناك قيادات برلمانية تدعو إلى الصمود قدر الإمكان وعدم حل البرلمان".
ويلفت إلى أن "بعض القوى السياسية تعتقد أن إجراء الانتخابات المبكرة سيؤدي إلى خسارتها ما يقارب 80 في المئة من جمهورها، ولذلك لن تسمح بذلك".
وفي سياق العمل على تأجيل تنفيذ مطلب الانتخابات المبكرة، بيّن البدراني أن "تلك الكتل تمارس الضغط باتجاه تأجيل تشكيل الحكومة قدر المستطاع للبقاء، وفي حال لم ينجحوا فسيحاولون التمسُّك قدر الإمكان بالبقاء في البرلمان وعدم حله".
وأضاف أن "الأطراف السياسية الأساسية تعتمد على الطائفية في بقائها، وهي تحاول أن تعيد إنتاج تلك الحالة الطائفية"، لافتاً إلى أن "بعض الكتل تنتج برامج ذكية لاستغفال الجمهور وإقناعه بالبقاء في الثقافة الطائفية".
وختم أن "حلفاء إيران يستخدمون اتهام أميركا بتحريك التظاهرات للضغط على أتباعهم"، مشيراً إلى أن "تلك القوى تعمل على إذكاء روح مزدوجة، وهي الطائفية من جهة، ومن جهة أخرى تحريك الكراهية ضد أميركا لكسب الجمهور".
معادلة أميركا - إيران
من جهة أخرى، قال الكاتب والصحافي حيدر البدري، إن "معادلة أميركا - إيران في قضية اختيار رئيس الحكومة العراقية عادت، بعد لقاء رئيس الجمهورية برهم صالح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأن توافقاً قريباً سيجري بهذا الشأن".
وكشف البدري لـ"اندبندنت عربية" عن أن "مصادر مُقربة سرّبت أن رئيس الوزراء المقبل ستُجرى الموافقة عليه فور إعلانه، ولن يعطوا فرصة للشارع لإبداء رأيه"، فيما رجّح أن يكون المرشح المحتمل "مستقلاً".
ورجّح البدري أن ترضخ القوى السياسية إلى المطالب الشعبية الداعية لإجراء الانتخابات المبكرة، معللاً ذلك بأن "تلك القوى السياسية تعوّل على إعادة استقطاب الجمهور مرة أخرى، ونسيان العراقيين لما جرى، فضلاً عن تعويلهم على النظام الانتخابي الذي لا يلبي طموح المحتجين وقد يخدم تلك القوى".
حكومة دائمة
في سياقٍ متصلٍ، قال رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، إن "المرجعية دعت إلى الانتخابات المبكرة، لكن توجد قضية مُبهمة تحتاج إلى توضيح، وهي هل أن رئيس الوزراء المقبل سيكون رئيس حكومة مؤقتة مهمتها إعداد الانتخابات المبكرة أم سيستمر ثلاث سنوات لحين انتهاء الدورة البرلمانية؟".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الأمور تسير باتجاه تكليف رئيس حكومة دائمة ثلاث سنوات، ولو كان في نية الكتل السياسية إجراء انتخابات مبكرة لتحدّثوا للجمهور، وأصدروا مرسوماً جمهورياً أو وزارياً في تحديد موعد لها".
وبيّن أنه "إضافة إلى تلك العوامل فإن رئاسة الجمهورية لم تصادق حتى الآن على قانون الانتخابات الجديد".
وأكد أن "الكتل السياسية ماضية باتجاه الاستمرار والمراهنة على انتهاء التظاهرات وامتصاص الغضب الشعبي لإكمال الدورة الانتخابية بأي طريقة"، مبيناً أن "تلك الكتل تحاول إذكاء الروح القومية والطائفية، لكنها ورقة خاسرة والشارع العراقي لن يقبل بها، وكشف الكثير من الحقائق".