إن قرار دوق ودوقة ساسكس التاريخي بالتخلي عن لقبيهما والواجبات الملكية التي كانت قد أسندت لهما، جعل هذين الزوجين اللذين ما زالا في الثلاثينات من عمرهما كالمغناطيس الذي يجتذب بعض المخاوف الأكثر إلحاحاً في المجتمع، بما في ذلك القلق من حدوث فجوة بين الأجيال.
وانغمس النقاد والدعاة في النقاش متسلحين بأهم الأسباب التي أدت في رأيهم إلى انحراف الأمور عن مسارها. في الواقع، يعود ذلك التغيير إلى مزيج من الأسباب، تماماً كما هي الحال مع معظم التطورات التي تحصل في الحياة. فقد اندمجت التنافسات العائلية والملكية المشحونة مع صدمات الطفولة والشعور الشخصي بعدم الأمان لتخنق هذا الثنائي المعاصر بما لديه من حاجات معاصرة.
مما لا شك فيه أن التصيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي وما نشرته الصحف الشعبية من تغطيات مفرطة في الحِشرية والعنصرية وكراهية النساء في بعض الأحيان، قد ساهمت كلها في إحساسهما بالضيق وبأنهما ضحيتان. لكن المحّفز الرئيس كان الصدام بين ما شعرا به من رغبة شخصية في نيل الحرية الفردية التي يوفرها القرن الحادي والعشرون من جهة، وبين حاجة الأسرة إلى التستر على التوترات المستمرة في إطار ما يتطلبه الواجب الملكي بدلاً من حلها، من جهة ثانية. في مواجهة هذه الضغوط المتناقضة، رفض هاري وميغان تصنّع الظهور بمظهر الشخص الصلب الذي يُخفي عواطفه مدى الحياة من أجل الالتزام الصامت بالملكية.
قد يعيش أفراد العائلات البريطانية الممتدة في ضحالة نسبية، ينخرطون فيها على امتداد عقود في أحاديث حول الطقس من أجل تمويه علل متنوعة، بدءاً من عدم التوافق على المستوى الشخصي وصولاً إلى اضطراب ما بعد الصدمة. وربما كانت حياتهم على هذا النحو من السمات البريطانية المميزة. لكن في النهاية، لا يزال الحب والحميمية ينموان في ظل الكثير من المشاكل التي لم تجد حلاً.
بيد أن قلة من أبناء الألفية الحالية يقبلون بالمعاناة طويلة الأمد، وخصوصاً عندما تعترض طريق الإنصاف وتحقيق الذات. تشجع المدارس وحملات الصحة العقلية العامة، بما في ذلك حملة أطلقها الأميران وليام وهاري شخصياً، على أهمية التحدّث والتعبير عن الذات والتفكير من أجل فهم المرء لنفسه وللفروق بينه وبين الآخرين. وليس غريباً أن غالبية أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 19 و37 عاماً قد أيدت قرار الزوجين بالمغادرة طلباً لحياة جديدة.
لذلك، فإن اتحاد هذين الشخصين المنحدرين من خلفيتين مختلفتين قد حقّق ما يشبه الرغبة الوطنية بدفعه العائلة المالكة إلى تبني رؤى القرن الحادي والعشرين الأكثر قدرة على ضمان استمرار الحياة. لكن، النجاح هنا يعتمد على تغيير الثقافة، كما هو الحال لدى أي شركة تتكيف مع ما تتطلبه الحياة الراهنة من التزام بثلاثية "المبادئ البيئية والاجتماعية وتلك المتعلقة بالإدارة المتماسكة". وعندما صار مبدأ تقرير الشخص لمصيره على الطريقة الأميركية في مواجهة مبدأ التضحيةَ بالنفس البريطاني، مُنيّت الحداثة بالفشل.
جاءت دوقة كامبريدج أيضاً، كغريبة حين كان اسمها لايزال كيت ميدلتون بنت الطبقة الأدنى، كي تنضم إلى العائلة المالكة الأرفع مستوى. وعلى الرغم من أن الصحافة غالباً ما عاملتها باحترام، فقد عانت من بعض الهجمات القاسية. ومع ذلك، ظل تواضعها تجاه المؤسسة الملكية عميقاً، وإذ عرفت موقعها، فهي تمكنت من الانغماس تماماً في الكيان الملكي الأكبر. وفي حين أنها قد تصبح ملكة ذات يوم، إلا أنها ستكون قرينة الملك التي تحظى باحترام كبير.
خلافاً لذلك، قاربت امرأة أميركية، في سن السادسة والثلاثين، ناجحة مهنياً ومؤمنة بالمساواة، العلاقة الملكية متوقِّعةً حدوث تطور. وكانت محاولة ميغان للانتقال من أداء دور امرأة تحظى بشرف العبودية للتاج إلى دور المفكرة المستقلة والقائدة المحتملة لتمكين المرأة على المسرح العالمي، هي التي قلبت الصحافة وعائلة زوجها ضدها. باتت خيارات أسلوب حياتها وجهودها الخيرية تبدو للبعض أمثلة نموذجية على الغرور والرغبة بوضع نفسها في الصدّارة، على الرغم من أن الخيارات والجهود نفسها في غالب الأحيان قد عادت على سِلْفتها كيت بالإعجاب والثناء.
في نهاية المطاف، فإن جهود هاري الخرقاء للترويج لمهارات ميغان الصوتية كممثلة أمام الرئيس التنفيذي لشركة ديزني في حفل استقبال أُقيم أخيراُ، والصورة التي رسمتها وسائل الإعلام لهما كشخصين فظين يكتويان بنار الاستياء في أحد زوايا الحياة الملكية، أضعفت مكانتيهما كعضوين بارزين في العائلة المالكة وصالحين للظهور على شاشات التلفزيون. ويتأكد فعلاً هذا التهميش، حين يبقى القصر ثابتاً في موقفه بأن هناك متسعاً لزعيم وحيد أو لزعيم مستقبلي، وأنه لا يمكن السماح لأي من أعضاء العائلة المالكة الآخرين جميعاً، بغض النظر عن مدى كفاءاتهم، بما في ذلك ذكاؤهم العاطفي، أن يتألق على نحو يطغى على بريق الزعيم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لعل ما ميّز ميغان عن النساء الأخريات في تلك العائلة لم يكن خلفيتها العرقية المختلطة، بل طموحها، وكونها صريحة وتخدم نفسها بطريقة غير مريحة في ضوء مسؤوليتها الأكبر ضمن العائلة المالكة. ما لم تكتشفه بعد هو أنه حتى في عصر قيادة الفكر، لا ينبغي الاستحواذ على المنبر الملكي، وأن كل ما تناله من مكافآت واهتمام لكونها شخصية ملكية يجب أن يصبّ في صالح العائلة.
بعد مرور 23 عاماً تقريباً، تبقى نسختا الأميرة ديانا اللتان اختارهما ولداها، والمتجسدتان في كيت وميغان، متنافرتين ضمن عائلة واحدة. ففي تناقض صارخ مع ميغن، يقف ألق دوقة كامبريدج الهادئ وصبرها، وتمسكها بقيود المؤسسة التي تحدّد فيها بعناية وحكمة مطالبها الخاصة وتعزّز دورها من خلال الاستفادة من دورها كأم بارّة. ميغان هي ديانا ما بعد تشارلز، أو هي عينان تفتحان بلهيبهما فجوة في برودة المذهب الخانق للبروتوكول الملكي، وصوت يصرخ عالياً نيابة عن ضحايا الظلم المشترك الذين تنبض قلوبهم بخفقان قلبها.
على الرغم من أن المنصة العالمية للرعاة الملكيين العاملين لا تصلح لميغان، فإن رغبتها هي وهاري في عدم التزام أساليب الماضي ستحميهما من المصير المالي والاجتماعي الذي لقيه الملك إدوارد الثامن وزوجته والاس سيمبسون بعدما أقصى نفسه.
يبدأ هاري وميغان حياتهما الجديدة كفريق قادر من شخصين متكافئين يطمحان لبناء نوع من الفعالية الاقتصادية والشخصية. ينبغي أن يساعد الأسف والواقعية والإعجاب الشديد الذين يكنهم ملايين البريطانيين للأسرة المالكة في إبقاء أبوابها مفتوحة أمامهما. ينبغي قبل كل شيء توفير طرق أمام هاري للتواصل مع بلاده مهوى روحه، ولمساعدته في التخفيف من وطأة أي شعور بالفراغ أو الحزن قد ينموان مع مرور الوقت. إنه يشبه في هذا الجانب فقط الملك إدوارد الثامن، شقيق جد أبيه الأكبر، فهو يضحي بالكثير كرمى لعين حبيبته.
تريشا دي بورشغريف كاتبة مستقلة وزميلة مشاركة في الشراكات الاستراتيجية للقيادات النسائية العالمية والعمل الخيري
© The Independent