لم يكد الاقتصاد العالمي ينتهي من أزمة الحرب التجارية الأميركية- الصينية حتى لاحقته أزمة جديدة، ممثلة بالمخاوف من تأثير كبير لفيروس كورونا الجديد، الذي ظهر في الصين ويمتد لأماكن أخرى في العالم.
وأدت هذه المخاوف إلى هبوط في أسواق الأسهم والنفط، بسبب عدم قدرة المستثمرين على تقدير الخسائر المحتملة من هذا الفيروس على قطاعات عدة، خصوصا السياحة والسفر والنقل. كما من الصعوبة تقدير مدى تأثير الفيروس على الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
"وول ستريت" تهوي
وفي الأسواق الأميركية، كان واضحا حجم التأثير على "وول ستريت"، حيث كانت جلسة الافتتاح أمس الاثنين الأسوأ منذ ثلاثة أشهر، بحسب بيانات "رويترز"، حيث هوى مؤشر "داو جونز" الصناعي، الذي يقيس الشركات الصناعية، بنسبة 1.6%، في وقت انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، الذي يقيس أكبر 500 شركة، بنسبة مماثلة. بينما كان الانخفاض الأكبر في مؤشر "ناسداك"، الذي يقيس الشركات التكنولوجية التي تصنع أغلبها في الصين، بنسبة قاربت 1.9%.
ولم تشهد البورصات الأميركية هذا الهبوط الكبير سوى في ذروة الحرب التجارية التي بدأتها واشنطن في مايو (أيار) الماضي، عندما فرضت رسوما جمركية بنسبة 25% على الواردات الصينية، ما أشعل حربا تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، وهزّت المؤشرات الأميركية والعالمية. ويوضح ذلك أن المستثمرين يرون حجما ضخما للفيروس الجديد دفعهم للتخلي عن الأسهم قبل أن تتفاقم الأزمة.
أوروبا تسقط أيضا
وما حدث في أميركا، جرى في أوروبا، حيث هوت الأسهم الأوروبية بنسبة تجاوزت 2%. وبحسب رصد لـ"رويترز"، فقد شملت الخسائر أكثر من 97% من الأسهم على المؤشر ستوكس 600، ماحيا نحو 180 مليار يورو من القيمة السوقية لمؤشر الأسهم الأوروبية.
وكانت أسهم مصنعي المنتجات الفاخرة وشركات الطيران والفنادق، التي تشهد طلبا كبيرا من المستهلكين الصينيين، أكبر المتأثرين بالهبوط. وفقدت كبرى شركات تصنيع المنتجات الفاخرة في أوروبا أكثر من خمسين مليار دولار من القيمة السوقية منذ بدء انتشار الفيروس الأسبوع الماضي.
تأثير الصينيين على السلع الفاخرة
وتراجع المؤشر داكس الألماني 3% تقريبا، بينما شهد كاك الفرنسي أسوأ أيامه في أربعة أشهر تقريبا، إذ نزلت أسهم "إل.في.إم.إتش" و"كريستيان ديور" و"هيرميس" و"كيرنغ" المالكة لـ"غوتشي" أكثر من 3.6%.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفقدت أسهم شركات أخرى في مجال المنتجات الفاخرة مثل مجموعة "بوربري" و"مونكلر" و"سواتش" و"ريتشمونت" السويسريتين لصناعة الساعات بين 2.5 و4.8%.
ويظهر ذلك حجم تأثير الصين اليوم في قطاع المنتجات والسلع الفاخرة، حيث يعتبر الأثرياء الجدد الذين صنعتهم الثروة المستحدثة في سنوات النمو الصيني أكبر المشترين لهذه المنتجات والسلع، إضافة إلى وجود سوق صينية ضخمة تعتبر هدفا لهذه الشركات.
النفط... الخسارة الأكبر
لكن القصة الأكبر كانت في سوق النفط، حيث هوت أسعاره أكثر من 2% ليصل إلى أدنى مستوياته في ثلاثة أشهر، حيث توقعت الأسواق أن يتراجع الطلب على النفط مع الهبوط المتوقع لحركة السفر والتنقل عالميا.
وتحدد سعر التسوية لخام برنت عند 59.32 دولار للبرميل، منخفضا 1.37 دولار بما يعادل 2.3 %، ومسجلا أدنى مستوياته منذ 21 أكتوبر (تشرين الأول) بحسب بيانات "رويترز". وأغلق الخام الأميركي على 53.14 دولار للبرميل، بانخفاض 1.05 دولار أو 1.9 %، وعند أقل سعر منذ الثاني من أكتوبر.
ودعت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، أمس، إلى الحذر من "التوقعات السلبية" فيما يتعلق بالتأثير المحتمل لانتشار الفيروس على الاقتصاد العالمي والطلب على النفط.
الرياض تهدئ الأسواق
وقال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن "جزءا كبيرا من التأثير الواقع على الأسواق العالمية، بما في ذلك الأسواق البترولية، وأسواق السلع بشكل عام، مدفوع بالعوامل النفسية والنظرة التشاؤمية التي يتبناها بعض المتداولين في السوق، على الرغم من أن أثره على الطلب العالمي على البترول محدود للغاية".
وقال في بيان "مثل هذا التشاؤم حدث في عام 2003 أثناء الأزمة التي أحدثها انتشار فيروس سارس، ولم يترتب عليه انخفاض يُذكر في الطلب على البترول".
وقال وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي "من المنطق أن لا نضخم أي احتماليات انخفاض في الطلب بسبب ما يحصل في الصين".
وأضاف "سوف يكون الاجتماع الوزاري المقبل في شهر مارس (آذار) من هذا العام، وسوف تبحث دول أعضاء أوبك وأوبك+ كافة الخيارات التي تحقق توازن السوق".
و قال وزير الطاقة الجزائري ورئيس الدورة الحالية لأوبك، محمد عرقاب، إن "الأثر على آفاق الطلب العالمي على النفط يبقى ضعيفا".
الذهب الرابح الأكبر
وكالعادة، وفي ظل المخاوف، وحده الذهب يستفيد من ارتفاع المخاطر في الأسواق الأخرى كالأسهم والنفط، حيث قفز إلى أعلى مستوى في نحو ثلاثة أسابيع أمس الاثنين.
وارتفع السعر الفوري خلال الجلسة إلى 1586.43 دولار، وهو أعلى مستوياته منذ الثامن من يناير (كانون الثاني)، بحسب بيانات "رويترز".
وتحدد سعر التسوية في عقود الذهب الأميركية الآجلة على ارتفاع 0.3% إلى 1577.4 دولار للأوقية.