على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصف خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بأنها "جيدة جداً" للفلسطينيين وأن الجهود المبذولة لتنفيذها لن تتم من دون مشاركتهم، إلا أن وسائل إعلام أميركية حذرت من أن رفض الفلسطينيين للخطة مسبقاً، قد يسمح لإسرائيل بالمضي قدماً والتصرف أحادياً بضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، التي نصت عليها خطة ترمب، بصرف النظر عن الرفض الفلسطيني لها.
ويرى محللون سياسيون في واشنطن، أن خطة ترمب السخية لمصلحة إسرائيل ورغباتها في ضم وادي الأردن وغالبية المستوطنات في الضفة الغربية، ستكون في صالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على حساب خصمه اللدود في الانتخابات الإسرائيلية المقررة 2 مارس (آذار) المقبل، بيني غانتس، رئيس تحالف أزرق أبيض، وذلك إذا لم يحدد ترمب ستة أسابيع كموعد نهائي لإسرائيل كي تتبنى الخطة الأميركية.
كيف سيستفيد نتنياهو؟
ويتحدث مراقبون عن أن نتنياهو قد يشرع في ضم وادي الأردن وربما إحدى الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية إلى إسرائيل، حال إعلان الفلسطينيين رسمياً رفضهم لخطة ترمب. وهو ما سيمنح نتنياهو دفعة انتخابية مهمة في وقت يعاني من اتهامات بالفساد وتلقي رشى، حيث سيكون بمقدوره الادعاء بأن مهارته السياسية والدبلوماسية هي التي قادت إلى هذا الإنجاز الضخم لدولة إسرائيل، وأن إعادة انتخاب حكومة يقودها يعِدُ بمزيد من الإنجازات. بينما سيكون خصمه غانتس في موقف صعب، سواء دَعَمَ هذه الخطوة أو اعترض عليها. وهذا ما يعني خسارته للانتخابات بعدما كان قد حقق تقدماً على نتنياهو خلال الانتخابات السابقة.
وتشير صحيفة "ذي هيل" الأميركية إلى أن خطة ترمب للسلام ستجعل نتنياهو يسوق لفكرة أن علاقته الوطيدة مع الرئيس ترمب مكنته من إحداث هذه التغييرات. ولهذا، يطمح نتنياهو، منذ الآن، إلى أن تشكل خطة السلام الجديدة دعماً لحظوظه الانتخابية.
مكاسب ترمب
يتفق محللون سياسيون في العاصمة الأميركية على أن الرئيس ترمب، الذي تمحورت سياسته الخارجية حول إسرائيل من نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، إضافة إلى اعتبار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية شرعية، ستوفر خطته للسلام فرصة رائعة أمام قواعده الانتخابية من الإنجيليين والقوى المؤيدة لإسرائيل. كما ستجذب أنظار الإعلام الأميركي بعيداً من محاكمته التي تجري يومياً في مجلس الشيوخ وسط تغطية واسعة للتفاصيل الدقيقة للمحاكمة.
سر التوقيت
وبينما أعلن الفلسطينيون رفضهم القاطع لخطة ترمب للسلام وتأكيد صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين أن لا أحد يستطيع إملاء أوامره وشروطه على الفلسطينيين، قال غيث العمري الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمستشار السابق للسلطة الفلسطينية في مفاوضات السلام، إن توقيت إعلان ترمب لخطته من شأنه أن يثقل كاهل القادة العرب الذين تحتاجهم الإدارة الأميركية لتأمين دعم واسع لخطتها.
ويضيف العمري، أنه بسبب التوقيت قد يكون من الصعب التغلب على الانطباع بأن هذه الخطوة اتخذت خصيصاً للتأثير في الانتخابات الإسرائيلية. وهو ما يجعل بعض القادة العرب مترددين في الانخراط في عملية ترتبط أكثر بالسياسة الداخلية الإسرائيلية عن كونها تتعلق بالعملية السياسية في الشرق الأوسط، وأن ذلك سيجعل العملية أقل صدقية، لأن الولايات المتحدة تقدم الخطة في هذا التوقيت.
حظوظ النجاح
استغرق وضع خطة السلام، التي كانت تسمى بـ "صفقة القرن"، ثلاث سنوات، قاد خلالها جاريد كوشنر، مستشار ترمب وصهره، فريقاً من الإدارة الأميركية لتحريك ملف السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين من منطلق جديد يرتكز على النظرة الواقعية للأمور على الأرض. وعلى الرغم من رحلات كوشنر وعقده مؤتمراً في البحرين في يونيو (حزيران) الماضي للكشف عن الشق الاقتصادي للخطة وحث الدول العربية والمجتمع الدولي على دعم خطته، إلا أن الفلسطينيين رفضوا كلياً جهود إدارة ترمب ورفضوا التواصل مع البيت الأبيض، حيث لم يكن من المنطقي توقع قبول الفلسطينيين التعامل بإيجابية مع اتفاق صاغه من أغلق بعثتهم الدبلوماسية في الولايات المتحدة وقطع العلاقات المالية معهم، وأطاح بحلم عاصمتهم. بينما كانت مصر والأردن – البلدان الموقعان على اتفاق سلام مع إسرائيل – حذرتين في دعم الجهود الأميركية بشكل علني، فيما حذر ملك الأردن في ما بعد من أن ضم وادي الأردن والمستوطنات إلى إسرائيل سيكون عملاً كارثياً في الشرق الأوسط.
وتحيط شكوك كثيرة بإمكانية نجاح الخطة داخل الولايات المتحدة وخارجها، حيث اعتبر مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية، عمل في ملف السلام بالإدارات الجمهورية والديمقراطية، أن خطة الإدارة الحالية "حيلة سياسية"، طالما أن الفلسطينيين رفضوها بالفعل. فهي ستكون مجرد محاولة أخرى لتسليط الضوء على مدى التزام الإدارة الأميركية بأمن إسرائيل.
طريق للسلام
وفي حين يشير نواب جمهوريون إلى أن خطة ترمب تعد فرصة جيدة لتحقيق السلام انطلاقاً من الواقع العملي للأمور، إلا أن مسؤولين أميركيين سابقين اعتبروا في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن طريق السلام الفلسطيني الإسرائيلي له شروط ومعايير حتى يكتب لها النجاح، وأن أي خطة سلام – بما في ذلك خطة ترمب – يجب أن تلتزم بهذه المعايير والعناصر التقنية، وإلا فإن مصيرها سينتهي في مزبلة التاريخ.
وحدد إيلان غولدنبرغ، رئيس مساعدي المبعوث الأميركي السابق لمفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وهادي عمرو، نائب المبعوث الأميركي الخاص السابق للمفاوضات بين الطرفين، ستة حلول تقنية ينبغي أن تكون جزءاً من أي اتفاق سلام وهي:
أولاً: ضرورة الاعتراف الرسمي المتبادل بارتباط الشعب الفلسطيني بأرض فلسطين وارتباط الشعب اليهودي بأرض إسرائيل. ومن دون هذا الاعتراف من الجانبين، لن يؤمن أي منهما بأن الطرف الآخر سوف يتخلى عن الصراع مستقبلاً.
ثانياً: أي اتفاق على أساس الدولتين – إسرائيل وفلسطين – يجب أن يشمل حقوقاً كاملة لمواطني عرب إسرائيل من الفلسطينيين وعددهم 1.7 مليون نسمة، وكذلك لأي مستوطن يهودي يختار البقاء في دولة فلسطينية ذات سيادة.
ثالثاً: إن الدولة الفلسطينية تحتاج إلى حدود واضحة على أساس خطوط الهدنة قبل عام 1967، التي تُنهي الاحتلال العسكري الإسرائيلي. ويمكن أن يكون هناك تبادل للأراضي متفق عليه، تحصل فيه إسرائيل على أراض داخل الضفة الغربية مقابل حصول فلسطين على أراض في إسرائيل غير مأهولة بالسكان على جانب خط الهدنة. وسوف يسمح ذلك لغالبية المستوطنين اليهود أن تكون جزءاً من إسرائيل، لكن إذا استطاعت الدولة الفلسطينية أن تظل متصلة وقابلة للحياة فحسب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رابعاً: أي اتفاق سيحتاج إلى ترتيبات أمنية تسمح لإسرائيل أن تدافع عن نفسها، وتسمح لدولة فلسطين القيام بإجراءات أمنية لتحقيق استقلالها وكرامتها. ولهذا، فإن ضم وادي الأردن - وهو الشريط الملاصق لنهر الأردن شرق الضفة الغربية – لا يتوافق تماماً مع هذا النهج ولا يبدو ضرورياً. ومع ذلك، فإن الحلول الأمنية البديلة التي تلبي المعايير المطلوبة لا تزال ممكنة.
خامساً: هناك حاجة لعاصمتين في القدس، واحدة لإسرائيل وأخرى لفلسطين، مع حرية الوصول والمرور إلى الأماكن المقدسة للجميع. ومن الخيارات، أن تصبح الأحياء اليهودية تحت السيطرة الإسرائيلية، وأن تكون الأحياء العربية جزءاً من فلسطين، مع ترتيبات مشتركة للمدينة القديمة. وهناك أيضاً خيار آخر وهو أن تكون هناك عاصمة موحدة مشتركة للدولتين.
سادساً: أن يكون هناك حل عادل وواقعي متفق عليه لقضية عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون خارج الضفة الغربية وغزة، سواء بحصولهم على جنسية الدولة التي يقيمون فيها حالياً، أو حصولهم على جنسية الدولة الفلسطينية الجديدة أو الحصول على تعويض، أو عودة عدد متفق عليه إلى إسرائيل أو إعادة التوطين في بلد ثالث.
انعكاسات على إسرائيل
وعلى الرغم من أن خطة السلام الجديدة مُرحَب بها داخل إسرائيل، فإن سيث فرانتزمان، حذر في مقال نشره موقع "دايلي بيست" الأميركي من أن سياسات ترمب في الشرق الأوسط تحمل عموماً أنباءً سيئة لإسرائيل. إذ اعتبر الكاتب أن سياسات ترمب الخارجية ترتكز إلى منطق المقايضة، بمعنى أن الرئيس الأميركي يفكر في كم ستدفع الولايات المتحدة وما الذي ستحصل عليه في المقابل.
وفي الوقت الذي يدعم فيه ترمب هذه الخطة ويهمش القيادة الفلسطينية، إلا أن الدور الأميركي يتراجع في الشرق الأوسط، ويترك لروسيا وتركيا التنسيق للعب دور أكبر في المنطقة، ما يكشف أن نظرة ترمب للمنطقة ضيقة وأحادية. فإذا كان ترمب ينظر لإسرائيل بمنطق الفائدة والدولارات، فإن ذلك سيضع مصالح إسرائيل في خطر على المدى البعيد.
ويقول الكاتب الأميركي إنه على عكس سياسة الرئيس جورج دبليو بوش التي أرسى فيها دعائم نظام عالمي جديد، فإن ترمب وصل بالسياسة الخارجية إلى الحد الأدنى واستبدل الواقعية والمثالية بفكرة الصفقات، حيث أعلن بوضوح رغبته في وقف الحروب التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط.
ويحذر المقال من أن تراجع الوجود الأميركي في الشرق الأوسط وفي الصراعات المشتعلة في كل من سوريا وليبيا واليمن، سيؤثر في إسرائيل مثلما حدث في الماضي في وقت صدام حسين وجمال عبد الناصر، وسيدفع ذلك إسرائيل إلى تدعيم علاقاتها مع روسيا والهند ودول أخرى لتعويض تراجع وتضاؤل هذا الحضور.