اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره التركي رجب طيب أردوغان بعدم الوفاء بالوعود التي قطعها في مؤتمر دولي بشأن ليبيا بعد وصول سفن حربية تركية ومقاتلين سوريين إلى ليبيا، وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس "أود أن أعبر عن بواعث القلق في ما يتعلق بسلوك تركيا في الوقت الحالي وهو ما يتناقض تماماً مع ما التزم به أردوغان في مؤتمر برلين". وأكد ماكرون وجود السفن التركية واتهم أنقرة بانتهاك سيادة ليبيا وتعريض أمن أوروبا وغرب أفريقيا للخطر، وقال "شاهدنا في الأيام الأخيرة وصول سفن حربية تركية برفقة مرتزقة سوريين إلى الأراضي الليبية. هذا انتهاك واضح وخطير لما تم الاتفاق عليه في برلين. إنه إخلاف للوعد".
وصول بارجتين حربيتين تركيتين
وكان مدونون وشهود من العاصمة الليبية طرابلس رصدوا وصول بارجتين حربيتين تركيتين إلى ميناء المدينة فجر الأربعاء 29 يناير (كانون الثاني)، حيث أنزلتا جنوداً ومعدات عسكرية لدعم القوات الموالية لحكومة الوفاق. وصرح المستشار الإعلامي لقيادة الجيش الوطني الليبي محمود الفرجاني أن "هذه العملية تُعد سابقة منذ بدء تركيا التدخل العسكري في ليبيا الذي اقتصر في الماضي على إرسال الدعم جواً ما دفع الجيش الليبي إلى إغلاق المجال الجوي لطرابلس ومصراتة". وكتب الفرجاني على مواقع التواصل أن "الإنزال البحري لقوات الغزو التركي لبلادنا سينسف كل اجتماعات برلين وجنيف وخطط بعثة الأمم المتحدة للأسف. دائماً نقول إن الارهابيين وميليشياتهم هم دعاة حرب وقتل ولا عهد ولا ميثاق لهم".
مجلس الأمن
في موازاة ذلك، يستعد مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة خاصة بليبيا الاربعاء، لمناقشة مسودة بريطانية لقرار "وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا"، فيما أفادت مصادر ليبية خاصة "اندبندنت عربية"، بأن "مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بضرورة تأمين مشاركة إقليمية وأفريقية في مراقبة تنفيذ القرار".
لكن المصادر ذاتها استبعدت توصل مجلس الأمن إلى إجماع حول القرار بسبب استمرار الخلافات الدولية بشأن الحل في ليبيا، خصوصاً بعد فشل "مؤتمر برلين" الأخير في وضع حد لتلك الخلافات.
المسودة البريطانية
ووفق وكالة الأنباء الفرنسية، فإن المسودة البريطانية، التي تطالب مجلس الأمن بإقرار "نتائج القمّة الدولية التي عقدت في برلين في 19 يناير (كانون الثاني)"، وتدعو "جميع الدول الأعضاء إلى الامتثال التامّ لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا"، لا تزال موضع نقاش في الأروقة الجانبية لمجلس الأمن.
وفي وقت تدعو مسودة القرار "جميع الدول الأعضاء إلى عدم التدخل في النزاع أو اتخاذ تدابير تؤدي إلى تفاقمه"، وتشدد على مطالبة الأطراف الليبية "بالالتزام بوقف دائم لإطلاق النار"، تنص أيضاً على "ضرورة الفصل بين القوات المتحاربة والبدء في إرساء تدابير لبناء الثقة بينهما".
لكن رئيس الجمعية الليبية للسياسات منصور سلامة يرجح أن لا تصل الجلسة إلى أي إجماع حول مسودة القرار. فإضافة إلى استمرار الخلافات الدولية في مجلس الأمن بشأن الحل في ليبيا، يشير سلامة إلى ضعف المسودة. فهي "لم تتضمن آليات لفرض وقف إطلاق النار بين الطرفين ومراقبته، خصوصاً أن طلب مندوب ليبيا توسيع دائرة المشاركين في أي لجنة تراقب وقف إطلاق النار، يبدو مطلباً يسعى إلى زيادة عدد المعرقلين".
وفي الأثناء يتبادل طرفا القتال في ليبيا، الجيش الوطني وحكومة الوفاق، الاتهامات بشأن المسؤولية عن محاولات خرق الهدنة. فساحات القتال عادت للاشتعال في منطقة أبوقرين شرق مصراته وفي جنوب طرابلس.
ويعتقد سلامة أن مخرجات برلين، وإن أشارت إلى تشكيل لجنة عسكرية لبدء إجراءات وقف إطلاق النار وحثت البعثة الأممية على بدء إنشاء لجنة سياسية مشتركة، إلا أن مسارها بدأ مشلولاً، موضحاً أنه "كان على ألمانيا السير في اتجاهين. الأول، ردم هوة الخلاف بين المتدخلين في ليبيا. والثاني، أن توكل لهذه الدول مهمة الإشراف على وقف القتال، غير أنها ركزت على الأول وتركت الثاني لليبيين".
ويعتبر أن الإبقاء على الخلافات بين الليبيين وترك مهمة حلها لهم وحدهم "ثغرة ضربت مؤتمر برلين في مقتل. فلن يترك أي طرف دولي نصيبه من الكعكة الليبية وسيستمر في دعم حليفه الداخلي في الظل، في الوقت الذي يعلن فيه ظاهرياً التزامه بمخرجات المؤتمر".
روسيا وتركيا
وعلى صعيد منفصل قالت الخارجية الروسية إنها تنتظر زيارة قريبة للمشير خليفة حفتر، مؤكدة أن الهدنة لا تزال مستمرة في ليبيا بشكل عام، على الرغم من الخروقات. وهو إعلان يقرأه الباحث السياسي عبد القادر أمشالي بأنه بمثابة عودة للأزمة الدولية بشأن ليبيا إلى مربعها الأول، وأن روسيا ستستأنف مفاوضات بشأن تثبيت وقف إطلاق النار من جديد.
وبينما يستعد الاتحاد الأفريقي لعقد قمة بشأن ليبيا بالعاصمة الكونغولية، برازافيل في التاسع من فبراير (شباط) المقبل بمشاركة روسيا، استضافت الجزائر قمة لدول أفريقية مجاورة لليبيا، الخميس الماضي، بعد مؤتمر برلين. وهي مؤتمرات تذهب كلها باتجاه التأكيد أن الحل في البلاد سياسي وليس عسكرياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتساءل أمشالي عن عودة النشاط الروسي مجدداً، قائلاً "لماذا روسيا هي الدولة الوحيدة التي ستشارك في قمة برازافيل المقبلة واليوم أعلنت عن دعوة المشير إلى زيارتها؟". وتساءل أيضاً عن الجولة التي يجريها حالياً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعدة عواصم أفريقية، معتبراً أن تقارباً روسياً تركياً جديداً يهدف إلى إفشال موقف أفريقي، كما أفشل الموقف الأوروبي سابقاً في برلين.
ويحدد الباحث السياسي تزايد الاهتمام الدولي بالملف الليبي بيوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، الذي أعلنت فيه أنقرة عن اتفاق مشترك مع حكومة الوفاق في شقين، الأول بحري وهو الهدف الاستراتيجي لتركيا قبل تقاربها مع روسيا لإنجاح مشروعها، والثاني أمني بهدف حماية واستمرار الطرف الهش في طرابلس، الذي سعت تركيا من خلاله إلى إيجاد أرضية قانونية لمشروعها في البحر المتوسط.
ويلفت أمشالي إلى أن الوضع المتأزم في ليبيا ليس مهماً دولياً، بعدما نقلت تركيا الصراع إلى البحر المتوسط لإنشاء منطقة اقتصادية خالصة تمتد من ساحل تركيا الجنوبي على المتوسط إلى الساحل الشمالي الشرقي الليبي.
وعن جهود أوروبا الأخيرة لإصدار قرار أممي لوقف القتال، اعتبر أمشالي أنها محاولة دولية لضرب المشروع التركي الروسي في البحر المتوسط من خلال إسقاط الحكومة التي وفرت غطاءً قانونياً للاتفاق الموقع يوم 27 نوفمبر.
وفي الوقت ذاته، يطالب أمشالي القيادة العامة للجيش الليبي باستثمار هذه الأوضاع لصالح البلاد والمضي في عمليته العسكرية لتحقيق أهدافها، لا سيما أن أطرافاً دولية وأوروبية تحديداً تقف اليوم ضد المشروع التركي في البحر المتوسط، ويمكن أن تقدم الدعم السياسي لاستمرار العملية العسكرية لتحرير طرابلس.