نفت مصر صحة وجود صفقة بين دمشق والقاهرة، تصدّر بموجبها الأخيرة طائرات "ميغ 21" سوفيتية الصنع إلى سوريا.
وقال مسؤول مصري رفيع في حديث مقتضب لـ"اندبندنت عربية"، طالباً عدم ذكر اسمه "هذا الكلام عار تماماً من الصحة، وليس لديه أي أساس".
وجاء الرد المصري تعليقا على تقرير نشره موقع "ديفنس بلوغ" المتخصص بالشؤون الدفاعية الدولية يهتم بتحليل كل ما يتعلق بأخبار الصناعات الحربية والصفقات العسكرية، وذكر فيها أن سوريا تسعى لشراء الطائرات المذكورة من مصر لتعويض النقص في سلاحها الجوي.
وبحسب التقرير، فإن الصراع الداخلي المدمر الدائر في سوريا منذ تسع سنوات، تسبب في إضعاف قدرات الجيش السوري على الصعد كافة وفي كل فروعه البرية والبحرية والجوية. ومع اتخاذ هذا الصراع صفة حرب العصابات أكثر منه صفة الحرب النظامية، حوّل سلاح الجو السوري أولوياته بعيداً عن امتلاك مقاتلات اعتراض جوي بهدف الدفاع عن الأجواء السورية ضد التوغلات الإسرائيلية أو الغربية المعادية، وركز جهوده نحو إيجاد مقاتلات تتميز بانخفاض تكاليف صيانتها وسهولتها، وتكون قادرة على تنفيذ عدد كبير من الطلعات في اليوم الواحد، ولا تحتاج إلى ذخائر أو قطع غيار باهظة الثمن، ولا تستهلك كميات كبيرة من وقود الطيران. وأمام هذه المتطلبات برزت مقاتلة الجيل الثالث السوفيتية القديمة من طراز "ميغ-21" خياراً مفضلاً لدى قيادة أركان سلاح الجو السوري خصوصاً لجهة تصميمها الهندسي غير المعقد مقارنة مع نظيراتها من الأجيال الأحدث؛ "ميغ-23" و"ميغ-25" و"ميغ-29" العاملة لدى الجيش السوري بأعداد محدودة.
من مميزات "ميغ 21" معدل أعطالها المنخفض وقدرتها على تجاوز سرعة الصوت مرتين واستخدامها تشكيلة واسعة من الذخائر بما في ذلك قنابل الإلقاء الحر
ونظراً لكل ما سبق من مميزات، إضافة إلى معدل أعطالها المنخفض، وأداء طيرانها المعقول نسبياً مع قدرتها على تجاوز سرعة الصوت مرتين، واستخدامها تشكيلة واسعة من الذخائر بما في ذلك قنابل الإلقاء الحر، والأهم من هذا وذاك، جهوزية الطيارين السوريين لقيادة هذه المقاتلات دون الحاجة إلى أي عمليات تدريب نظراً لوجودها في صفوف سلاح الجو السوري منذ ستينيات القرن الماضي، فقد وقع الخيار على مقاتلة "ميغ-21".
تقاطع مصري - سوري
ويبدو أن الحاجة السورية الملحة لاقتناء هذا الطراز قد تقاطعت مع تطلع مصر لإخراجه من الخدمة لدى سلاحها الجوي، ناهيك عن رغبة سياسية لدى القاهرة بدعم قدرات دمشق في مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة، من مثل تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، الهادفة إلى إسقاط الدولة السورية نظراً لما تشكله هذه التنظيمات من تهديد للأمن القومي المصري وجارتها ليبيا.
تعد مصر صاحبة أكبر أسطول لمقاتلات "ميغ-21" السوفيتية مع امتلاكها العشرات من هذه المقاتلات سواء في الخدمة أو مخزّنة
ويوضح التقرير إن مصر اليوم، تعد صاحبة أكبر أسطول لمقاتلات "ميغ-21" السوفيتية الصنع في العالم، مع امتلاكها العشرات من هذه المقاتلات سواء في الخدمة (لا تستخدم كمقاتلة صف أول) أو مخزّنة داخل المستودعات الاحتياطية. ونظراً لخطواتها المتسارعة في تحديث عتاد قواتها المسلحة، ومن بينها أسطول مقاتلاتها الجوية، بدأت القاهرة في إحالة العديد من الطرازات المتقادمة إلى التقاعد وإحلال مقاتلات من الجيل الرابع الأحدث مثل "رافال" الفرنسية و"ميغ-29" و"سوخوي-35" الروسية.
وضمن هذا السياق، شهد العام الماضي توقيع عقد بيعت بموجبه مقاتلات فرنسية الصنع من طراز "ميراج-5"، عاملة لدى القوات الجوية المصرية إلى باكستان، في أعقاب مفاوضات طويلة استمرت زهاء عامين بين القاهرة وإسلام أباد، وذلك إثر الحصول على ضوء أخضر من باريس. وأوضحت معلومات لاحقة أن تفاصيل العقد تضمنت بيع زهاء ثلاثين مقاتلة "ميراج-5"، بما فيها النسخة "حورس" المحدثة لتنضم إلى القوات الجوية الباكستانية التي تعتزم تطويرها إلى معيارها الخاص "روز"، ذو القدرة على تنفيذ هجمات نهارية وليلية وتنفيذ ضربات في العمق باستخدام الصاروخ الجوال محلي الصنع "رعد" البالغ مداه 350 كيلومتراً والقادر على حمل رؤوس حربية تقليدية أو نووية.
كما قامت القاهرة، حسب موقع "ديفنس بلوغ"، بتزويد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، بعدد غير محدد من طائرات "ميغ-21 إم إف" -نشرت صورها على مواقع التواصل الاجتماعي وهي رابضة داخل إحدى القواعد الجوية الليبية بنمط التمويه المصري- لمساعدته خلال المواجهات التي دارت ضد مجموعات مسلحة تتبع تنظيمات "أنصار الشريعة" و"داعش" و"فجر ليبيا" المتطرفة، إثر اختطاف وذبح عشرات من الأقباط المصريين في ليبيا. وقد استوعب سلاح الجو الليبي هذه المقاتلات بسرعة جراء اعتياد الطيارين والفنيين الليبيين على تشغيل هذا النوع من المقاتلات منذ سبعينيات القرن الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خسائر سورية غير مسبوقة
ومن ضمن ما يذكره التقرير، إن سلاح الجو السوري كان واحدا من أكبر أسلحة الجو في منطقة الشرق الأوسط، ويعود ذلك إلى أن الرئيس السابق حافظ الأسد كان طياراً حربياً. وقد ورث ابنه بشار الأسد، الرئيس الحالي لسوريا، قوات جوية قوية إلى حد ما. لكن اندلاع الحرب الداخلية في البلاد عام 2011 خلخل بشكل كبير البنية التحتية للجيش السوري عدة وعتاداً.
وعشية اندلاع الاقتتال الداخلي، كان في حوزة سلاح الجو السوري ثلاثة ألوية (زهاء 90 مقاتلة) من طراز "ميغ-21"، تتوزع على مطارات خلخلة وحماة وأبو الضهور ودير الزور وطبقة. ووفق تقديرات الخبراء فقدت دمشق، بحلول عام 2018، أكثر من 25 مقاتلة من هذا الطراز خلال أدائها مهام قتالية، في ما دُمرت العشرات منها فوق مدرجاتها جراء قصف القواعد الجوية بالقذائف والصواريخ من قبل العناصر المعارضة للنظام، الذين استولوا كذلك على أعداد أخرى نتيجة اجتياحهم قواعد جوية رئيسة خلال المعارك. وقد أجبرت هذه التطورات فرق الصيانة السورية إلى تفكيك بعض طائرات "ميغ-21" لاستخدامها قطع غيار لأخرى نتيجة عدم توفرها حتى من روسيا.
ومع شحّ الموارد المالية اللازمة لشراء مقاتلات أكثر تقدماً، وتردد القيادة السياسية في موسكو بفتح مستودعاتها أمام نظام كان معرضاً بشدة للسقوط خلال بعض مراحل النزاع، وتراكم الديون السورية المستحقة لروسيا، إرتأت دمشق التوجه صوب القاهرة لتعويض النقص الحاصل. وحسب المعلومات المتوفرة تمتلك القاهرة مايقدر بثلاثة ألوية بحالة تشغيلية ممتازة (أي زهاء 60 طائرة) من طراز "ميغ-21" مع كمية وافرة من قطع الغيار والذخائر.
ويقول الخبراء العسكريون إن من شأن إعادة تشكيل لوائين جويين على الأقل من طراز "ميغ-21"، تمكين الجيش السوري من توسيع نطاق هيمنته الجوية في المناطق الشمالية والشرقية الواسعة من البلاد، خصوصاً منطقة البادية ذات الطبيعة الصحراوية، حيث يشن تنظيم "داعش" حتى اللحظة هجمات خاطفة مميتة ضد عناصر الجيش النظامي كلفته الكثير من القتلى. ذلك أن معدل طلعات المقاتلة "ميغ-21" العالي يجعلها مثالية لإلحاق أكبر قدر من الضرر للمجموعات الصغيرة من المسلحين، بفضل حمولتها البالغة طنين من القنابل أو الصواريخ جو-أرض، ومعدل استهلاكها المحدود من الوقود وقدرتها على العمل في الظروف الجوية السيئة والانطلاق والهبوط بسرعة من ممرات قصيرة بما في ذلك الطرق المعبدة.
المحاذير السياسية
ووسط هذه المعلومات، يشكك الخبير العسكري الروسي "يوري ليامين" في إمكانية إتمام عملية الاستحواذ المصرية-السورية، ويرجح أن تعارض الولايات المتحدة هكذا صفقة. ويُعلل الخبير الروسي رأيه بأنه من غير المحتمل أن تُفسد القاهرة علاقاتها مع واشنطن بسبب هكذا مسألة.
ويؤكد ليامين أن القوات الجوية السورية في حاجة ماسة إلى طائرات حربية، وبشكل خاص "ميغ-21"، لأن معظم ما تملكه أصيب بأضرار جسيمة على مدار سنوات الاستخدام المكثف. ويعتقد الخبير الروسي أن السوريين يحاولون الحفاظ قدر الإمكان على طائراتهم الأحدث من طرازات "ميغ-23 إم إل دي" و"ميغ-25" و"ميغ-29" والاعتماد على الطرازات الأقدم والأرخص مع اقتراب الحرب الداخلية من فصلها الأخير. ومع ذلك، يؤكد موقع "ميليتاري ووتش" أن سوريا أرسلت وفداً عسكرياً رفيعاً إلى مصر للتباحث بشأن تزويد دمشق بطائرات "ميغ-21"، وأن ثمة اتجاهاً مصرياً للموافقة على ذلك ضمن استراتيجية التخلص من فائض الأسلحة المتقادمة بدلاً من إبقائها في المستودعات، وما يصاحب ذلك من تكاليف لا طائل من ورائها.