"سمعت صوته ينادي ابني ويغلق الباب، شعرت بالخطر، هرعت لأجد ابني الصغير (4 سنوات)، الذي خاف كثيراً لما رآني، يحاول إصلاح حال ملابسه، في حين تلعثم المتحرش وارتبك". هذه ريما والدة طفلين تعرضا للتحرش من قريبٍ كان يتردد إلى منزلها ويحضر لهما الهدايا ويجلسهما في حجره للّعب بهاتفه المحمول، ولكن بعد تحرشه منعته الأم من التردد إلى المنزل، مهددةً إياه بإخبار عائلته، لتكتشف في ما بعد أن التحرش الجنسي شمل ابنتها (6 سنوات).
لم تخبر ريما الجهات المختصة أو عائلة المتحرش بما حصل، كي لا يُوصم طفلاها بما يؤثر في حياتيهما وشخصيتيهما، على الرغم من أنها موقنة أن طفليها ليسا الضحيتين الوحيدتين لهذا المتحرش.
لم تلمس ريما آثاراً نفسية سيئة على طفليها، لكن سامي الذي تعرض للتحرش في طفولته قبل 20 عاماً يخاف الاختلاط بالناس والارتباط ولا أصدقاء لديه، فتجربته كانت قاسية لا يستطيع نسيانها، في حين باتت سارة أكثر حرصاً على تثقيف نفسها والمشاركة في مبادرات مجتمعية توعوية للأطفال بمفاهيم التحرش وخصوصية الجسد، بعدما أدركت في سنتها الجامعية الثانية أن صاحب البقالة الذي لمس ساقها وهي في العاشرة من العمر، بدعوى فحص جرحها، كان يتحرش بها.
المشكلات النفسية ليست الأثر الوحيد للتحرش، بل في بعض المجتمعات المحافظة يوصم الطفل المتحرَش به طوال عمره، وقد يرفض كثيرون تزويج الموصوم ابنتهم أو تزويج الموصومة ابنهم، لأنهم يعتبرون أن هذا الشخص لن يكون "سويّاً" من الجانب النفسي، وقصة التحرش به ستلازمه طوال حياته. وهذا ما يعني التأثير في أسرته المستقبلية أيضاً.
لكن البعض الآخر يرى أن هذا الطفل كان ضحية شهوة جنسية، ومن الممكن أن يكون واعياً حينما يكبر ويربي أبناءه بطريقة صحيحة ويبعدهم عن خطر التحرش، في حين يفضل آخرون عدم إصدار الأحكام المسبقة وتعميمها، لأن لكل شخص تجربة مختلفة نفسياً واجتماعياً وعائلياً.
اضطرابات نفسية
تقول مديرة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة د. سماح جبر لـ"اندبندنت عربية" إن من شأن تحرش البالغين بالأطفال أن يتسبب باضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة الذي قد يتحول إلى اضطراب في الشخصية.
تضيف جبر أنه من المهم التبليغ عن المتحرش، لأنه قد يكرر الفعل مع أطفال آخرين. وهناك ضرورة لإشعار الطفل بالأمان وعدم تأنيبه وإخباره أن المذنب سيعاقب على فعلته سواء أكان داخل الوسط العائلي أو على صعيد الشرطة والمحاكم، مع تجنيبه جلسات الشهادة وغيرها للابتعاد عن تكرار القصة، إضافة إلى الانتباه إلى عدم إعطائه مكاسب أخرى كالدلال وغيره.
وتشير إلى أن خلق بيئة آمنة للطفل داخل العائلة حتى يستطيع إخبار والديه عن يومه وكيف كان، ومع من يمضيه، وماذا يشاهد على شبكة الانترنت، والتوعية بالحفاظ على خصوصية جسده حتى في الوسط العائلي، وعدم إعطائه إجابات مبهمة أو مخطئة أو التهرب من الأسئلة التي يشعر بعض الأهل بالحرج منها، هذا كله يحمي الصغير من تكوّن فراغ قد يقوم الآخرون بتعبئته بالخرافات أو الاستغلال.
قانون العقوبات
لم يدرج مفهوم التحرش بعد بشكل واضح في قانون العقوبات الفلسطيني الرقم 16 لعام 1960. وهذا ما يجعل من الصعب معاقبة المتحرشين لعدم وجود جناية بهذا الاسم. هذا ما أوضحته دارين صالحية، رئيس نيابة حماية الأسرة من العنف لـ"اندبندنت عربية". فالقانون يفتقر إلى تعريف واضح للتحرش، وإلى إطار قانوني يوضح آلية معاقبة المتحرشين. القانون تحدث عن هتك العرض والاغتصاب، ولكنه لم يشمل التحرش باللمس أو اللفظ. وتضيف صالحية أنه من ناحية العقوبات فإن بعض الحالات تندرج في إطار هتك العرض الذي هو جناية، عقوبتها الحبس من ثلاث سنوات إلى 15، أو ضمن إبداء أفعال منافية للحياء في الطريق العام على مسمع من الناس ومرآهم، فتكون جنحة، عقوبتها السجن من أسبوع إلى ثلاث سنوات، ولكن لا أرقام واضحة بشأن عدد الحالات لغياب مفهومه في القانون.
وترى صالحية أنه ينبغي تعديل قانون العقوبات الفلسطيني ليشمل إجراءات تقديم الشكوى والتدخل السريع وتعزيز ثقافة التبليغ لدى الناس من دون حرج، فالجاني قد يعتدي على أطفال آخرين، إضافة إلى ضرورة وجود الشرطة المدنية في الشوارع لضبط الأمور، وتعديل المناهج المدرسية لتتطرق إلى التربية الجنسية للأطفال ورفع الوعي بين الناس بمفهوم التحرش والحفاظ على الخصوصية.
التحرش الالكتروني
"منذ أن أرسل لي صورته عارياً وأنا لا استطيع تكوين الصداقات ولا وضع ثقتي في أي شاب"، تقول دينا (اسم مستعار)، التي تعرضت للتحرش الالكتروني حين أرسل لها أحد الشبان صورة عبر شبكة الانترنت وكانت تبلغ من العمر 10 سنوات قبل 14 عاماً.
في سياق ظهور هذا النوع الجديد من التحرش، تعلق رئيس نيابة مكافحة الجرائم الالكترونية نسرين زينة بالقول إن قانون الجرائم الالكترونية الصادر عام 2018 أولى الأطفال اهتماماً كبيراً لأن التحرش بهم الكترونياً أو ابتزازهم قد يؤدي بهم للقيام بتصرفات مخلة بالقانون أو الأدب العام، كالاستغلال الجنسي أو السرقة، كما أنه يدفع الطفل للتعرف إلى أمور لا تناسب عمره. هذا قد يؤثر فيه مستقبلاً. وتوضح زينة أن القانون ينص في البند الثاني من المادة 16 على معاقبة كل من يرسل أو ينشر مادة مسموعة أو مقروءة أو مرئية تتضمن مشاهد إباحية أو تتعلق بالاستغلال الجنسي لمن هم دون الثامنة عشرة، بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو غرامة مالية تراوح بين 1000 و 3000 دينار أردني".