أفيد بان الطيران الحربي الإسرائيلي أغار على مناطق زراعية وسط قطاع غزة، وكان الجيش الإسرائيلي اعلن، ليل الأربعاء 29 يناير (كانون الثاني) عن إطلاق صاروخ من القطاع باتجاه إسرائيل، في وقت عزز الجيش وجوده في الضفة الغربية وحول قطاع غزة تحسباً لأي رد فعل فلسطيني بعد الاعلان عن الخطة الأميركية للسلام.
تحقيق إنجازات؟
في هذا الوقت، لم ينتظر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عودته إلى تل أبيب، حتى سارع إلى الإعلان عن تحقيق إنجازات كبيرة تلبي مطامع وطموح اليمين الإسرائيلي والمستوطنين. وبعد أقل من ساعة على إعلان الخطة الأميركية للسلام، باشر في فرض القانون الإسرائيلي على غور الأردن ومستوطنات الضفة، وعرض مشروع قانون بهذا الشأن على جلسة حكومته الأسبوعية، الأحد في الثاني من فبراير (شباط) المقبل، للمصادقة عليه.
تصريحات نتنياهو جاءت في وقت انشغلت الساحتان الحزبية والسياسية في انعكاسات تقديم لائحة الاتهام ضده، عشية الانتخابات، ومن جهة أخرى، ما إذا كان سيوافق المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبنت، على مباشرة إجراءات الضم وفرض السيادة الإسرائيلية، لعدم قانونية هذه الخطوة، إسرائيلياً ودولياً.
خشية من اتساع التظاهرات
وقبل وصول نتنياهو، أعرب مسؤولون في أجهزة الأمن الإسرائيلية عن خشيتهم من اتساع التظاهرات الاحتجاجية إلى حد تصعيد أمنى في الضفة، وكشفوا أن أمنيين إسرائيليين أجروا، هذا الشهر، محادثات مع قيادة السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية الفلسطينية في محاولة لمنع احتجاجات واسعة في الضفة ضد خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين أمنيين أن أجهزة الأمن الإسرائيلية ستبذل قصارى جهودها لاستمرار التنسيق الأمني مع الفلسطينيين، في وقت تسعى الأجهزة الأمنية إلى منع حركة "حماس" من المشاركة في الاحتجاجات، وأوضح مسؤولون أن الخطة الأميركية لن تؤثر في التهدئة بين الطرفين.
الحكومة ضد المستشار القضائي
وحتى يوم الأحد، موعد عرض مشروع قانون فرض السيادة الإسرائيلية، يبحث المستشار القضائي للحكومة في كيفية التعامل مع الموضوع في محاولة لتأجيله، لكن وزراء وسياسيين مقربين من نتنياهو أعلنوا أن مشروع القانون سيعرض، وفي لحظة المصادقة عليه، سيباشر بتطبيق الضم والسيادة الإسرائيلية، بمعزل عن رأي المستشار.
ونقل عن مسؤول إسرائيلي أن نتنياهو سيعرض على الحكومة مقترحات ضم المستوطنات والأغوار والبحر الميت وأجزاء من الضفة. ووفق ما أعلن نتنياهو، بعد إعلان الصفقة، أن إسرائيل حصلت بموجبها على اعتراف بتطبيق القانون الإسرائيلي على غور الأردن وشمال البحر الميت، وعليه أضاف "سنحدد مرة واحدة وإلى الأبد الحدود الشرقية لدولة إسرائيل".
وقال نتنياهو إن خطة الضم ستنفذ على مرحلتين، ووفق ما يخطط، ستكون المرحلة الأولى ضم الكتل الاستيطانية وغور الأردن، وفي المرحلة الثانية ستضم "المستوطنات المعزولة" والشوارع التي تقود إليها. واعتبر الخبير العسكري، ناحوم برنياع، مخطط نتنياهو هذا إحباطاً لمشروع الدولة الفلسطينية، وقال "اليوم أيضاً يسري القانون الإسرائيلي على سكان المستوطنات. ما هو مخطط من تنفيذ للضم سيفرض الحقائق على الأرض لاحقاً"، وحذر برنياع من أن هذا الأمر "سيخلق واقعاً يتمثل بمنظومتين قانونيتين لمجموعتين سكانيتين في المنطقة نفسها، واحدة مسيطرة والثانية محتلة. وبكلمات أخرى، دولة "أبارتهايد".
تعهدات لا يمكن تطبيقها
صحيح أن نتنياهو واليمين وكل الجهات التي تعتبر خطة ترمب فرصة تاريخية وإنجازاً إسرائيلياً كبيراً، تعيش نشوة نصر، إلا أن العديد من التعهدات الأميركية لإسرائيل سيكون من الصعب تطبيقها، بل من شأنها تعميق أزمات موجودة. فكل ما يتعلق بشأن تبادل الأراضي مع الفلسطينيين، بنقل عدد من السكان الفلسطينيين إلى مناطق نفوذ إسرائيلية، من شأنه أن يشكل جيوباً فلسطينية داخل إسرائيل، وهذا ما لا يمكن تنفيذه أو حتى قبوله في إسرائيل. فستكون هذه من دون أي تواصل جغرافي، أما اعتمادها الاقتصادي فسيكون على إسرائيل.
في جانب آخر، تنظر جهات إسرائيلية بعدم ارتياح لكل ما يتعلق بحركة "حماس" ونزع سلاح غزة، فهذه مطالب، ليس فقط لن تتحقق بل يمكنها أن تسرع المصالحة بين "فتح" و"حماس" كجزء من الجهود لتنسيق النضال الداخلي والدولي ضد الخطة، وهذا يقلق أمنيين إسرائيليين.
الخطة... والقانون الدولي
وفور إعلان نتنياهو عن تنفيذ الخطة على أرض الواقع واحتمال معارضة المستشار القضائي لها، اجتهدت جهات قانونية إلى بحث قانونيتها، ورأت البروفيسور تاليا أينهورن، خبيرة القانون الدولي، أنه في حال تبنت إسرائيل الخطة، ورفضها الفلسطينيون، فإن كل ما سيتبقى منها سيكون فقط بسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات خلف الخط الأخضر.
ولفتت إلى أنه يمكن تقرير الحدود الدائمة فقط بين إسرائيل وجيرانها، وللتعهد الإسرائيلي، وفقاً للخطة، سيكون معنى على مستوى القانون الدولي، فقط إذا ما أخذت السلطة الفلسطينية على عاتقها التعهدات المفصلة في الخطة بإقامة علاقات سلمية حقيقية مع إسرائيل، وعملت على تحقيق السلام الحقيقي بأفعال حقيقية، وفق الجدول الزمني المطروح.
التعهد الإسرائيلي سيتبخر
ولكن، أضافت "إذا اختارت السلطة الفلسطينية إحباط الخطة، فإن التعهد الإسرائيلي سيتبخر هو أيضاً. كل ما سيتبقى من الخطة سيكون فقط بسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات خلف الخط الأخضر"، وأكدت خبيرة القانون الدولي أنه "ليس في بسط الحكومة للقانون الإسرائيلي ما يثبت حدوداً دائمة، فهذه لا يمكن تثبيتها إلا بالتوافق بين الدول المجاورة".
وتحت عنوان "شيك بلا رصيد"، يقول الكاتب الإسرائيلي، ران أدليست، إن خطة ترمب هي هراء فيها إمكانية كامنة لتدهور الوضع القائم، ووصف الخطة بـ "الشريرة"، و"السخيفة"، ولها هدفان محددان: إنقاذ نتنياهو من السجن وتثبيته كالمصمم التاريخي لدولة إسرائيل.
وكتب يقول "كل شخص عاقل يفهم، على الفور، أن الحديث يدور عن هراء فيه إمكانية كامنة لتدهور الوضع القائم. من أجل أن نفهم أن كل هذا الخداع هو ليس حقاً رفيف أجنحة الفراشة في واشنطن، التي ستؤدي إلى عاصفة في الشرق الأوسط، ينبغي أن نتابع مداولات العزل مع وصمة العار الجارية لترمب في مجلس الشيوخ الأميركي".
معركة أخيرة
وعن الجانب الإسرائيلي أضاف "في إسرائيل يقيسون بالمجهر الفوارق بين لقاءات غانتس ونتنياهو مع الرئيس الأميركي على مستوى من منهما تلقى شرفاً أكبر. كي نفهم التوازن يجدر بنا أن نأخذ تلسكوباً لنفحص من هو اليوم هذا الـ "ترمب" الذي يعمل هنا بمثابة المخلص. يدور الحديث هنا عن جثة سياسية عفنة رائحتها وأضرارها تهدد بتدمير الأنسجة السليمة في المجتمع الأميركي ومنظومة العلاقات الدولية، التي قادها أوباما نحو تفاهمات أفضل. مثل نتنياهو، يدير ترمب اليوم معركة أخيرة على حياته. في نهاية الأمر، الأدلة التي عرضت في مجلس الشيوخ ستصيب سواء الرئيس الأميركي أم مجلس الشيوخ الجمهوري، حتى لو تجاهلوها أم لم يتجاهلوها، وهذا بالضبط ما ينتظر نتنياهو".