Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائق وشهادات تاريخية: فخري باشا نقل كنوز حجرة الرسول واستبدلها بمتفجرات

"اندبندنت عربية" تنشر الحلقة الثانية من سلسلة تحقيقات عن منقولات الحجرة النبوية في المدينة

بداية شق طريق سكة الحديد إلى الحرم وإجبار نساء المدينة وأهلها على العمل فيه. (اندبندنت عربية)

مضت عقود توقعت فيها تركيا، أن سكان المدينة المنورة نسوا ماضي القائد العثماني فخري باشا وآثاره المحفورة في ذاكرة المدينة المنورة، وهو الذي لم يترك ناحية منها أو بيتاً أو عائلة حسب روايات أهلها، إلا وترك جرحاً ظل الجيل بعد الجيل يرويه.

وأعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نبش ماضي تلك الحقبة، برواية تاريخ أسلافه في مدن العرب على هيئة أمجاد وأساطير، بما أيقظ آلام الماضي، وهي التي لم تندمل، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بخاتمة سوء أفعال العثمانيين في المدينة المنورة كما يسميه سعوديون، فخري باشا، الذي أحيا الأتراك أخيراً مرور 71عاماً على وفاته، بالتزامن مع مئوية طرده من المدينة في 1919م بعد أن أكثر فيها الفساد، وهي التي يجمع فقهاء المسلمين على "حرمتها كمثل حرمة جارتها مكة"، ومنذ "وقعة الحرة" الشهيرة في عهد بني أمية، لم تشهد جريمة مثل "سفر برلك"، التي يقول المؤرخون المدنيون إن "الحرة" قياساً بها، أشبه بمزحة.

 

 

علامات استفهام

ومع أن ما فعله فخري بأهل المدينة المنورة حسب الكتب والوثائق التي سيتم استعراضها في هذه الحلقة يعتبر "جريمة تاريخية" حسب وصف الباحثين، إلا أن تعلق الجريمة بمسجد نبي المسلمين، أعطى القضية بعداً خاصاً، بوصفه في أقل درجاته امتهان حرمة أهلها ودورها ونخيلها، وتهجير أهلها والقتل بالجوع والحصار.

 

والمعروف أن مصطفى كمال أتاتورك قد رفض المهمة التي أوكلت إليه في المدينة المنورة قبل عام من الهزيمة النهائية، والتي أسندها إليه رؤساؤه في دمشق، لكي يقود جيشهم نحو المدينة بدلاً عن فخري باشا، الذي كشف عن عجز وقلة حيلة، فأتاح رفض أتاتورك للمهمة أن يعالج عجزه بالعدوان على المدينة وأهلها الذين كان يزعم أنه يحميهم.

 

بداية السخط

بدأت الحملة العثمانية ضد المدينة المنورة، حينما أراد بعض من القوميين العرب أن يستغلوا أحداث الحرب العالمية الأولى، في التحرر من سطوة اسطنبول التي أخذت تُعمل يدها في كل ما تبقى للعرب من ثقافة وأمجاد واستقلال وتاريخ. ويروي الكاتب السعودي عثمان حافظ أن تركيا فرضت على مدارس المدينة المنورة "التركية لغة وحيدة، لدرجة أن درس التوحيد والفقه باللغة التركية، وأنا أحفظ حتى الآن درساً من دروس التوحيد، أحفظ الكلمات ولا أعرف معناها تماماً وهي (يري وكوكي يرده وكودة، الله بردر شريكي ونظري يوك تر)". هنا اتفق عرب كثر على إعلان ثورة كبرى ضد العثمانيين، مما دفعهم إلى الاستشاطة غضباً، ومحاولة فرض الأمر الواقع على العرب، وتجييش علماء مسلمين ضد الثورة العربية، لشيطنتها يومئذ، وكان لهم ذلك عبر علماء دمشق التي كانت تحت قبضتهم، وبعض علماء الهند. إلا أن دمشق نفسها سريعاً ما انضمت للثورة عندما تبيّن أنها جدية، وخفت وطأة العثمانيين، حسبما توثق بجلاء صحيفة "القبلة" لسان الثورة، التي حصلت "اندبندنت عربية" على أعداد منها.

 

 

العرب بقيادة الشريف الحسين في منطقة الحجاز، سريعاً ما أعلنوا استقلالهم من قلب مكة المكرمة، فلم يتبق للأتراك من الحرمين غير المدينة المنورة، ولذلك استقتلوا للإبقاء عليها بالحديد والنار، للسيطرة على الحرمين أو أحدهما على الأقل، فهما القوة المعنوية الوحيدة الجامعة للمسلمين، وبدونهما تكون "الخلافة" التي يتخذها الأتراك ذريعة للهيمنة لا معنى لها، ولن يهتم بها أحد ، مثلما يرجح الباحث السعودي المتخصص في حادثة "سفر برلك" محمد الساعد، إذ كان ألف كتاباً عنها وتتبع ذرائع اسطنبول وروايات أهل المدينة عن الحادثة.

 

 

مبررات التهجير

حتى هذه الساعة كان مفهوما أن يقاوم العثمانيون سقوط مناطق يحكمونها مدعومين بمحور ألمانيا حليفتهم، التي تقوم بالأمر نفسه في مواجهة قوات الحلفاء التي تضيق الخناق عليهم، لكن لماذا تهجير أهل المدينة المقدسة من ديارهم، وامتهان مسجد كان العثمانيون الأوائل يقدسونه ويجلونه، كبقية المسلمين؟

 

هنا يوثق الباحث السعودي الدكتور سعيد بن طوله الآراء المختلفة حول مبررات العثمانيين في تهجير أهالي المدينة من بلادهم بشكل عشوائي نحو بلاد متعددة، ونقل عن الزمزمي الكتاني قوله في كتابه "عقد الزمرد والزبرجد"، أن الدولة العثمانية، "لما صعب عليها تموين عساكرها وأهالي المدينة الذين بلغ عددهم نحو 130 ألفاً، هناك عمدت إلى أمر الأهالي بالخروج من البلد، فكانت مصيبة لم يسبق لها مثيل، فامتثل من خف حمله وساعده الحظ، أما السواد الأعظم من السكان فرأوا أن هذا فوق المستطاع، وحين تحرر الأمر ولم يقع امتثال، هجمت العساكر على الناس في الطرقات، وصاروا يشحنونهم شحناً داخل (القطار) الحديدي فيأخذونهم ويلقون بهم في زمهرير الأناضول، حيث يموتون برداً وجوعاً. والذين قدر لهم السعادة كانوا يذهبون بهم إلى الشام وهم قليل، وهكذا إلى أن لم يبق بالمدينة إلا القليل من العسكر، ومع ذلك فكان ذلك القليل يموت جوعاً". 

 

ويرى الساعد في حديثه مع "اندبندنت عربية" أن هدف الأتراك "من فعلتهم الشنيعة في ذلك الوقت، هو كسر شوكة العرب الثائرين وتتريك أعقابهم، واستبدالهم بعد نهاية الحرب بأتراك موالين لهم لا يخشون من انفصالهم أو ثورتهم، على النحو مما يسمى اليوم بالتغيير الديموغرافي، كما فعلت في ليبيا التي استعمرتها وتركت فيها جالية تركية، جعلتها ذريعة التدخل في الشأن الليبي أيامنا هذه، لكن الذي حدث أن مشروعهم فشل في المدينة وكل البلاد العربية، عندما انهزموا ومعهم أنصارهم الألمان، أمام قوات الحلفاء الإنجليزية والأميركية وحليفتها العربية آنذاك". 

 

الحرم ثكنة عسكرية

كانت مرحلة التهجير لا بد منها في نظر الأتراك، لكنهم سريعاً ما اكتشفوا أنها غير كافية، ولذلك بدأت مرحلة أخرى أشد بشاعة في الحملة التركية، وهي "إدخال المسجد النبوي" طرفاً في المعركة، واستخدامه ورقة عسكرية وتوظيف قدسيته في توديع الذخيرة وعتاد الجيش فيه، لاعتقادهم أن الانجليز وحلفاءهم العرب، لن يجرؤوا على اقتحامه، فضلاً عن قذفه بالطائرات.

ويوثق بن طوله في حديثه معنا أن المراجع التي عاد إليها وشهود العيان الرواة في كتابه "سفر برلك" جلاء أهل المدينة إبان الحرب العالمية الأولى" ومئات الوثائق التي جمع تكشف كيف أن "من أعجب صنائع فخري باشا وأشد ما عوتب فيه ولامه الناس عليه وأثيرت حوله الأقوال نقله للذخيرة والعتاد الحربي إلى الحرم النبوي الشريف".

ومن ذلك ما أسنده إلى السيد أحمد بن مصطفى صقر، الذي روى أن "القادة يصدرون في الصباح أمراً وينقضونه في المساء، مثال ذلك أن علجهم فخري أمر بنقل الأدوات الحربية من القلعة إلى مسجد المصلى النبوي بميدان المناخة، فنقلها الجنود.."، إلى أن قال "عمد المتغلبون إلى ارتكاب أفظع جريمة وهي اتخاذ الحرم النبوي ثكنة عسكرية، فأودعوا المهمات الحربيات وصنوف الديناميت والمفرقعات والذخائر والأرزاق، حتى الرحى التي يطحنون بها حبوبهم كما أخبرنا بذلك الثقة عقب خروجنا".

بعد استمرار الحرب مدة أطول، اتجه فخري باشا إلى فكرة أكثر حيوية للاحتماء بالحرم، وامتهان قدسيته عندما قام بشق طريقة لسكة الحديد حتى كاد يلامس القبر الشريف. وهي الفعلة التي خلّدها الروائي السعودي مقبول العلوي، بتوثيق جريمة "سفر برلك" في رواية بالعنوان نفسه عن "دار الساقي"، جاء في أحد فصولها أن الباشا فخري طلب من شباب المدينة المساهمة في تحويل مسار سكة الحديد من حي العنبريّة حتّى ناحية باب السلام بالقرب من الحرم.

 وقال مساعد فخري باشا، ناجي كاشف باشا، في بيانه الذي انتشر بين الناس إنهم لن يدفعوا مالاً جرّاء خدمتهم، ولكنهم يقدمون إلى كل شخص وجبات الطعام الثلاث مجاناً. زاد حنق الناس على الباشا بسبب هذا القرار الذي كانت له توابعُ كثيرة منها هدم بيوت تسكنها عائلات وإزالة طرق وشوارع وأحواش ممتلئة بالناس بلا أي تعويضات. تساءلوا عن المغزى من هذا التحويل لكنهم أخفقوا في معرفة السبب!

أخذت المعاول تهدم المنازل فوق رؤوس أصحابها ممن رفضوا التسليم، وتضرّر أهم شارع "العينية"، الذي كان من أكثر شوارع المدينة اكتظاظاً بالسكان، وتكثر فيه الدكاكين والمحلات التي تبيعُ كل الضروريّات لحياة الناس. ضج الأهالي، وتوجهوا إلى أعيان المدينة وعلية القوم كي يقدّمُوا إليهم الغوث والمساعدة، ولكنهم لم يحظوا منهم سوى بالصمت، فعادوا منكسرين، وسلموا أمرهم لله.

 

 

استمر العمل، يكمل "العلوي"، في إنشاء سكة الحديد من العنبريّة إلى باب السلام بالقرب من المسجد النبوي قرابة شهرين بلا توقف. كانت المسافة تُقدّر بكيلومتر واحد تقريبا لكنها أخذت كل هذا الوقت الطويل بسبب أعمال الهدم والإزالة وتنظيف مخلفات هدم المباني والبيوت والأسواق والشوارع. بعد الانتهاء من وضع قضبان سكة الحديد، تحركت عربتان من المحطة، أو "الأسنسيون"، ووقفتا تماماً بالقرب من باب السلام. هنا عرف الناس لماذا أنشأ فخري باشا هذا المشروع؛ انكشف السر الذي استمر ستين يوماً طي الكتمان. كان الهدف منه نقل كل محتويات الحجرة النبويّة إلى اسطنبول.

حينما سمع الشيخُ عبد الرحمن المدني هذه الأحداث، ابتسم بمرارة، ثمّ قال لأصحابه في مجلسهم المنعقد في بيته وهم يتناولون طعام السحور: "هذه لصوصيّة واضحة للعيان، ولا يمكن أن تكونَ غير ذلك".  ران الصمت على البقية زمناً قطعه أحدُ الوجهاء قائلاً: "نقل محتويات الحجرة النبوية إلى إسطنبول لا يُفسّر إلا بتفسير واحد هو أن فخري باشا يتوقع هزيمته وطرده من المدينة النبوية". صمت قليلاً، ثمّ قال لجلسائه بصوت خفيض: "وعلينا أن نتوقع الأسوأ في الأيام المقبلة، فهذه الخطوة تنذر بخطوات أكثر شراسة من هذا الرجل".

لغز نفائس "الحجرة النبوية"

لا تختلف المصادر السعودية وشهادات المعمّرين من أهل المدينة كثيراً عن الوثائق التركية، التي دونها العثمانيون أنفسهم عن مقتنيات الحجرات النبوية الشريفة، التي نقلوها بتعبيرهم إلى اسطنبول، أو "سرقوها" بتعبير أهل المدينة.

لكن الذي يختلف عليه الفريقان، هو تفسير الواقعة، والأحداث التي تتابعت بعدها، من بيع ما لم يرسل إلى اسطنبول، وشراء المؤن الغذائية والعسكرية به، في وقت شحت فيه الموارد في آخر أيام عهد فخري باشا في المدينة المنورة.

ويروي هذا الاختلاف لـ"اندبندنت عربية" الباحث المدني بن طوله، الذي ذكر أن نقل نفائس الحجرة الشريفة، إنما كان حسب ما تقول مصادر ذلك العهد "بغرض ترميمها وصيانتها وحفظها تحسباً لجميع الحالات، وتدل الوثائق على أن هذا الفعل كان برغبة جمال باشا (الملقب السفاح) قائد الجيش الرابع، بإشراف الحكومة العثمانية ممثلة في الصدر الأعظم والقيادات العليا، فقد جاء في رسالة مشفرة من جمال باشا إلى أنور باشا مؤرخة في 13 جمادى الآخرة 1335هـ يخبره بأن الأمانات المقدسة في المدينة المنورة يجب إرسالها إلى اسطنبول حالاً"!

بينما يرى الراحل عثمان حافظ في كتابه "صور وأفكار" أن العثمانيين إنما سحبوا جميع السلاسل الذهبية والفضية والهدايا التي كانت في الحجرة الشريفة، للتصرف فيها، فقد "صُبت سبائك وكفوفاً ذهبية، إذ كانوا ينوون ضرب عملة جديدة باسمهم".

الودائع صارت مرتبات الجنود

ومع أن المدني وصف هذا الرأي من حافظ بالمبالغ فيه، إلا أنه عاد وأقر بأن "الحقيقة هي أن فخري باشا أبقى على بعض الشمعدانات والسلاسل الفضية تحت أمر الخزنة النبوية ولما ضاقت الحال بالجيش ولم يمكن توفير المؤونة للحامية العسكرية، أمر بتوزيع هذه السلاسل بعد أن أحضر الصاغة وأمرهم بوزنها وحساب قيمتها بالذهب، فعادلوا الليرة الذهبية بـ20 غراماً من الفضة، وسجل فخري باشا كل ذلك في وثائق رسمية ثم وزعها على الجنود والضباط"، حسب مزاعم المصادر العثمانية، ممثلة في مذكرات الضابط التركي ناجي كاشف كجمان.

 

وهكذا فإن العثمانيين عندما لم تنته الحرب بالطريقة التي أمّلوا على افتراض حسن نيتهم في نقل النفائس، نكصوا على أعقابهم ولم يعيدوها حسب ما عاهدوا أنفسهم والمسلمين.
أما أستاذ التاريخ العثماني بجامعة الملك سعود الدكتور سهيل صابان، فمع أنه لم يفضل الخوض في الموضوع نظراً لخشية ما قال إنه "الحساسية السياسية" في الوقت الراهن إلا أنه روى للصحيفة كيف أصبح المرجع الأول للوثائق العثمانية التي دونت أوصاف وأعداد وأنواع المقتنيات المرسلة إلى اسطنبول.

وقال "قبل نحو 20 سنة كنت في اسطنبول ووجدت في الأرشيف العثماني الوثائق المتعلقة بالأمانات المقدسة، وهي لا تزال موجودة حتى الآن، عندئذ قمت بتصويرها وترجمتها، ونشرها". وخصت جامعة الملك سعود "اندبندنت عربية" ببحث لعضو هيئة التدريس فيها صابان عن هذا الموضوع، إضافة إلى الوثائق التي بنى عليها الموضوع، مترجمة من التركية إلى العربية.

 

 

كلام الوثائق في الأرشيف العثماني

وكانت الوثائق عبارة عن "تقرير مشيخة الحرم النبوي الشريف إلى نظارة الأوقاف العثمانية التي رفعته بدورها إلى الصدر الأعظم لإطلاع السلطان على مضمونه، ويحوي المقتنيات التي أهداها المسلمون إلى الحرم النبوي الشريف بكل عام والحجرة النبوية الشريفة على وجه الخصوص في مختلف العهود. وكانت تلك المقتنيات موجودة في حين إعداد التقرير وهو العاشر من شهر رمضان المبارك عام 1326هـ، وقد ورد كافة المسؤولين عن الحرم النبوي الشريف ومناصبهم في ديباجة التقرير، بما فيهم محافظ المدينة المنورة، وذكروا أنهم حضروا عملية الإحصاء".

 

 

التقرير وفق صابان الذي ترجمه بعد تصويره ونقله عنه بقية الباحثين، موجود في الأرشيف العثماني المعروف بـ"أرشيف رئاسة الوزراء في اسطنبول تحت تصنيف يلدزMTV.526/73 ويتكون من 29 صفحة من القطع الكبير، تتضمن المقتنيات الموجودة في الحجرة النبوية الشريفة والحرم النبوي وعددها 391 قطعة، شملت الأحجار الكريمة من الألماس والزمرد والياقوت، والأدوات الذهبية والفضية والشمعدانات والقناديل والمزهريات، وغيرها من المقتنيات التي استفيد من معظمها في إنارة الحجرة النبوية الشريفة والروضة المطهرة، إلى جانب مصحف عثمان".

 

أما قيمة تلك المقتنيات من الناحية المادية، عوضاً عن المعنوية التي لا تقدر بثمن، فأوضح صابان مثالاً واحداً عليه عند الحديث عن أغلى تلك المقتنيات مادياً وهي "علّاقة من الزمرد الكبير سداسية الشكل، مزينة في طرفيها بالألماس والعقد الذهبية، وفي وسطها قبة مزينة بالألماس، أما العلّاقة الموجودة بالأسفل فهي أيضاً مرصعة باللؤلؤ، وقدرت قيمتها بخمسة ملايين ليرة عثمانية... وكانت مرتفعة القيمة في ذلك العهد لدرجة أن راتب العامل الذي كان يشتغل في تلك الفترة بأعمال تمديد خط الحجاز كان 100 قرش شهرياً". أما أولئك الذين أهدوا تلك المقتنيات فهم 22 شخصاً، غالبهم من نساء السلاطين العثمانيين، ممن حكموا المدينة لنحو 400 عام. لكن جميع تلك المقتنيات من الناحية المادية وكذا المعنوية مجتمعة لا تساوي في قيمتها مصحف عثمان رضي الله عنه (ثالث خلفاء النبي) وهو الذي تقول الوثيقة إنه "من القطع الكبير بالخط الكوفي، دونه شخصياً (عثمان) على جلد الغزال، وكان يقرأ في حياته كلها منه". وتورد الروايات التاريخية أن الصحابي الجليل قتل في بيته وهو يقرأ في ذلك المصحف، مما يمنحه مزيد رمزية عند المسلمين، لدرجة جعلت المسلمين يضعونه في صندوق بمحراب النبي، كما وثق اللواء التركي الآخر إبراهيم رفعت باشا في كتابه "مرآة الحرمين".

 

 

وفي ذلك الكتاب الذي تصفحته "اندبندنت عربية" وتضمن صوراً ووثائق ورسومات، نقل رفعت مشاهداته لدى زيارة الحجرة الشريفة ومقام النبي، وقال "كان في الجدار القبلي من الخارج تجاه رأسه صلى الله عليه وسلم مسمار من فضة وضع علامة على الرأس فعوض ذلك بقطعة من الألماس أقل من بيضة الحمام وتحتها قطعة أخرى أكبر منها وكلاهما مشدود بالذهب والفضة ويطلق عليهما "الكوكب الدري" وقد أهداها إلى الحجرة السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان والقطعة الكبيرة تساوي800 مليون دينار، وتحت هاتين القطعتين حجر من الألماس مرصع بالجواهر الكريمة المشدودة عليه بالذهب والفضة أهداه السلطان مراد بن السلطان أحمد خان سنة 1047 هـ. وفي سنة 1154هـ أرسلت جواهر أخرى مما غنمها المسلمون من فتح بلغراد فوضعت تحت الأحجار السابقة، وفي سنة 1291هـ أهدت الملكة العادلة أخت السلطان عبد العزيز بن السلطان محمود صفيحة من الذهب طولها ثلاثة أرباع الذراع في عرض أربعة أصابع كتب فيها بخط جميل: لا إله إلا الله محمد رسول الله وذلك بأحرف ذهبية مثبتة في الصفيحة مرصعة بالألماس البرائتى ولها سلسلة ذهبية علقت بها فوق الكوكب الدري ومكتوب على الحجرة في جهاتها المختلفة شعر ركيك، أبي قلمي أن يخط منه إلا هذين البيتين: إني توسلت بالمختار أشرف من// رقي السماوات به الواحد الأحد. رب الجمال تعالى الله خالقه// فمثله في جميع الخلق لم أجد".

 

 

وكانت معاهدة فرساي، في البند 246 منها، نصت على أنه "خلال 6 أشهر تلتزم ألمانيا بإعادة مصحف عثمان لملك الحجاز، الذي أخذته السلطات التركية من المدينة المنورة وقدمته "هدية" إلى الإمبراطور فيلهلم الثاني"، حسب ما وثق الباحث الإماراتي منتج مسلسل "ممالك تحت النار" ياسر حارب، نقلاً عن صور المعاهدة الشهيرة.

تم التواصل مع الرئاسة التركية قبل نشر الحلقة الأولى الجمعة الفائتة لاستعراض وجهة نظرها والرد على ما جاء في الكتب والوثائق والشهادات التاريخية، ولم تحصل "اندبندنت عربية" على رد، ونرحب بأي رد لنشره فور وصوله.

...في الحلقة التالية، يواصل الشهود والوثائق رواية ما تبقى من التفاصيل حول:

  • كيف هدد فخري باشا بتفجير الحرم والحجرة النبوية الشريفة؟
  • ماذا بقي من هدايا الحجرات النبوية وأين هي الآن في السعودية؟
  • ​​​​​​​كيف يرى الأتراك مهندس "سفر برلك" ويرى هو نفسه بعد سنوات من هزيمته؟

المزيد من تحقيقات ومطولات