في وقت، تُبذل جهود لمنع تدهور أمني بين إسرائيل والفلسطينيين واندلاع انتفاضة ثالثة، تخشى جهات فلسطينية وإسرائيلية من تصعيد على جبهة أخرى بين الطرفين حيث تظهر بوادر حرب تجارية بينهما، وتشير التوقعات إلى خسائر فادحة للطرفين.
في إسرائيل، يدير هذه الحرب وزير الأمن نفتالي بينت، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وفق لعبتهما الانتخابية لكسب مزيد من تأييد اليمين على حساب جوانب أخرى.
ولا شك أن هناك علاقة مباشرة بين التنسيق الأمني بين الطرفين والعلاقات التجارية أيضاً، ما استدعى مسؤولين أمنيين إلى التحذير من القرار الأخير الذي اتخذه وزير الأمن، بوقف الواردات الزراعية الفلسطينية من الضفة الغربية، الذي جاء رداً على قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بوقف استيراد المواشي من إسرائيل إلى الضفة.
وأكد الأمنيون أن هذه القرارات ستؤدي إلى تداعيات اقتصادية وأمنية أيضاً، بالتالي تسهم في تصعيد أكبر للوضع الأمني وتجلب المزيد من العنف.
100 ألف فلسطيني ضحية هذه القرارات
في الأزمة التجارية بين الطرفين، يقع العامل الفلسطيني ضحية. فأولى الإجراءات التي تتخذ عند قطع العلاقات بين الطرفين هو منع ما لا يقل عن مئة ألف فلسطيني من دخول إسرائيل للعمل فيها. الأمنيون في تل أبيب، حذروا من خطر وقف العلاقات مشددين على هذا الجانب، إذ إن عدة أنواع من الأعمال التي تنفذ في إسرائيل يعتمد فيها على العامل الفلسطيني، خصوصاً البناء، وعدم وصولهم سيؤدي إلى عواقب وخيمة في هذا الجانب لإسرائيل.
وفي جانب آخر من تحذيرهم، فإن منع دخول العمال الفلسطينيين يعني رفع نسبة البطالة في الضفة، ما قد يؤدي إلى حالة إحباط، بالتالي الانتقام من الإسرائيليين عبر تنفيذ عمليات.
منتجات الأبقار أساس الأزمة
تعود بداية الأزمة التجارية بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية إلى القرار الذي اتخذته السلطة أواخر 2019، بمقاطعة منتجات الأبقار والأغنام، بعد أن اتهمت إسرائيل بفرض قيود على استيراد منتجات لحوم أقل سعراً من الخارج.
لكن إلى جانب هذا، تشكل الرغبة الفلسطينية في الاستقلال الاقتصادي جانباً من دوافع هذا القرار، بحسب مصادر في السلطة، على الرغم مما يلحقه من أضرار كبيرة على الفلسطينيين.
بعد هذا القرار مباشرة، هدد منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، كميل أبو ركن، بفرض عقوبات على السوق الفلسطينية تشمل وقف إدخال المنتجات الزراعية إلى إسرائيل.
وقبل حوالى الأسبوع، اتخذ وزير الأمن نفتالي بينت مدعوماً من رئيس الحكومة قراراً بهذا الشأن، وهو قرار أجمع سياسيون وخبراء على أنه يعود إلى مصالح شخصية لبينت ونتنياهو في معركتهما الانتخابية.
وبحسب المعطيات الفلسطينية يتم استيراد حوالى 120 ألف رأس عجل من إسرائيل سنوياً، 10 في المئة منها من إنتاج المزارع الإسرائيلية و90 في المئة تستوردها إسرائيل من الخارج ويتم بيعها للفلسطينيين، وهذا يشكل حوالى 60 في المئة من استهلاك السوق الفلسطينية من لحوم البقر، فيما يتم استيراد الكمية المتبقية من الخارج وهي لحوم مجمدة، وتصل إلى حوالى 12 ألف طن من لحم العجل المجمد وحوالى 4 آلاف طن من المزارع الفلسطينية.
ويتوقع أن يشمل القرار الإسرائيلي عدم إدخال كميات كبيرة من المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى الأسواق الإسرائيلية كالأغذية المصنعة، منتجات الألبان، زيت الزيتون، إضافة إلى محاصيل زراعية أخرى، وهو أمر دفع بجهات فلسطينية وإسرائيلية إلى التحذير من بوادر الحرب التجارية بين الطرفين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عقبات إسرائيلية أمام التجارة الفلسطينية
تنعكس السياسة التي تمارسها إسرائيل تجاه الفلسطينيين من حيث القيود المفروضة عليهم، على النمو الفلسطيني. وفي تقرير سبق وأصدره البنك الدولي، في أعقاب بحث أجراه حول الموضوع، تبين أن إزالة العقبات من شأنها مضاعفة النمو الفلسطيني ثلاثة أضعاف.
وأبرز هذه العقبات: الحواجز العسكرية التي تعيق حركة البضائع، بالتالي تؤدي إلى رفع تكلفة النقل. البيروقراطية في السياسة الإسرائيلية، التي تلزم الفلسطينيين بتسليم عشرات النماذج للحصول على التصاريح والمصادقة لنقل البضائع، فصل التجارة بين الضفة وغزة، تحديد قوائم البضائع التي يسمح باستيرادها والأبرز في هذه القائمة تقليص عدد العمال الفلسطينيين الذين يحصلون على تصاريح دخول إلى إسرائيل والعمل فيها بشكل قانوني.
ويشير التقرير إلى إدارة غير سليمة من طرف الفلسطينيين من شأنها أن تزيد من العقبات وتسهم في عرقلة التنفيذ.
وفي تقرير آخر لمركز المعلومات الفلسطيني، ظهرت معوقات أخرى بينها الفحص الأمني الذي تتبعه إسرائيل حيث يؤدي، بحسب التقرير، إلى إتلاف البضائع وفقدانها المنافسة، بالتالي رفع تكلفتها.
ومن الإجراءات التي تتبعها إسرائيل استخدام آلات حادة في الفحص، ما يؤدي إلى إتلاف البضائع، بخاصة الزراعية كما يؤدي إلى إتلاف الأغلفة، علاوة على أن البضائع المصدرة من قطاع غزة تخضع للفحص مرتين: الأولى عند معبر كارني والثانية عند معبر الشحن.
ويوضح تقرير المركز الفلسطيني إلى التمييز في التعامل بين التاجر الفلسطيني والتاجر الإسرائيلي حيث أن الأول يلزم في التوقيع على أن بضائعه ستباع فقط في مناطق السلطة الفلسطينية، فيما لا يوقع التاجر الثاني على مثل هذا المستند، وهذا يشكل خرقاً لبروتوكول باريس، في البند الذي يتطرق إلى حرية تنقل البضائع بين الضفة وإسرائيل والعسكر.
بروتوكول باريس
على الرغم من توقيع "بروتوكول باريس" بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، منذ عام 1994، إلا أن العديد من بنوده لم تنفذ بسبب المعوقات الإسرائيلية، ما أدى إلى تقويض عملية النمو الاقتصادي الفلسطيني.
ووافق الفلسطينيون على التوقيع على هذا البروتوكول مقابل شرطين أساسيين: ضمان وصول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل وضمان دخول المنتجات الفلسطينية، بخاصة الزراعية منها.
ووفق تقرير فلسطيني فإن القيود التي فرضتها إسرائيل على تنفيذ الشرطين أبقت الاقتصاد الفلسطيني رهينة للسياسة الإسرائيلية، وأبرز هذه الانتهاكات الإسرائيلية، منع تحويل العائدات الضريبية والجمركية.