مع تراجع نمو الاقتصاد البريطاني، ونقل كثير من الشركات الكبرى مقراتها إلى الاتحاد الأوروبي، مع عواقب آخذة في التشكّل تطال اليوم لندن وإيرلندا واسكتلندا، لم يعد من الصعب أن نلمس آثار الطلاق البريطاني الأوروبي، بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
فاتورة الطلاق باتت اليوم موجعة، وسيشعر بها رجل الشارع البريطاني تماماً كما سيشعر بها أصحاب الأعمال والشركات في بريطانيا.
برأي كثير من المحللين فإن الضرر الأكبر الذي لحق ببريطانيا جراء خروجها من الاتحاد الأوروبي بات جلياً في تراجع النمو الاقتصادي للبلاد بسبب حالة عدم اليقين، التي لازمت عملية الخروج وصولاً باللحظات الأخيرة من الفراق في الـ31 من يناير (كانون الثاني) الماضي، الذي شهد فيه العالم الطلاق التاريخي.
عدم اليقين الذي لازم خروج بريطانيا من الوحدة الأوروبية أدّى إلى تباطؤ نمو الاقتصاد البريطاني من 2.4 في المئة عام 2015 إلى 1.5 في المئة عام 2018، وانخفض الجنيه البريطاني من 1.48 دولار في يوم الاستفتاء إلى 1.36 دولار في اليوم التالي.
وهذا يساعد الصادرات، لكنه سيرفع من أسعار الواردات، قد يرتفع الجنيه مجدداً إلا أن هذا الارتفاع سيكون متوقفاً على القرارات المرتبطة بالملفات المهمة، التي لا تزال عالقة بين الجانبين رُغم إعلان الانفصال.
التجارة
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يعني انتهاء وضع التجارة الحرة في بريطانيا مع الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد، وبالتالي سترفع الرسوم الجمركية تكلفة الصادرات، ما يضر بالمصدرين في المملكة المتحدة، لأن سلعهم تصبح أكثر تكلفة في أوروبا، ويمكن تعويض تلك المعاناة عن طريق الجنيه الأضعف.
كما ستزيد التعريفات الجمركية من أسعار الواردات إلى المملكة المتحدة، إذ يأتي أكثر من ثلث وارداتها من الاتحاد الأوروبي، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات، وبالتالي سيقود لحدوث ارتفاعات في معدلات التضخم، وبالتالي انخفاض مستوى المعيشة لسكان المملكة المتحدة، التي أصبحت بالفعل معرضة لموجات الحرارة والجفاف الناجمة عن الاحترار العالمي، التي قلّصت من إنتاج الغذاء المحلي.
المملكة المتحدة فقدت الكثير، وأحد أبرز ما فقدته هو مزايا التقنيات الحديثة للاتحاد الأوروبي، والتي يمنحها لأعضائه في مجال حماية البيئة والبحث والتطوير والطاقة.
أيضاً، شركات المملكة المتحدة لم تعد قادرة على المزايدة على العقود العامة في أي بلدٍ من بلدان الاتحاد الأوروبي، العطاءات ستتاح فقط للعروض الآتية من دول الاتحاد الأوروبي.
في حين تكمن الخسارة الكبرى بالنسبة إلى مدينة لندن في قطاع الخدمات، وتحديداً المصرفية، إذ سيفقد العاملون في هذا القطاع القدرة على العمل في جميع البلدان الأعضاء في الاتحاد، يمكن أن يرفع ذلك أيضاً من تكلفة تذاكر الطيران، والإنترنت، وحتى خدمات الهاتف.
الوظائف
أضرّ خروج بريطانيا من الوحدة الأوروبية بالعمال البريطانيين الأصغر سناً، ومن المتوقع أن تعاني ألمانيا نقصاً في العمالة يصل إلى 3 ملايين عامل ماهر بحلول عام 2030، ولن تكون هذه الوظائف متاحة بسهولة للعمال في المملكة المتحدة بعد مغادرتها الاتحاد.
لندن
قلل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من النمو في المدينة، المركز المالي للمملكة المتحدة وكان النمو سجّل في عام 2018 نحو 1.4 في المئة فقط، فيما اقترب من الصفر في عام 2019، وقلّص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الاستثمار في الأعمال التجارية بنسبة 11 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم تعد الشركات الدولية تستخدم لندن مدخلاً يستخدم اللغة الإنجليزية في اقتصاد الاتحاد الأوروبي، لقد قام جولدمان ساكس وجيه بي مورغان ومورجان ستانلي بالفعل بتغيير 10 في المئة من عملائهم.
فيما قام بنك أوف أميركا بتحويل 100 مصرف إلى مكتبه في دبلن و400 إلى باريس، طبقاً لتقرير أعدّته شركة GLAECONOMICS، وهي بحثية متخصصة بقياس الوضع الاقتصادي لمدينة لندن، وحمل تقريرها عنوان (الأثر الاقتصادي لبريكست على لندن)، إذ قدًر التقرير الخسارة التي لحقت باقتصاد المملكة المتحدة جراء خروجها من الاتحاد الأوروبي بما يقارب 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وخلص كل من بنك إنجلترا (BOE) ومكتب مسؤولية الميزانية (OBR) إلى احتمالات حصول ركود في الاقتصاد البريطاني في العام 2020، جراء خروج المملكة من الوحدة الأوروبية، ويقدر بنك إنجلترا أن انخفاض الاستهلاك بنسبة 5 في المئة سيزيد من أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 1.3 في المئة على المدى الطويل.
إيرلندا
على الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ستبقى إيرلندا الشمالية مع المملكة المتحدة، في حين ستبقى جمهورية إيرلندا، التي تشترك معها في الحدود جزءاً من الاتحاد الأوروبي، وقد تجنّبت اتفاقية جونسون الحدود الجمركية بين البلدين الإيرلنديين.
كان يمكن أن تؤدي الحدود الجمركية إلى إشعال الاضطرابات، وكان نزاعاً دام 30 عاماً في إيرلندا الشمالية بين القوميين الإيرلنديين الكاثوليك بشكل أساسي والبروتستانت المؤيدين لبريطانيا.
وفي عام 1998، انتهى النزاع مع وعد بعدم وجود حدود بين إيرلندا الشمالية وإيرلندا، كان من شأن الحدود الجمركية أن تجبر 9500 مسافر على المرور عبر الجمارك في طريقهم من وإلى العمل والمدرسة، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يؤثر اليوم في 2100 عامل ينتقلون إلى بريطانيا.