أثارت عمليّتا الهبوط المتعثّر لطائرتين تابعتين للخطوط الجويّة نفسها في أحد مطارات اسطنبول في غضون شهرٍ واحد، تساؤلات بشأن سلامة الطيران في أكبر المدن الأوروبية التي تشكّل نقطة مركزية لطرق الطيران بين أوروبا وآسيا.
في التفاصيل انزلقت طائرة من طراز بوينغ 737-80 تابعة لخطوط بيغاسوس أثناء هبوطها يوم الأربعاء الماضي في مطار صبيحة الدولي لتخرج عن المدرج المبلل بالماء وترتطم بجدار، الأمر الذي أدى إلى انشطارها إلى ثلاثة أجزاء واندلاع النيران فيها مّا أسفر عن مقتل ثلاثة ركّاب وإصابة جميع الركّاب الـ 179 الذين كانوا على متنها، بمن فيهم أفراد الطاقم.
ويأتي هذا في أعقاب حادث آخر تعرّضت له أيضاً طائرة تابعة لخطوط بيغاسوس في يوم 5 يناير (كانون الثاني) في المطار نفسه، إذ خرجت هي الأخرى عن المدرج بسبب الأمطار المتساقطة، لكن لم يُبلّغ عن إصابة أيّ من الركاب أو أفراد الطاقم الذين كانت تحملهم.
وأبرزت وسائل الإعلام ومحطات التلفزيون في جميع أنحاء تركيا أخبار الحادث الأخير، الذي وقع يوم الأربعاء الماضي، في صدر تقاريرها الإخبارية التي اشتملت على انتقادات للسلطات المسؤولة ولشركة الطيران الخاصة. وأدّى الحادث إلى إغلاقٍ مؤقّت لثاني أكبر مطار في اسطنبول والواقع في الجهة الآسيوية من المدينة.
وأثارت حادثة التحطّم الكثير من الانتقادات لسياسات الملاحة الجوية في تركيا بعد عامٍ واحد من إغلاقها مطار أتاتورك الدولي الذي كان مؤلفاً من عدّة طبقات، إذ استبدلت به مطاراً وصفته بأكبر مطارٍ في العالم والواقع على شواطئ البحر الأسود في الجهة الشمالية للمدينة، وذلك على الرغم من اعتراض بعض خبراء التنظيم المدني والطيران عليه.
وقال الكابتن السابق بهادير ألتان لقناة "سي إن إن" التركية الموالية للحكومة بعد حادثة الأربعاء الماضي إنّ "البلاد تشبه قطاراً خارجاً عن السيطرة. يجب أن تسير الأمور بوعي أكبر بدلاً من الاكتفاء بإقامة المشاريع الجديدة الواحد تلو الآخر".
وكانت طبيبة الأسنان الشابة زهرة بيلجي كوكار التي اضطرّ زوجها إلى السفر قبل بضعة أيام، بين القتلى. وقال يونس الماسي، 36 عاماً، الذي يتعافى حالياً من إصاباته جرّاء الحادث، لوكالة "أنباء دوغان" إنّ "كلّ شيء حصل في غضون ثانيتين أو ثلاثة".
وتأتي الحوادث التي شهدها مطار صبيحة الدولي وسط ادعاءاتٍ بأنّ الحكومة تهمله بسبب مطار اسطنبول الدولي الذي يحظى بجل اهتمامها ولاسيّما أنه شُيّد حديثاً ويُعتبر مركزاً لشركة الخطوط الجوية التركية، الناقل الأبرز في البلاد.
يُذكر أنّ أعمال التوسعة في مطار صبيحة، الذي يرى بعض خبراء الطيران أنّه لا يُستغلّ كما يجب، قد توقفت فيما يكافح المطار الجديد الواقع في الجهة الأوروبية من المدينة وسط الركودٍ الاقتصادي للحفاظ على حركة طيرانٍ كافية لتسديد تكاليف كبريات شركات المقاولة التي بنت مرافقه وتشغّله.
بيد أنّ هناك من يرى أنّ قلّة كفاءة الطيّارين في المطار هي التي أدّت إلى الحادثة الأخيرة. وقال كاظم ديجيجي، وهو طيار متقاعد، لقناة "إن تي في" الخاصة، إنّه كان ينبغي عدم السماح لطائرة بيغاسوس بالهبوط أبداً مع بلوغ الرياح الخلفيّة قوّة 25 عقدة. وأضاف "عند هذه النقطة، كان يجب إيقاف العملية، وإبلاغ الطائرات التي تملك وقوداً بضرورة الانتظار في الجوّ وتلك التي ليس فيها ما يكفي من الوقود بالتحول إلى مطاراتٍ أخرى". وأشار إلى أنّ طائرتين أخريين قد سارعتا إلى إيقاف عملية الهبوط قبل وقوع الحادثة الأخيرة بوقتٍ قصير".
من ناحيته، اعتبر ابراهيم أوزكان وهو موظف سابق في المراقبة الجويّة، في مقابلةٍ تلفزيونية أنه "لو كنت أنا في برج المراقبة، لكنت أوقفت عملية هبوط تلك الطائرة وخطّطت لهبوطها في مدرجٍ آخر. كان من الخطأ ترك القرار للكابتن. بدا واضحاً أنّ حادث التحطّم وشيكاً".
تجدر الإشارة إلى أنّ بيغاسوس، التي تعتبر شركة الطيران الثانية في تركيا وقد طُرحت أسهمها للتداول العام، تشغّل حالياً 82 طائرة في رحلاتٍ اقتصادية إلى وجهات شتى في تركيا والشرق الأوسط وأوروبا بما في ذلك مطار ستانستيد في لندن. وغالباً ما يدفع ركّابها تكاليف إضافية لقاء وجبات الطعام وزيادة الوزن في الحقائب الكبيرة، بينما يشتكي المضيفون وأفراد الطاقم الآخرين من تدني الرواتب التي تدفعها لهم الشركة. وبدا محمد ناني، وهو الرئيس التنفيذي لبيغاسوس، بوضوح قلقاً بعينين دامعتين، في مؤتمرٍ صحافي عقده يوم الأربعاء لإلقاء بيان صحافي أُعدّ سلفاً، من دون الإجابة عن أيّة أسئلة.
وجاء في نصّ البيان "ليس من السهل الحضور إلى هنا. سنبذل قصارى جهدنا لتضميد الجراح. إنّها عمليّة صعبة بالنسبة لنا ولعائلات الضحايا الذين فقدوا حياتهم". وأنكر ما قيل عن مجازفة الطيارين بالهبوط قائلاً "لو رأى طيّارونا أيّ خطر، فإنّ أنظمتنا تفرض عليهم التوجّه إلى مطاراتٍ أخرى".
يُذكر أنّ الطائرة التي خرجت في الحادثة السابقة في يناير الماضي عن المدرج كانت من نوع بوينغ 747 آتية من الشارقة، وحصل ذلك في ظروفٍ مناخية قاسية أيضاَ. وآنذاك كتب أحد المستخدمين على قناة "اكسي سوزلوك" للتواصل الاجتماعي "لم يسبق لي أن رأيت عاصفةً بهذه القوّة منذ سنوات. كانت السيارة تهتزّ يميناً ويساراً وتحوّل خطوط مسارها. كانت قيادة السيارة خطيرة للغاية والأشجار تتهاوى على الطريق".
وفي حادثةٍ أخرى حصلت في 13 يناير 2018، انحرفت طائرة من طراز بوينغ 773- 800 تابعة لخطوط بيغاسوس عن المدرج المبلل بمياه الأمطار أثناء هبوطها في المطار في مدينة طرابزون الواقعة على البحر الأسود. بيد أن أحداً من الركّاب والطاقم لم يُصب بأذى، فيما لحقت بالطائرة بعض الأضرار.
© The Independent