عندما بدأ المشاهير يطأون السجادة الحمراء في طريقهم إلى حفل توزيع جوائز الأوسكار مساء الأحد الماضي، لم أكن أتوقع أي مفاجأة. معروف عن أكاديمية فنون وعلوم السينما، التي تدير الحفل، أنها لا تتصرف بشكل غير مألوف، بل بطريقة ... متوقعة، إذا صح التعبير. أما الأشياء التي تحبها الأكاديمية فهي: أفلام عن هوليوود، وأفلام عن التمثيل، وكذلك العروض الضخمة البرّاقة التي يؤديها فنان مشهور يعيد فيها شخصية تاريخية إلى الحياة أو يلجأ تماماً إلى أسلوب التمثيل المنهجي. أما الأشياء التي تميل الأكاديمية إلى تجاهلها، شانها في ذلك شأن صناعة الترفيه ككل في جميع أنحاء العالم، كي نكون منصفين، فهي: النساء، والأشخاص الملونين، والأفلام بلغات أجنبية.
وهذا كله يفضي بي إلى القول بأنه مع تصدّر فيلم "جوكر" للمخرج تود فيليبس قائمة الترشيحات لجوائز الأوسكار، التي ضمت أيضاً فيلم "ذات مرة في هوليوود" لكوانتين تارانتينو على مقربة من قمتها، ذهبتُ إلى الأمسية معتقدة أنني أعرف سلفاً ما ينبغي توقعه. في نهاية المطاف، هذه هي الأكاديمية نفسها (حسناً، تقريباً نفسها، بعد انضمام أعضاء جدد في عام 2019) التي قامت بتتويج فيلم "كتاب أخضر" بأوسكار أفضل فيلم قبل سنة واحدة فقط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كنت مستعدة لأن يكتسح "جوكر"، وهو فيلم يظنّ أنه أعمق بكثير مما هو عليه بالفعل، الحفل. كنت أستشيط غضباً لمجرد التفكير في أن فيلم "طفيلي"، وهو يقدم الهجاء الاجتماعي اللاذع الذي يحاول فيلم "جوكر" جاهداً أن يجسده، سيتعرض للتجاهل في نهاية الأمر. واعتقدت أنه إن لم يحصل ا"جوكر" على أوسكار أفضل فيلم، لابد أن يفوز بها " ذات مرة في هوليوود"، وهو فيلم عن لوس أنجلوس وصناعة السينما وآلام الممثلين وتجاربهم، أي كل الموضوعات التي تميل إلى الانتصار بسباق الشعبية في إطار جوائز الأوسكار.
حسناً، أيها القرّاء الكرام، يسعدني للغاية أن أقول إنني كنت مخطئة. فكما اتضح، كان يجب عليّ أن أثق بقدرة الأكاديمية على إدراك حقيقة أن أياً من "جوكر" و "ذات مرة في هوليوود" لم يكن أفضل فيلم لعام 2019. وفي لحظة فرح جمّ، فاز "طفيلي" بجائزة أفضل فيلم، وذلك بعدما كان قد دخل التاريخ سلفاً بحصوله على جائزة أفضل مخرج وأفضل سيناريو أصلي وأفضل فيلم دولي في وقت مبكر من الأمسية. هكذا فاز للمرة الأولى على الإطلاق فيلم ناطق بلغة أجنبية بأكبر تكريم في الليلة.
أنا آسفة، أحتاج إلى كتابة هذا مرة أخرى: للمرة الأولى منذ 92 عاماً (أنا لست عبقرية في الرياضيات، لكن المصادر تقول لي إن هذا الرقم يقارب جداً قرناً من الزمن)، نجد أنفسنا أمام فيلم يفوز بأكبر جائزة يمكنك الفوز بها في صناعة السينما، مع أنه غير ناطق باللغة الإنكليزية ما يضطر العديد من مشاهديه إلى قراءة الترجمة.
ويعد هذا انجازاً ملحوظاً، خاصة عندما تتذكر أن "جوكر"، وهو أحد الأفلام السينمائية التي حققت شعبية كبيرة لهذا العام وكان نجاحاً مفاجئاً في حد ذاته (ففي شهر أكتوبر /تشرين الأول من العام الماضي، أصبح الفيلم الأكثر ربحاً على الإطلاق ضمن فئة الأفلام المصنفة للمشاهدين في سن السابعة عشرة فما فوق) يحاول معالجة الموضوعين اللذين يسبرهما "طفيلي" ببراعة، وهما العنف الطبقي والقمع.
لكن في حين يتابع "جوكر" طرح "قضايا خطيرة" أمام المشاهدين دون أن يعرف حقاً ما الذي يحاول قوله عنها (أمور عن الرعاية الصحية العقلية والفقر وضرورة التصدي للطبقة الحاكمة)، يقدم "طفيلي" صور لا ترحم للحرب الطبقية، وعدم المساواة الهيكلية. إنه رائع كثيراً، ذكي للغاية، وعبقري جداً، وضروري بشدة، وسعادتي بفوزه كبيرة.
ربما الأهم من ذلك، هو أن "طفيلي" أحد تلك الأفلام التي قد تتطلب منك الخروج من عالمك الخاص كي تتمكن بالفعل من تلقّف الرسالة التي يوجهها. إذا كنتَ ثرياً، فيجب أن تهتم بحياة الفقراء. وإن كنت لا تتحدث الكورية، فينبغي عليك، نعم، قراءة الترجمة. وإذا لم تزر كوريا من قبل، فأنت بحاجة إلى التعرف على بيئة جديدة تماماً. سيتطلب "طفيلي"، بالنسبة للعديد من المشاهدين، مستوى من التعاطف ممزوجاً بالخيال. وحقيقة فوزه للتو بأربع جوائز من الأكاديمية هي إشارة قوية على أن ثمة ما يدعو إلى الأمل داخل عالم الأفلام وخارجه.
© The Independent