Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكاريكاتير "يهدم" الخطوط الحمر في ساحات الاحتجاج في العراق

فنان رفع المتظاهرون رسوماته في بغداد

من أعمال العراقي أحمد فلاح (مواقع التواصل الاجتماعي)

يعتبر العراقي أحمد فلاح من الفنّانين الذين وظّفوا رسوماتهم الكاريكاتيرية لدعم التظاهرات والحراك الشعبي منذ اكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي.

 وتتميّز أعماله بجرعات عالية من النقد الجريء لرموز العملية السياسيّة منذ سنوات، الأمر الذي جرّ عليه سيلاً من الاتهامات، وحظيت بالمتابعة والتداول الكبيرين في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً من الشباب الذين حملوا بعض رسوماته في ساحات التظاهر وميادين الاحتجاج في العراق.

فلاح من مواليد عام 1987، بدأ رسّاماً كلاسيكيّاً، إلا إنّه سرعان ما انتقل إلى فنّ الكاريكاتير، مستثمراً بعض الاستعارات من فنون السينما والتلفزيون، وغادر العراق عام 2013.

وهو بعيد من بلده المشغول باحتجاجات أكملت شهرها الرابع، ومع تحوّل بعض أعماله إلى لافتات رفعها المتظاهرون في الساحات، يقول بفرح غامر في حديث إلى"اندبندنت عربية"، "لا شيء يسعدني أكثر من تفاعل الناس مع رسوماتي. لا شيء أكثر فخراً من أن ترفع في التظاهرات. على الرغم من شعوري بالحزن العميق لعدم قدرتي على المشاركة في هذا الحدث التاريخي، إلا أنّ قطعة مني صارت في ساحات الاحتجاج، أو في الأقل رأيي حضر فيها، من خلال الرسومات".

هذا التفاعل من الناس محرّض على الرسم بالنسبة إليه، واكسير لعدم السقوط في مهاوي اللاجدوى.

"بلد الخطوط الحمر"

ولكن هل يمكن القول إنّ العراق "بلد الخطوط الحمر"، يجيب أحمد "أساساً من وضع الخطوط الحمر؟ من وافق على أنّها خطوط حمر؟ عملت الآلة الإعلاميّة للأحزاب والسلطات بكلّ أشكالها على إشاعة هذه الخطوط، وقلّة من المجتمع رضخت تحت تأثير سلطة هذا الخطاب".

ويرى أنّ أيّ انتقاد لـ "خط أحمر" سرعان ما يحطّم الهالة التي وضعت حوله. ويضرب مثالاً عن ذلك، "زعماء الميليشيات الذين لم يكن أحد يجرؤ على انتقادهم، لأنهم نصّبوا أنفسهم خطوطاً حمراً نتيجة سلطة السلاح والخطاب الذي يوجهونه، لكنّهم اليوم يتساقطون الواحد تلوَ الآخر بسبب جرأة الأجيال الجديدة في تحدّيهم وانتقادهم، بل حتّى السخرية منهم".

لعلّ هذا الرسّام البغدادي خاض تحدّياً شخصيّاً قبل أعوام قليلة عندما أخذ يرسم أحد "الخطوط الحمر"، يوم كانت تأتيه ردود أفعال مناصرة في رسائل خاصّة، ولم يجرؤ كثيرون حتّى على وضع علامة "إعجاب" على "فيسبوك"، لكن خلال الفترة الأخيرة بات التفاعل كبيراً إعجاباً ومشاركة وتعليقاً، ما يعني أن "الطوق الحديدي الذي فُرض على المجتمع بدأ بالتهشّم والتآكل".

 

 

حقل ألغام

في حديثنا معه، ونحن نرصد بعض الشتائم على صفحته من مناصري الأحزاب والشخصيات التي يصوب أحمد نحوها رسوماته، أردنا التوقف عند المشاعر الخاصّة التي تنتابه وهو يسير في حقل الألغام الحالي: جيوش إلكترونية وحملات تسقيط لمن ينتقد هذا الزعيم السياسي أو ذاك المسؤول، يرد بسرعة وبصراحة "الكثير من الخوف... الكثير من اليأس... والكثير من الأمل! هذه الخلطة تمثّل السير في حقل الألغام العراقي".

هكذا يفصّل لنا توصيفة مواجهته كلّ ما يناله جراء رسوماته "في البداية يحلّ الخوف على النفس وعلى كلّ من تحبّ بسبب التهديدات، ويفكّر الإنسان بالتراجع والانزواء، فمستوى الخوف الذي تبثّه أحزاب السلطة والميليشيات كبير ومهلك ومرعب، لكنّ المرء يستوعب بعد ذلك أنّ عليه أن يتجرّع ترياق الصبر المرّ، الصبر على الخوف وتدجينه...، طرد اليأس، وبالتأكيد التدرّب على رياضة الأمل الشاقة".

هو من جيل شاب في الشعر والمسرح والفن، جيل سابق لمن يقودون التظاهرات اليوم. على الرغم من كلّ هذا السواد في العراق، يعقد هو وغيره الأمل على هذه الأجيال الجديدة.

"تكاد تكون وحدها بمواجهة السلطات المتوحّشة. هذه الأجيال تحطّم الخطوط الحمر على مواقع التواصل الاجتماعي، وتزرع الخوف في نفوس أصحاب السلطات عندما تتظاهر في الشوارع والساحات، وتزيد هذه الأجيال الرعب في نفوس هؤلاء بتطورها المستمرّ عبر القراءة ومتابعة تجارب الأمم الأخرى" هكذا يصف من يشاهدهم اليوم في ساحات الاعتصام والاحتجاج.

يتشارك فلاح مع فنّانين آخرين في رأي مفاده بأنّ "فنّ الكاريكاتير مثل أيّ فنّ آخر، يؤثّر ويتأثّر. والمسافة بين الغرب والشرق على الرغم من اتساعها سياسيّاً، إلا أنّها على مستوى فنّي وإنساني تقترب من بعضها بعضاً أكثر من أي وقت مضى".

وصولاً إلى تشخيص يتعلّق بطبيعة الاستفادة في الشرق من المدارس الغربيّة، أنّه "ليس في الأفكار، ولكن على صعيد تكنولوجي. فالرسم الكاريكاتيري اليوم يتجه في غالبه إلى استعمال ألواح الرسم الإلكترونية... وهذه الألواح تتطوّر بسرعة البرق، فضلاً عن برامج الرسم الإلكترونية...".

أما على مستوى الأفكار، فيعتقد بوجود مساحة نقديّة مشتركة تكوّنت لدى رسّامي الشرق والغرب. "مثلاً أنا أرسم لعدد من المواقع الأجنبية المتخصّصة بالكاريكاتير، وبإمكانك فهم كم أن أفكارنا النقديّة (لرسّامين عرب ومن العالم) متشابهة تجاه سياسات ترمب أو الأمم المتحدّة، أو حتى سياسات عادل عبد المهدي!".

في الخارج

وجود أحمد خارج العراق يصفه بأنّه "خليط من أشياء عدة، أوّلاً عدد من التهديدات، وثانياً اليأس الذي أطبق على الحياة ومن تغيّر أحوالها. وأخيراً الحريّة"، فهو يقرّ أّنه لو بقي في العراق لما كان بإمكانه أن يحصل على الحريّة التي أتاحت له رسم عدد كبير من اللوحات والشخصيّات والتطرّق إلى مواضيع صارت خطوطاً حمراً.

في مقاربته الكاريكاتير العراقي بين زمنين، ما قبل 2003 وما بعدها، لا يريد أن يُفهم رأيه على أنّ رسم الكاريكاتير في الزمن السابق كان أقلّ أهمية؛ لأن "للعراق تقليداً كبيراً في هذا الفن، ولدينا أسماء مهمّة رسمت رسومات يمكنها العيش حتّى قرون مقبلة".

جملة عوامل بحسب اعتقاده، جعلت الرسم متطوّراً أكثر في العالم كلّه وليس في العراق فقط ما بعد الغزو الأميركي، منها "استثمار التكنولوجيا في عالم الرسم بشكل كبير ودخول استعمالات أخرى للكاريكاتير مثل الكولاج وتطوّر الموضوعات بحيث صارت ذات أبعاد عالميّة أكثر منها محليّة"، فضلاً عن أن "التنوّع صار أكبر، عبر مساحات النشر، وتلقي الجمهور الذي انتقل من الصحف إلى متابعة الأعمال من الهاتف الجوال".

في المقابل، يعتبر فلاح "الصحف اليوميّة مهمّة جدّاً، لأنّها على العكس من مواقع التواصل الاجتماعي تخضع لأخلاقيات مهنيّة، ولتدقيق المعلومات والصياغات، ولا تسمح بالركاكة".

 وعلى الرغم من رأيه هذا، لا نلمس لديه أي تحسّر على غيابه عن النشر في هذه الصحف، بحكم نظرته إلى واقع الإعلام في العراق وحتّى في العالم العربي، إذ "صار في غالبيته العظمى مملوكاً للأحزاب ولرجال الأعمال"، وعلى هذا الأساس لم تعد فيه مساحة كافية لحريّة التعبير بناء على ما خلُص إليه.

المزيد من منوعات