مضى أسبوعان على تكليف محمد توفيق علاوي تشكيل الحكومة العراقية، في مطلع فبراير (شباط) الحالي، ولا تزال الخلافات حادة بين الكتل السياسية الرئيسية ومكوناتها الطائفية حول شكل الحكومة المقبلة وتمثيل تلك الكتل فيها.
وبحسب الدستور العراقي فإن لدى علاوي مدةً لا تتجاوز الـ30 يوماً لتشكيل الحكومة وطرحها لنيل الثقة في البرلمان، الأمر الذي قد تواجهه مصاعب كبيرة، نظراً إلى الخلافات الجارية.
بين المحتجين والكتل
وتشير تسريبات سياسية إلى أن الحكومة المقبلة قد تشهد تعثراً كبيراً، حيث تصاعدت الخلافات بشأنها، بعدما طالبت الكتل السنية والكردية بأن تتمثل فيها، ما قد يشكل معضلةً للحصول على نصاب قانوني يضمن تمرير الحكومة في البرلمان، لا سيما بعد تحفظ كتل شيعية عليها.
ويشير مراقبون إلى أن تحالفَي "الفتح" و"سائرون" هما أبرز الكتل البرلمانية المؤيدة لعلاوي التي دفعت نحو تكليفه، لكن لا يبدو أن ذلك سيدوم طويلاً بعد تراجع التيار الصدري عن دعمه لعلاوي، عبر تهديد زعيمه مقتدى الصدر بالتبرؤ من الحكومة المرتقبة، في حال تشكلت على أساس "ضغوط حزبية وطائفية".
أما بالنسبة لبقية القوى السياسية، فلا يبدو أن علّاوي يحظى بدعم العديد منها، ففضلاً عن الكتل السنية والكردية، لم تعلن كتلتا "النصر" و"الوطنية" تأييدها له، فيما تلتزم كتلة "الحكمة" بخيار المعارضة.
ولعل ما يصعّب مهمة علاوي هي الضغوط الكبيرة التي تمارسها الكتل السياسية ذات الطابع الطائفي والتي تسيطر على البرلمان، حيث لا يمكن تمرير حكومته من دون التوصل إلى اتفاقات معها، بينما كان قطع تعهدات للمحتجين بتشكيل حكومة بعيدة من المحاصصة وتأثير الأحزاب.
حكومة مستقلة بالكامل
في غضون ذلك، قال رئيس كتلة "بيارق الخير" في البرلمان العراقي محمد الخالدي إن "حسم مسألة الحكومة المقبلة ليس متعثراً"، مشيراً إلى أن "التشكيلة الوزارية جاهزة وتم تقديم طلب لرئيس البرلمان بانتظار أن تقرر هيئة الرئاسة موعد الجلسة".
وكشف الخالدي أن "التشكيلة الوزارية مستقلة بالكامل وموزعة على مكونات لا أحزاب، لكن بعض الجهات تطالب بحصصها وترفع شعار المكوِّن"، مؤكداً أن "الحكومة ستكون جاهزة يوم الأحد". ولفت إلى أن "أكثر من 200 نائب يؤيدون تمرير الحكومة وأعطوا التزامات بذلك". وتابع "نحاول أن نثبت للشعب العراقي أننا تجاوزنا حكم الأحزاب باتجاه دولة مدنية مؤسساتية"، مرجحاً مرور الحكومة في البرلمان في حال عرضها للتصويت.
"أداة بيد أطراف سياسية"
في السياق ذاته، قال النائب عن "ائتلاف دولة القانون" علي الغانمي إن "ظروف تشكيل الحكومة المقبلة ليست اعتيادية حيث أنها أتت بعد حكومة مستقيلة، بالتالي ما حصل مع الحكومة المستقيلة يجب تجاوزه". أضاف أن "هذه الحكومة يجب ألا تُبنى على ركام الماضي، وهناك ضرورة بمغادرة المحاصصة فيها"، مبدياً استغرابه من "تمسك بعض الكتل الكردستانية أو السنية بحقها الانتخابي".
ولفت إلى أن "هذه الحكومة ستكون محط اختبار للقوى السياسية، مَن هم مع مطالب الشارع ودعوات التغيير من جهة ومَن يمانع ذلك من جهة أخرى".
وعبَّر عن خشيته بأن "يكون علاوي أداة بيد أطراف سياسية تحاول التأثير فيه بشكل واضح". وبيَّن أن "كتلة دولة القانون لا تمانع إمرار الحكومة"، مردفاً "لكننا متريثين في إعطاء الثقة من عدمها بانتظار نتائج المفاوضات ولم نحدد حتى الآن الموقف من عملية التصويت على الحكومة".
مطالبات "سنية" بتمثيل حقيقي
في المقابل، قال القيادي في "تحالف القوى العراقية" صباح الكربولي إنه "من المرجح عقد جلسة طارئة لمجلس النواب الأحد المقبل، لتمرير جزء من تشكيلة رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي". وأضاف "السنة ليسوا عقدة في تشكيل حكومة علاوي، ولا يطالبون بالمناصب وفق المحاصصة، كما يتهمنا البعض، لكننا نريد أن يكون لنا تمثيل حقيقي في الحكومة المقبلة، من أجل تلبية مطالب المكوّن السني الذي يعاني من مشاكل حقيقية جراء العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي". وأضاف "نحن نريد أن نكون جزءاً من الحل في الأزمات التي يعاني منها البلد، من خلال ضمان التمثيل الحقيقي في حكومة علاوي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تصدّع في التوافقات
من جانبه، رأى الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي أن "الاعتراضات السياسية من بعض الكتل البرلمانية وتحديداً الكتل السنية والكردية تبدو كبيرة، وقد تعرقل التوافقات حول الحكومة المقبلة"، مستبعداً إمكانية طرحها يوم الأحد المقبل. وأضاف أن "الحكومة العتيدة لن تكون مستقلة وأساس المحاصصة قائم، وما يجري هو استبدال للوجوه فقط"، مبيناً أنها "ستخضع للالتزامات ذاتها مع الكتل السياسية وإلا لن تمرّ في البرلمان".
وكشف الشريفي عن أن "أسماء الوزراء لم تُطرح على هيئة المساءلة والعدالة، وهذا الأمر يقتضي أسبوعاً على الأقل للتدقيق، ولذلك يبدو طرح التشكيلة الحكومية مستبعداً". وتابع أن "الكتل الشيعية الرئيسية لا تمتلك النصاب القانوني داخل البرلمان، فضلاً عن أن هناك تصدعاً في التوافق بين تحالفي الفتح وسائرون". وعبّر عن اعتقاده بأن حكومة علاوي لن تنجح، مرجحاً أن يكون الحل بالذهاب نحو تشكيل حكومة طوارئ.
تمرد برلماني
في المقابل، قال الباحث والأكاديمي فاضل البدراني إن "رئيس الحكومة المكلَف لا يريد مجاملة رئيس البرلمان أو القوى الكردية، ولا ينظر إلى تلك الكتل البرلمانية على أنها متماسكة، لذلك لا يريد إعطاء ذريعة أمام المتظاهرين بعودة المحاصصة في الحكومة".
وأوضح أن "الكتل الشيعية وبعض الأطراف السنية والكردية مؤيدة لحكومة علاوي، وهذا ما سيؤدي إلى تمرير الحكومة في البرلمان". ولفت إلى "صعوبة الحصول على النصاب القانوني في البرلمان، إذ إن علاوي مطالب بتأمين حضور 165 نائباً، لكنه قريب من الحصول عليه".
وبيَّن أن "علاوي يعمل على استغلال تمرد بعض النواب على كتلهم للحصول على النصاب القانوني، وحصلت بينه وبين هؤلاء اجتماعات في الأيام الماضية بغية الحصول على تأييد نيابي أكبر". تابع أن "أميركا لن تسمح بتمرير تشكيلة حكومية من دون موافقة الكتل السياسية الكردية والسنية".
ولفت إلى أن "علاوي يحظى بدعم إيران وهذا يعني أن يحظى بتأييد كل الأطراف الشيعية الرئيسية المرتبطة بها". وختم "ستكون هناك مغادرة جزئية للمحاصصة في الحكومة المقبلة، لامتصاص الغضب الجماهيري والخروج بصيغة جديدة".