على الرغم من تقدمها في السن (66 سنة)، تصر السائحة اليونانية سوزانا موتريس على أن تكمل تسلّق جبل الأربعين في مدينة أريحا، شرق الضفة الغربية، فهي على يقين أن ما ستصل إليه نهاية الطريق يستحق العناء. فبعد نصف ساعة شاقة من المشي والتسلّق بين المنحدرات الصخرية الخطيرة، دُهشت سوزانا لروعة المشهد، إذ تتربّع كنيسة الروم الأرثوذكس التي تُعرف بـ "دير قرنطل" على منحدر جبل هائل على ارتفاع 350 متراً فوق مستوى سطح البحر، كلوحة فنية منحوتة ومعلّقة في الصخر. وتلقّى الدير اسمه من الجبل الذي أطلق عليه المسيحيون الأوائل اسم "جبل الأربعين"، إذ يُعتقد أن السيد المسيح لجأ إليه بعد تعميده في نهر الأردن وصام فيه 40 يوماً. ويعود تاريخ الدير الذي يُطلق عليه أيضاً "جبل قرنطل" إلى عام 325م، فأوّل مَن فكّر بالمحافظة على قدسيّة المكان هي إمبراطورة القسطنطينية أوغستا هيلانة خلال رحلة الحج التي قامت بها إلى الأراضي المقدّسة عام 302م.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تجربة السيد المسيح
وتقول السائحة اليونانية "سمعتُ كثيراً عن جبل الأربعين وعن "دير قرنطل" الذي يقع في الأراضي الفلسطينية، وتبيّن لنا بحسب الروايات والحكايا، أن المكان مقدس جداً، خصوصاً بالنسبة إلينا نحن اليونانيين. وعلى الرغم من وجود فرصة لاستخدام التلفريك الذي يوصل السياح إلى أعلى الدير في قمة جبل الأربعين، إلاّ أنّنا في المجموعة قرّرنا الصعود مشياً على الأقدام حتى نعيش التجربة الروحانية الفريدة التي عاشها السيد المسيح عندما اعتزل هنا وحيداً، وصام وتأمل أثناء إغراء الشيطان 40 يوماً. المكان بكلّ مكوّناته رائع، فالكنيسة الأرثوذكسية والممرات الصخرية المنحوتة والغرف المغلقة والمعلّقة التي تُظهر التعفف الذي عاشه الرهبان داخل الدير، وكثيرون منا يكتبون أمنياتهم على ورقة صغيرة ويضعونها بين الشقوق الصخرية داخل الكنيسة وبين الغرف متمنين تحقيقها من الرب".
اسم جبل الأربعين أو "جبل قرنطل" بالّلغة العربيّة، مشتق من الكلمة اللاتينية كوارنتينا (Quarentena) وتعني أربعين، حين أُنشئ أقدم دير في الموقع على يد البيزنطيين في القرن السادس، ثم بنى بعد ذلك الصليبيون كنيستين: إحداهما في كهف يقع في منتصف الطريق المؤدّي إلى المنحدر، والثانية على قمة الجبل.
عام 1895م، بُنِي دير الروم الأرثوذكس فوق الكنيسة التي شُيّدت في الكهف، حيث الحجر الذي جلس يسوع المسيح عليه أثناء فترة صيامه.
لائحة التراث العالمي
يسمح التلفريك الذي يمتد خط سيره 1330 متراً وبارتفاع 177 متراً عن سطح البحر، للزوار والسياح بمشاهدة عددٍ كبيرٍ من المعالم الأثرية التي يضمها جبل الأربعين، مثل الكهوف والغرف الصغيرة المنحوتة في الصخر التي كان يلجأ إليها الرهبان، اذ تشير المعلومات التاريخية إلى بنائها في القرن الثامن عشر، كما يمكن مشاهدة طواحين السكر التي اشتهرت بها مدينة أريحا قديماً.
وتستعد وزارة السياحة والآثار الفلسطينية لتسجيل المكان على لائحة التراث العالمي ضمن ما يُسمى البرية والأديرة الصحراوية، بما يشمل مجموعة أخرى من المواقع الأثرية في مدينة أريحا، كقصر هشام وتل السلطان. جريس قمصية، المتحدث الرسمي باسم وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، يقول لـ "اندبندنت عربية"، إن "الوزارة أعدت خطة حول الأولويات في العمل للنهوض بالواقع السياحي، تطبيقاً للرؤية العامة، لتكون فلسطين وجهة سياحة عالمية، تعمل على تطوير الاقتصاد الفلسطيني. ودير قرنطل، أحد تلك المواقع التي وُضعت على اللائحة التمهيدية لتثبيتها في التراث العالمي. فالمكان منحوت في الصخر من آلاف السنين ويُعتبر وجهة للحجاج الأجانب، والوزارة تهتم كثيراً بالأديرة في فلسطين لإدراكها أهمية هذه المعالم من الناحية الدينية والسياحية. ومذ أصبحت فلسطين عضواً في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عام 2011، سجّلت مدينة القدس والخليل وبيت لحم والمدرجات المائية في قرية بتير على لائحة التراث العالمي".
السياحة الدينية هي الأكبر
ويضيف قمصية "تسجيل الدير في لائحة اليونسكو سيسهم بشكل كبير بزيادة عدد السياح الأجانب إلى أريحا، كما يؤسس لتسجيل المدينة بكاملها على لائحة التراث العالمي باعتبارها أقدم مدينة في العالم والشهيرة بمدينة القمر، فهي تضم عدداً كبيراً من المواقع الأثرية، منها قصر هشام الذي توجد فيه لوحة فسيفساء يُعتقد أنها الأضخم عالمياً، إضافةً إلى عدد من الأديرة، منها دير حجلة ودير وادي القلط، والسياحة سواء كانت مسيحية أو إسلامية في فلسطين، سياحة دينية بغالبيتها.
وفي السنوات الأخيرة، أرسلت دول مثل تركيا وإندونيسيا وماليزيا وفوداً سياحية إلى فلسطين، أسهمت بتحسن الحركة السياحية الإسلامية في مدن القدس والخليل، كما ضاعفت وزارة السياحة حجم مشاركتها في المؤتمرات والمعارض الدولية في السنوات الأخيرة، لتثبيت الوجود الفلسطيني على الخريطة السياحية الدولية التي تساعد في استقطاب السياح".
فرص للاستثمار
أحد رجال الأعمال الفلسطينيين المستثمرين في القطاع السياحي مروان سنقرط، يقول "هناك اهتمام كبير من قبل السياح الأجانب في الفترة الأخيرة بدير قرنطل، وتسجيل مدينة أريحا وما فيها من مواقع أثرية، مثل تل السلطان الذي يمتد عمره لأكثر من عشرة آلاف سنة، وقصر هشام على لائحة التراث العالمي، لا شك أنه سيسهم في رفع اسم فلسطين عالمياً وسيدعم القطاع السياحي والاقتصادي في الوقت ذاته، وسيتيح المجال للمستثمرين الفلسطينيين، خصوصاً من هم في الخارج، للاستثمار في مدينة أريحا لأنها ستصبح وجهة للسياحة العالمية.
وبحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، فإن فلسطين في مقدمة الدول الغنية بالأماكن التاريخية الأثرية والدينية. ففي الأراضي الفلسطينية ما يزيد على 2000 موقع أثري، وأكثر من عشرة آلاف معلم أثري وتاريخي، وحوالى 50 ألف مبنى تاريخي. ويعود السبب في ذلك إلى كون فلسطين مهد الديانات السماوية، وتعاقبت عليها حضارات عدّة خلّفت وراءها شواهد ومعالم ومقدسات.