إنّ "يوم الرئيس" عطلة وطنية يحتفل بها الأميركيون في ثالث يوم إثنين من شهر فبراير (شباط) كل عام.
وحُدد هذا اليوم تكريماً لذكرى أوّل رئيس للجمهورية وهو جورج واشنطن الذي أبصر النور بتاريخ 22 فبراير 1732 في ولاية فيرجينيا. كما وُلد أبراهام لينكولن، وهو الرئيس السادس عشر لأميركا، خلال هذا الشهر أيضاً. لذا تعتبر العطلة، التي تستغرق ثلاثة أيام باعتبار أن يوم الاثنين ذي الصلة يأتي مباشرة بعد نهاية الأسبوع، مناسبة سنوية لتكريم ذكرى لينكولن أيضاً، منذ دخولها حيز التنفيذ مع إقرار الكونغرس قانون عطلة الإثنين الموحّد أثناء ولاية الرئيس ليندون جونسون في العام 1968.
لكن من الشائع اعتبار هذا اليوم "عيد ميلاد واشنطن" ويطغى ظلّ هذا الأب المؤسس على تاريخ الأمّة.
ما الدروس التي قد يتعلّمها ترمب، الرئيس الخامس والأربعين لأميركا، من رئيسها الأوّل؟
يُعدّ الخطاب الوداعي للأمّة الذي ألقاه واشنطن مع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية الثانية عام 1796 من أشهر مساهماته في تراث البلاد ويستحقّ العودة إليه في زمن ترمب.
كتب جيمس ماديسون نصّ الوثيقة التي تتألف من 7641 كلمة في الأساس لجنرال حرب الثورة السابق، قبل إلقاء الخطاب بأربعة سنوات حين خشي واشنطن الموت في منصبه بسبب معاناته من التهاب المفاصل ووجع الأسنان.
ولكن الخطاب وُضع جانباً، بينما انشغل الرئيس بأحداث تلك الحقبة وبمشاكل الأمة الناشئة. بيد أنه عاد إليه حين حلم بالتقاعد والعيش في مزرعته في ماونت فيرنون، فسلّم النسخة التي وضعها ماديسون إلى ألكساندر هاميلتون، مهندس الدستور ووزير الخزينة السابق في عهده، كي يراجعها ويعدّلها.
وأعاد واشنطن وهاميلتون صياغة النص بشكل كبير لتخرج نسختهما في النهاية على شكل رسالة مفتوحة للشعب الأميركي، نُشرت للمرة الأولى في صحيفة فيلادلفيا "ذا دايلي أميركان أدفرتايزر" يوم 19 سبتمبر (أيلول) 1796.
وشدّد الرئيس في رسالته تلك على أهمية الوحدة الوطنية كما ناشد مواطنيه أن يضعوا خلافاتهم الشخصية ومشاكلهم جانباً لصالح الخير العام. وكتب قائلاً "لقد حاربتم في سبيل قضيّة مشتركة وانتصرتم معاً. والاستقلال والحريّة اللذان تتمتعان بهما هما ثمار التفكير المشترك والجهود المشتركة، والمخاطر والمعاناة والنجاحات التي تشاركتم بها كلها.. يجب أن تعتبروا وحدتكم ركيزة أساسية لحريّتكم... ويجب أن يدفعكم حبّ إحداهما إلى الحفاظ على الأخرى".
كما أوضحت الرسالة أنّ أسوأ عدوّ للحكومة هو التحزّب الوضيع، أي الولاء للحزب قبل الوطن. فإفساح المجال أمام "روح الانتقام" والسّماح لها بتحريك ممثلي الشعب لن يؤدي سوى إلى صعود "رجال ماكرين وطموحين وبلا مبادئ" قد "يستغلّوا سيطرتهم على الحكومة لمصالحهم الشخصية ويدمّروا بعدها الآليات نفسها التي أوصلتهم إلى موقع السلطة الذي لا يستحقونه ". وأخيراً، حذّر واشنطن، الذي وضع نصّه في أعقاب الثورة الفرنسية، من مخاطر "التأثير الأجنبي والفساد".
وفيما عبّر الرئيس عن دعمه الكامل للعلاقات الدبلوماسية والتجارية الودّية مع الدول الأخرى، فقد حذّر من ضرورة "الابتعاد عن الكراهية المتأصّلة ضدّ بعض الأمم، والتعلّق العاطفي بأخرى".
أمّا الرجل الذي يحتل المرتبة الـ 44 بين من خلفوا واشنطن على الرئاسة، دونالد جاي ترمب، فقد برّأه أخيراً مجلس الشيوخ بأغلبيته من الجمهوريين بعدما تعرّض للمساءلة جرّاء محاولته الضغط على أوكرانيا كي تفتح تحقيقاً زائفاً بتهم الفساد ضدّ منافسه السياسي الداخلي جو بايدن.
وأراد ترمب أن يسجل نقاطاً تساعده على التقدم على خصمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة من خلال تلطيخ سمعة هذا الخصم، وذلك لقاء تحرير مبلغ 391 مليون دولار من المساعدات التي وافق عليها الكونغرس وجمّدها هو.
لكن تدخّل أحد المخبرين السريين في مكتب الاستخبارات المركزية الذي سمع اتصاله الهاتفي "المثالي" مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، دفع مجلس النوّاب إلى إجراء تحقيق أدّى إلى توجيه اتهامين للرئيس ضمن آلية العزل هما إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس.
تجاهل ترمب المحاذير الثلاثة التي وضعها واشنطن، وهي تعزيز الشّقاق الحزبي وحثّ حزبه على دعمه مهما كلّف الأمر والدعوة السافرة للتدخّل الخارجي في الشؤون الأميركية، فتلقّى توبيخاً صريحاً ومناسباً من المجلس على أفعاله.
ما هي الدروس التي قد يتعلّمها واشنطن من ترمب؟
قد تعتقدون أنّ الرئيس الحالي، قطب عقارات منهاتن الصّلف الذي يحب الهامبرغر واللافتات الذهبية، ليس لديه الكثير كي يقوله لسلفه، إبن المزارع الذي تحوّل إلى مناضل في سبيل الحرية في القرن الثامن عشر.
مع أنّ ترمب قارن نفسه بالفعل بواشنطن خلال اجتماع لأعضاء حكومته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين ادّعى أنّ الأب المؤسّس سعى بدوره إلى الاستفادة من ولايته الرئاسية واحتفظ بـ "مكتب للرئاسة ومكتب للأعمال التجارية". وهو زعمٌ خاطئ تماماً بالطّبع.
وتلقّف استطلاع للرأي أجرته جامعة مونموث في ديسمبر (كانون الأول) هذه الفكرة فسأل الناخبين من هو القائد الأهمّ: وفاز بالنتيجة واشنطن بنسبة 70 في المئة بينما لم يحصل ترمب سوى على 15 في المئة، في أوساط عامّة الناخبين. لكنّ الفارق بينهما كان أقل بكثير في أوساط الجمهوريين، إذ أحرزا 44 في المئة مقابل 37 في المئة.
من الواضح من دون شكّ أنّ ترمب نفسه لا يكنّ احتراماً كبيراً للتاريخ، إلى درجة كان يجهل معها كلياً الأحداث التي جرت في بيرل هاربور حتى شرحها له رئيس موظّفي البيت الأبيض آنذاك جون كيلي خلال جولة له في النصب التذكاري يو أس أس أريزونا في هاواي عام 2017، وفقاً لكتاب صدر حديثاُ عن فيليب راكر وكارول ليونيغ بعنوان "نابغة في غاية التوازن".
لكن هذا لم يمنع قطب العقارات الفخمة من الافتراض في مرة سابقة أنّه يستطيع إسداء النصيحة لسلفه الموقّر.
وكما أفاد موقع بوليتيكو العام الماضي، فقد اصطحب الرئيس والسيدة الأولى نظيريهما الفرنسيّين إيمانويل ماكرون وبريجيت ماكرون في زيارة إلى ماونت فيرنون يوم 23 أبريل (نيسان) 2018.
وطاف الأربعة في المجمّع التاريخي في فيرجينيا. وأرشدهم دوغ برادبورن، وهو المسؤول الأعلى عن المنشأة، في جولتهم عبر أرجاء المنزل والمكان، فقدم لهم محاضرة لمدّة 45 دقيقة حول حياة الأب المؤسس وإنجازاته عانى خلالها لإبقاء ترمب متابعاً بانتباه أياً من المواضيع غير تلك المتعلقة بحجم ثروة واشنطن.
وأُفيد بأنّ ترمب علّق على المكان لاحقاً بقوله "لو كان ذكيّاً لوضع اسمه عليه.. يجب أن يضع المرء اسمه على الأشياء وإلا فلن يتذكّره أحد".
وعندما لفت برادبورن إلى نجاح واشنطن في تسمية ولاية وعاصمة البلاد باسمه تكريماً له، ضحك ترمب وقال "هذه ملاحظة صائبة".
© The Independent