خرج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال لقائه مع ولاة المحافظات"، عن الرسميات المعهودة واعتمد خطاباً واقعياً جذب الانتباه والاهتمام. فقد عدّد التجاوزات والممارسات التي تسببت في انهيار الدولة والمجتمع، متوعداً بنتائج تعيد الكرامة إلى المواطن الذي كان ضحية أكذوبة "جزائر العزة والكرامة" التي رفعها النظام السابق.
وفاجأ الرئيس تبون الولاة بعرض "فيديو عن معاناة المواطنين في العديد من المناطق، وتضمن شريط الفيديو مشاهد عن حياة البؤس والحرمان"، ثم واصل الحديث بالقول إن الوضع مزرٍ ومؤسف في ظل وجود مَن يلعب بالملايين ومواطن آخر لا يحصل على التدفئة. وفيما نفى ممارسة الشعبوية والديماغوجية، مؤكداً أن "هذا واقعنا بكل أسف"، منح الولاة "عاماً واحداً لتختفي هذه المظاهر، ولا بد من توزيع عادل لثروات البلاد".
استقلالية العدالة
يعتبر الإعلامي محمد دلومي في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن النظام في الجزائر يتميز بتجدده في كل مرحلة عبر محاولة محو ما يربط الحاضر بالمرحلة السابقة. ويلاحظ أنه "مع كل وافد جديد على قصر المرادية تجرى قطيعة مع الفترة السابقة سواء كان بتغيير الرجال أو طريقة التسيير، وهو نفسه ما يحدث اليوم مع الرئيس الجديد من خلال تغيير الوجوه وإبعاد رموز بوتفليقة". ويشير إلى أن اللقاء الذي جمع الرئيس بالولاة وما تمخض منه من توصيات دليل على تشخيص الداء على اعتبار أن الولاة كانوا في خدمة السلطة التي تعيّنهم ولم يكونوا في مستوى تطلعات الشعب.
ويذكّر دلومي بأن الرئيس تبون كشف كثيراً من الاختلالات وقدم توصيات تهدف كلها إلى القطيعة مع الماضي، لكن "الممارسات البائدة لن تتغير بالتوصيات وتقديم التعليمات بل بفرض سلطة القانون واستقلالية العدالة، وفي غياب ذلك، فإن تغيير الوجوه لا يكفي، مضيفاً أنه "إذا كانت هناك نية فعلية في إحداث القطيعة، فإنه وجب إصلاح وتغيير القوانين من خلال الإصلاحات الدستورية المقبلة، وجعل انتخاب الولاة مباشرة من الشعب وليس تعينهم بمراسيم رئاسية". وختم أن القطيعة يجب ألا تكون بإبعاد وجوه وتقريب أخرى، بل بتغيير القوانين واستقلالية حقيقية للعدالة حتى يتساوى الجميع أمامها، وهذا ما يضمن دولة القانون والحريات والحقوق بعيداً من الولاء.
"كنس" بقايا العصابة
بالنظر إلى النبرة التي استعملها تبون والتوجيهات التي قدمها إلى الولاة، والتي تمحورت حول ضرورة التغيير على المستوى المحلي بالتقرب من المواطنين لكسر الحاجز الذي بنته "العصابة" بين الدولة والمواطن، والكف عن الوعود الكاذبة وتجنب الفساد والرشوة واستغلال الوظيفة للثراء، يبدو أن النظام الجديد يواصل عملية "كنس" بقايا العصابة، خصوصاً أن مسؤولي المحافظات كانوا النواة الصلبة وأذرع السلطة خلال عهد بوتفليقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سياق التأسيس لمرحلة جديدة، قال الرئيس تبون إن الهدف من تعديل الدستور بناء ديمقراطية حقة وصلبة، لا ظرفية ولا على مقاس أحد، مؤكداً أنه سيكون دستوراً توافقياً يحقق توازن السلطات وينهي الحكم الفردي والتسلط، ولا حواجز فيه. وقال إن "ما يقبله الشعب لا يمكنني أن أرفضه".
التغيير آتٍ لا محالة
يعتقد الأستاذ الجامعي عبد الرحمن طايبي، في تصريح إلى"اندبندنت عربية"، أن "هناك اتفاقاً لدى أكثرية متابعي الشأن الجزائري، بوجود تمايز بين عهدين، بغض النظر عن الموقف من العهدين، موضحاً أن هذا التمايز أو الحد الأدنى منه في كل مرة يثبت تغيراً في اتجاه أهداف معينة، وعلى هذا الأساس، فالتغيير آتٍ لا محالة".
يضيف أنه يبقى الخلاف حول تقدير وتيرة التغيير ومدى انسجامها مع التطلعات التي تبقى نسبية، "ما يقودنا إلى الوقوف عند طبيعة المرحلة داخلياً وإقليمياً مع تغلغل وسيطرة نمط معين من التفكير والتسيير يصعب الانفكاك عنه بين عشية وضحاها".
ويشير طايبي إلى أن اجتماع الرئيس والولاة "استهدف تفكيك نمط التفكير والإدارة السابق، وفق خطة عملية مدروسة حفاظاً على الاستقرار العام، وذلك استعداداً لاستحداث قطيعة مع عقلية العصابة المستشرية في عموم المواطنين، في سياق العلاقة مع الوطن والدولة، بالتزامن مع القضاء وتحييد العصابة وأذرعها وامتداداتها".
يتابع أنه "بناء على ما سبق، لا يمكن قراءة تعليمات وتوصيات تبون، إلا في سياق الاستعداد لترسيخ قواعد تفكير وعمل مختلفة تماماً عن السابق". وخلص إلى أن التحدي الأكبر يبقى في القطيعة مع عقلية العصابة في النهب والفساد، وانخراط المواطن في هذا المسعى.