شهدت العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" أسوأ بداية سنوية منذ عام 2015، بعدما فقدت أكثر من 3.4 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، ما دفعها إلى تسجيل أدنى مستوى منذ 4 سنوات الورقة الأميركية الخضراء. فيما أجبرت خسائر العملة الأوروبية الموحدة البنوك الاستثمارية على تمزيق التنبؤات المتفائلة بأن يشهد عام 2020 انطلاقة قوية لليورو.
في تعاملات أمس الثلاثاء، تراجعت عملة اليورو أمام الدولار لأدنى مستوى في 3 سنوات، بعد بيانات سلبية في أوروبا. حيث أظهرت بيانات حديثة، تراجع ثقة المستثمرين في منطقة اليورو بوتيرة حادة إلى مستوى 10.4 نقطة خلال الشهر الحالي، مقابل مستوى 25.6 نقطة المسجلة في يناير (كانون الثاني) الماضي.
كما انخفض مؤشر ثقة المستثمرين في ألمانيا بوتيرة أكثر حدة ليصل إلى مستوى 8.7 نقطة في فبراير (شباط) الحالي، مقابل مستوى 26.7 نقطة في الشهر السابق له، بعد فشل الاقتصاد الأكبر بأوروبا في النمو خلال الربع الأخير من العام الماضي.
وتواصل العملة الأوروبية الموحدة أداءها السلبي أمام نظيرتها الأميركية لتصل خسائرها منذ بداية العام لنحو 3.4 في المئة، مع فشل اقتصاد ألمانيا في النمو خلال الربع الأخير من العام الماضي وتباطؤ اقتصاد منطقة اليورو.
وفضلاً عن البيانات السلبية في أوروبا، زاد صعود الدولار قرب أعلى مستوى في 5 أشهر من الضغط على اليورو. وينظر المستثمرون إلى العملة الأميركية باعتبارها ملاذاً آمناً للاحتماء به في ظل استمرار مخاوف فيروس كورونا، التي ستكون منطقة اليورو أكبر المتضررين كون الصين تعد ثالث أكبر مستورد للسلع والخدمات لديها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تفشي كورونا وبيانات سلبية وراء الهبوط
وأشار تقرير حديث، إلى تعرض اليورو لضغوط ملحوظة بسبب القلق من الصدمة الاقتصادية من البيانات، وتفشي فيروس كورونا بالإضافة إلى استمرار السياسة النقدية التيسيرية دون نهاية واضحة في الأفق.
ووفقاً لتحليل أعدته وكالة "بلومبيرغ"، قال جيمس آثي، كبير مديري الاستثمار في "أبردين ستاندرد انفستمنتس"، إن "الصورة الكبيرة هي أن منطقة اليورو لا تزال في فوضى هيكلية، إنها تتألف من اقتصاديات متباينة مع مجموعة من القضايا الهيكلية التي تبتعد جميعها من معايير التقارب، وهي الآن محاصرة في اتحاد نقدي بدون تحول مالي".
وجاءت غالبية بيانات منطقة اليورو منذ بداية العام الحالي مخيبة للآمال، حيث تباطأ النمو الاقتصادي خلال الربع الأخير من العام الماضي إلى 0.1 في المئة، فضلاً عن فشل أكبر اقتصادين في أوروبا في النمو. وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا "صفر" في الربع الأخير من العام المنصرم، مقارنة مع نمو 0.2 في المئة في الربع السابق له. كما سجل نمو اقتصاد المملكة المتحدة "صفر" خلال نفس الفترة.
وتشير البيانات إلى هبوط نشاط الخدمات في منطقة اليورو خلال الشهر الماضي، وتراجع الإنتاج الصناعي بأكثر من التوقعات. وتسببت كل هذه البيانات السلبية في أن تضغط بقوة على اليورو، في مقابل البيانات الإيجابية للولايات المتحدة التي دفعت العملة الأميركية للارتفاع وعمقت جراح نظيرتها الأوروبية الموحدة.
ووصف بنك "كريدي أغريكول" تراجع العملة الأوروبية مقابل الدولار بأنه "مثال على التباعد التجاري في العالم، الذي تم إحياؤه بعد تفشي كورونا مع تعميق هذا الفيروس "الفجوة المتوقعة للنمو" بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
وخفض البنك توقعاته لزوج العملات (اليورو- الدولار) هذا العام إلى 1.13 دولار من 1.16 دولار، وهو نفس الإجراء الذي اتخذه "دانسكي بنك"، لكن الأخير يتوقع هبوط اليورو إلى 1.08 دولار في الوقت الذي تحوم فيه العملة الأوروبية الموحدة حالياً عند 1.085 دولار.
أوروبا تواصل الاتجاه إلى التيسير النقدي
التحليل أشار إلى أن البنك المركزي الأوروبي يتجه إلى المزيد من التيسير النقدي، في المقابل فإن الاحتياطي الفيدرالي أكثر ثباتاً على موقفه. وفي أحدث بيانات السياسة النقدية، أبقى المركزي الأوروبي معدل الفائدة دون تغيير لكنها لا يزال يشير إلى أن معدلات الفائدة الرئيسة ستظل عند مستوياتها الحالية أو أقل حتى تُبدي توقعات التضخم تقارباً قوياً مع المستهدف البالغ 2 في المئة.
في المقابل، اتخذ البنك المركزي الأميركي نفس القرار بتثبيت معدل الفائدة، لكنه أشار إلى أن موقف السياسة النقدية الحالي مناسب لدعم النمو الاقتصادي. وتبلغ معدلات الفائدة الأساسية في منطقة اليورو "صفر"، بينما تصل الفائدة على الودائع لسالب 0.5 في المئة. في حين تتراوح معدل الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية عند 1.50 إلى 1.75 في المئة.
بالإضافة إلى ذلك، يخشى المستثمرون المزيد من التيسير النقدي مع تزايد الشكوك في أن حكومات منطقة اليورو سوف تستجيب لدعوة البنك المركزي الأوروبي إلى التحفيز المالي.
أيهما تفضل كملاذ آمن: اليورو أم الدولار؟
وأشار التحليل إلى أنه إذا كان المستثمرون يبحثون عن ملاذ آمن من مخاوف فيروس الصين الجديد فإنهم بالفعل سيلجأون إلى الدولار وليس اليورو. وتعتبر الصين ثالث أكبر مستورد للسلع والخدمات من منطقة اليورو، مع زيادة صادرات الكتلة إلى الصين ثلاثة أضعاف تقريباً بين عامي 2007 و 2018 إلى 185.8 مليار دولار من 60.5 مليار دولار. ومن شأن تراجع استيراد الصين أن يسبب مشكلات في عدد من الصناعات مثل السلع الكمالية.
وتناول تحليل "بلومبيرغ"، تقريراً صادراً عن جامعة "أكسفورد إيكونوميكس"، أشار إلى أن بعض الصناعات في أوروبا قد تكون أكثر تعرضاً حيث إن منطقة ووهان التي نشأ فيها الفيروس هي مركز رئيس للسيارات وموطن لمواقع إنتاج شركات الصناعة بما في ذلك "رينو" و"بوجيه".
كل هذا يجعل اليورو أكثر عرضة للخطر من الدولار الأميركي الذي يعتبره المستثمرون ملاذاً آمناً مع تزايد مخاوف الفيروس.
ويرى "نيل جونز" المحلل لدى بنك "ميزوهو"، أن "اليورو يعاني كعملة تمويل في أوقات شهية المخاطرة مع البحث عن عائد أعلى، بينما في أوقات الابتعاد عن المخاطرة يبدو أن الدولار كملاذ آمن يتفوق في الأداء".
الدولار يعزز مكاسبه أمام سلة العملات
في سوق العملات، وسع الدولار مكاسبه مقابل سلة من العملات الرئيسة ليصل لأعلى مستوى في نحو 5 أشهر بعد بيانات اقتصادية وتطورات الكورونا.
وارتفعت العملة الخضراء مقابل اليورو بنسبة 0.2 في المئة لتسجل 1.0818 دولار، بعد أن وصل إلى 1.0786 دولار في وقت سابق من التعاملات. كما ارتفعت العملة الأميركية أمام نظيرتها اليابانية بنسبة 0.07 في المئة مسجلة 109.80 ين، بينما انخفضت مقابل الجنيه الإسترليني عند مستوى 1.3036 دولار.
وفي نفس التوقيت، ارتفع المؤشر الرئيس للدولار، وهو الذي يتبع أداء العملة الخضراء أمام ست عملات رئيسة بنحو 0.3 في المئة ليصل إلى مستوى 99.318، بعد أن سجل نحو 99.47 في وقت سابق من التعاملات وهو أعلى مستوى منذ أول أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.