يرعى الفلسطيني بركات أبو محيسن أغنامه في منطقة الفارسية بالأغوار الشمالية، كما اعتاد يومياً منذ سنوات. لكن بعد غفوة تحت ظل شجرة، صحا على أصوات آليات عسكرية إسرائيلية تحيط بالمكان، وجنود يعتقلونه مع ماشيته، بحجة الرعي في محمية طبيعية.
عشرات من رعاة الأغنام البدو مثل بركات، المنتشرين في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية، يتعرضون لانتهاكات ومضايقات يومية من قبل الجنود الإسرائيليين. وتعود أصول الغالبية العظمى منهم إلى صحراء النقب (جنوب فلسطين)، حيث هُجّروا أثناء نكبة عام 1947 وما تلاها.
يعيش حوالى 70 في المئة منهم في وسط الضفة الغربية بتجمعات بدوية تتركز في شرق القدس والأغوار الشمالية والأغوار الوسطى وجنوب الخليل، حيث يكابدون أوضاعاً إنسانية صعبة، داخل مساكن مصنوعة من الصفيح. وعدد كبير منهم يعيش في الكهوف، في مناطق تفتقد لأبسط مكونات الحياة الأساسية. وغالبيتهم تسلمت إخطارات إسرائيلية بالإخلاء بحجة تحويل أماكن سكنهم إلى مناطق عسكرية مغلقة أو ومحميات طبيعية.
غطاء استيطاني
الحكومة الإسرائيلية صادقت على قرار الإعلان عن سبع محميّات طبيعية جديدة في الضفة الغربية، بمساحة 130 ألف دونم (1000 متر مربع)، 20 ألف دونم منها أراضٍ فلسطينية بملكية خاصة.
في المقابل، أكد المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، أنّ هذا الإعلان هو الأول من نوعه في الضفة منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1993، إذ تقع غالبية تلك المحميات في منطقة الأغوار.
مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس والأغوار الشمالية معتز بشارات يقول لـ "اندبندنت عربية" إنه في مساحة لا تتعدى 18 ألف دونم في الأغوار الشمالية (27 تجمعاً) يعيش نحو 12000 فلسطيني، جميعهم تسلموا إخطارات إسرائيلية بالإخلاء. وهناك 300 ألف دونم تسيطر عليها إسرائيل بشكل كامل، بما فيها أحواض المياه التي تغذي الأراضي المحيطة من ضمنها التجمعات الفلسطينية.
وتسيطر إسرائيل حالياً على 88 في المئة من مساحة الأغوار، عبر تقسيمها إلى مناطق عسكرية مغلقة أو محميات طبيعية أو مستوطنات زراعية. وهذا أدى إلى تهجير أكثر من 50 ألف فلسطيني منذ احتلال منطقة الأغوار عام 1967.
محميات أم مستوطنات؟
تشكل المحميات الطبيعية ما مساحته 9 في المئة من مساحة الضفة الغربية، تقع غالبيتها في المناطق المصنفة "ج"، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، فتسعى تل أبيب إلى التضييق على المواطنين الفلسطينيين، بخاصة البدو، من خلال منعهم من استغلال تلك الأراضي بحجة أنها محميات طبيعية.
يقول عيسى موسى، المدير العام للمصادر الطبيعية في سلطة جودة البيئة لـ "اندبدنت عربية"، إن القرار الإسرائيلي بإقامة سبع محميات طبيعية جديدة، هو قرار سياسي بغطاء بيئي، تلتف فيه تل أبيب على القانون لتسرق الأرض الفلسطينية، متحجّجة بالمحميات الطبيعية، خشية محاكمتها أمام القانون الدولي.
ووفق موسى، فإن المناطق التي تنوي إسرائيل مصادرتها تتميز، بحسب البحث الأولي، بنظام بيئي فريد غني بالحيوانات والنباتات البرية وينابيع المياه.
ويشير إلى أن سلطة جودة البيئة بدأت بتحديد تلك المواقع لتحضير ملفات شاملة بغية رفعها إلى وزارة الخارجية الفلسطينية، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة إسرائيل في المحاكم الدولية.
ويضيف موسى "منذ عام 1983، أعلنت إسرائيل وادي قانا (وسط الضفة الغربية) محمية طبيعية، لكنها بعد ذلك اقتلعت الغطاء النباتي للمحمية لتصبح قمم جبال وادي قانا معكّرة بـ13 مستوطنة إسرائيلية. فالمحميات الطبيعية ليست سوى إحدى الوسائل للسطو على أراضي الفلسطينيين. وإلى جانب ذلك، هناك ما يُسمّى بالحدائق الوطنية، إذ تتعمد إسرائيل تحويل الأراضي الفلسطينية إلى أراضٍ خضراء يُطلق عليها اسم الحدائق الوطنية، وهي في الحقيقة حدائق توراتية، كما تلك التي تحيط بالمسجد الأقصى والبلدة القديمة في مدينة القدس".
تدريبات عسكرية
بدو فلسطين، الذين يعيشون في صحراء النقب والبالغ عددهم 250 ألفاً، يعانون من حجج إسرائيلية أخرى، أكثر قساوةً. فقرية العراقيب شمال غربي النقب (جنوب فلسطين)، هُدّمت أكثر من 174 مرّة بحجّة القيام بتدريبات عسكرية. وهي واحدة من 45 قرية لا تعترف بها إسرائيل، وتمنع تزويدها بالخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والمياه والكهرباء والطرق والاتصالات، للضغط على سكانها وتهجيرهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في العراقيب، ما إن تهدم خيام البدو، حتى يسارع أبناؤها إلى البناء من جديد بوضع الأخشاب وأكياس النايلون. ومع ذلك، يعتقلون من الشرطة الإسرائيلية بذريعة البناء غير المرخص وادعاء "الاستيلاء على أراضي الدولة".
يعلم بدو النقب تماماً أن إسرائيل تنوي ترحيلهم لبناء مستوطنات يهودية جديدة. وحالياً تخطط لإقامة مدن كبيرة لإسكان الجنود الدائمين والاحتياط، ونقل معسكرات الجيش إلى النقب. كما تخطط لجلب 300 ألف يهودي ضمن مشروع تهويد النقب وإحكام الحصار على التجمعات العربية البدوية هناك، لتقليل نسبهم قدر الإمكان.
البدو يحمون الأرض
يقول أحمد الطوري (30 عاماً)، وهو أحد سكان قرية العراقيب، إن "ما تتعرّض له قريتنا يجسّد المشروع الإسرائيلي لاقتلاع العرب وإحلال اليهود. ومقاومتنا ليست إلاّ تعبيراً عن الإرادة الفلسطينية في مواجهة تلك المخططات، التي ستفشل بالتأكيد في إفراغ النقب من الفلسطينيين. وعلى الرغم من تعرضنا لشتى أساليب البطش والقهر، إلاّ أنّهم لم ولن يتمكّنوا منا".
ووفق مركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية (مؤسسة تهتم بحماية الحق في الأرض والسكن)، فإنّ البدو يساعدون بشكل كبير جداً في المحافظة على الأراضي من المصادرة والنهب من خلال وجودهم فيها. فهم يسهمون بشكل أساسي في تثبيت الأراضي على الرغم من الانتهاكات التي يتعرضون لها. كما أنهم يزرعون مساحات واسعة من الأراضي التي توفر الأعلاف والمراعي.