في إطار صراع بارد بين واشنطن وبكين، بدأ في الظهور مع دخول الرئيس الأميركي دونالد ترمب البيت الأبيض قبل ثلاث سنوات، حيث وضع ضمن أولوياته كبح نفوذ البلد الآسيوي وما يصفه بـ"عمليات الاختراق والتجسس الصيني داخل الولايات المتحدة"، أقدمت وزارة الخارجية الأميركية على إعلان قواعد جديدة ستتعامل بموجبها مع وسائل الإعلام الصينية الرسمية التي تعمل داخل الولايات المتحدة على أنّها بعثات دبلوماسية أجنبية، مما سيتيح لها تشديد القواعد التي تحكم عمل هذه المؤسّسات المتهمة من جانب مسؤولين أميركيين بممارسة دعاية لبكين.
وأوضح اثنان من مسؤولي الخارجية الأميركية، في إفادة للصحافيين نُشرت تفاصيلها على الموقع الإلكتروني للوزارة، أن واشنطن أبلغت بكين، الثلاثاء، أن خمس وسائل إعلام صينية رئيسة (شينخوا وCGTN وراديو الصين وتشاينا ديلي وبيبلز ديلي) ستعامل رسمياً كموظفين حكوميين أجانب، بحيث ستخضع لقواعد مماثلة لتلك التي تحكم عمل الدبلوماسيين الأجانب المتمركزين في الولايات المتحدة.
وبموجب الإجراءات الجديدة ستكون المؤسسات الإعلامية الخمس بحاجة إلى موافقة مسبقة من الخارجية الأميركية لشراء أي عقار في الولايات المتحدة، كما باتت ملزمة بتقديم قوائم بجميع الموظفين العاملين لديها، بمن فيهم المواطنون الأميركيون.
عمليات استخباراتية مزعومة
القرار لم يأت بشكل مفاجئ، إذ جرت مناقشته في واشنطن لسنوات قبل تنفيذه بسبب مخاوف من تقييد حرية الصحافة، غير أن المسؤولين الأميركيين شدّدوا على أنّ الإجراءات الجديدة لن تقيّد ممارسة هذه الوسائل عملها الإعلامي داخل الولايات المتحدة، ومع ذلك يأت القرار، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، في وقت تحركت فيه الإدارة الأميركية بنشاط على جبهات متعددة لمواجهة ما يصفه المسؤولون في واشنطن بنفوذ الصين المتنامي وعملياتها الاستخباراتية داخل أميركا.
وخلال الشهر الماضي، أثار مدعون دعاوى ضد عمليات استخبارات صينية مزعومة، والتي تشمل البحث العلمي في جامعة هارفارد واختراق شركة Equifax عام 2017، إحدى أكبر وكالات المراقبة الائتمانية في الولايات المتحدة، كما وجهوا اتهامات إلى هواوي، شركة الاتصالات السلكية واللاسلكية الصينية، واثنتين من الشركات التابعة لها، بالابتزاز والتآمر لسرقة الأسرار التجارية الفيدرالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطة ترمب لمواجهة الخصوم
وطالما دعا منتقدو بكين في واشنطن إلى تحرُك ضد وسائل الإعلام الصينية المملوكة للحكومة، ووصف كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية القيود الجديدة كجزء من استراتيجية إدارة الرئيس ترمب لمواجهة الخصوم من القوة العظمى.
كما أوضح المسؤولون أنّ ما دفع واشنطن إلى هذا الإجراء هو تشديد بكين قبضتها على وسائل الإعلام منذ تولّي الرئيس شي جين بينغ منصبه في 2013، وأشاروا إلى أن وسائل الإعلام التي يشملها القرار "هي جزء من جهاز الدعاية التابع للحزب الحاكم (في الصين) وأنها تتلقى أوامرها مباشرة من رأس الهرم في بكين"، فيما قال أحد المسؤولين "جميعنا يعلم أن هؤلاء الناس كانوا دوماً يخضعون لسيطرة الدولة، لكن هذه السيطرة أصبحت أقوى بمرور الوقت".
هل ترد بكين بالمِثل؟
وحذّر جوناثان تورلي، أستاذ القانون بجامعة جورج واشنطن، من أن يؤدي القرار إلى رد فعل انتقامي من جانب السلطات الصينية ضد الصحافيين الأميركيين، وخصوصاً أولئك الذين ينتمون إلى الحكومة الأميركية، كالصحافيين العاملين في إذاعة صوت أميركا، وهي المخاوف التي ترددت داخل دوائر الأمن القومي، وقال في تعليقات لـ"نيويورك تايمز"، إن "الصين لديها بالفعل عمليات استخبارات طويلة مغلفة بأوراق اعتماد صحافية، لكن الخطر هو أن ترد بالمثل على صحافيينا".
ولم تمض ساعات حتى بدا أن الصين تتجه إلى ردٍ انتقامي من خلال طرد الصحافيين الأميركيين، حيث أعلنت، الأربعاء، أنها سحبت بطاقات عمل ثلاثة ممن يعملون في "وول ستريت جورنال" بسبب افتتاحية نُشرت في وقت سابق هذا الشهر، اعتبرته "عنصرياً"، وأكدت الصحيفة أن نائب مدير المكتب جوش شين والمراسل تشاو دينغ (أميركيان)، وكذلك الصحافي الأسترالي فيليب وين، طُلب منهم مغادرة البلاد في غضون خمسة أيام.
كما نددت بكين بقرار واشنطن تشديد الإجراءات بحق وسائل الإعلام الرسمية الصينية، معتبرة أنه "غير مقبول وغير منطقي"، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية غينغ شوانغ، إن "الولايات المتحدة لطالما نادت بحرية الصحافة، لكنها تتدخل في العمل المعتاد لوسائل الإعلام الصينية في الولايات المتحدة وتعرقله"، مضيفاً "نحتفظ بحق الرد على هذه المسألة".
قانون تسجيل الوكلاء الأجانب
وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها الحكومة الأميركية بعض وسائل الإعلام الصينية بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، الذي يتطلب من كل من يمارسون العمل لحساب حكومات أجنبية تقديم تقارير منتظمة عن أنشطتهم لوزارة العدل الأميركية وهو قانون أُقِر عام 1982، كأداة قانونية تهدف إلى ضمان معاملة عادلة للدبلوماسيين الأميركيين العاملين في بلدان حول العالم والذين غالباً ما يخضعون لقيود حكومية مرهقة.
وفي عام 2017، رداً على تدخل روسيا المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016، أصدرت وزارة العدل الأميركية أمراً بتسجيل شبكة "روسيا اليوم" ووكالة أنباء "سبوتنيك" الروسيتين كعملاء أجانب، لكن سرعان ما ردت موسكو بتصنيف تسع وسائل إعلام أميركية، من بينها إذاعة "صوت أميركا" و"راديو الحرية"، على أنها "عملاء أجانب"، حيث يتعين على هذه الوسائل الإعلامية التي شملتها القائمة تصنيف ما تبثه من محتوى باعتباره نشاطاً يؤديه "عملاء أجانب"، مع الكشف عن مصادر تمويلها.