بعد سماع المواطنة الفلسطينية صباح المدهون خبر إعادة تسيير رحلات العمرة إلى المدينة المنوّرة، في السعودية، تحركت سريعاً لتسجيل اسمها. فهذا الحلم كان يراودها منذ أربع سنوات، لكنها لم تستطع تحقيقه في الفترة الماضية. لم يستطع أبو أمين، الذي توفي قبل عام إثر إصابته بالسرطان، تحقيق هذا الحلم. إذ كان معبر رفح، على الحدود المصرية، الحاجز الوحيد بينه وبين أمنيته في الصلاة في المسجد النبوي. فمنذ خمس سنوات حُرم سكان قطاع غزّة من أداء مناسك العمرة نتيجة عوامل مختلفة.
أسباب توقف الرحلات
الانقطاع عن تسيير رحلات العمرة، كان بسبب الانقسام الفلسطيني، فضلاً عن سوء الأوضاع الأمنية في سيناء، وتعرض المنطقة لعمليات عسكرية من قبل الجيش المصري، وهذا ما أدى إلى إغلاق دائم لمعبر رفح البري، وهو البوابة الوحيدة لسفر المعتمرين. ليس موسم العمرة المتضرر فحسب، بل رحلات الحج أيضاً. ففي عام 2014، مُنع الحجاج من مغادرة غزّة، بعدما تمكن فوج منهم من الخروج عبر المعبر، لكنه أُعيد قبل الصعود إلى الطائرة في مطار العاصمة المصرية، القاهرة، للأسباب نفسها. أخيراً، زارت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، برفقة وفد من جمعية أصحاب شركات الحج والعمرة، مصر لإعادة فتح ملف العمرة، وتسهيل سفر المسجلين عبر المعبر الحدودي.
التكلفة المرتفعة
الجهود الأخيرة، التي بذلتها السفارة الفلسطينية في القاهرة، برفقة وفدَيْ الوزارة والجمعية، أسفرت عن إعادة سماح السلطات المصرية بسفر المعتمرين من القطاع. يقول سليم الأشقر، الوكيل المساعد لشؤون الحج والعمرة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، "في 4 مارس (آذار) المقبل، ستنطلق رحلة العمرة الأولى من غزّة، وتستمر 14 يوماً، وتضم 1064 معتمراً، موزعين على 4 طائرات". ويشير عوض أبو مذكور، رئيس جمعية أصحاب شركات الحج والعمرة، إلى أنه "خُصّص يوم واحد ضمن أيّام العمل في معبر رفح لسفر المعتمرين، على أن يغادر القطاع العدد الإجمالي في اليوم نفسه، على الرغم من أنّ معبر رفح يستوعب 800 مسافر فقط". للمفارقة، يعمل معبر، منذ تولي إدارته وزارة الداخلية التابعة للحكومة الموازية في غزّة، بقدرة تنقل تصل إلى 250 مسافراً يومياً، في حين كان يعمل في الفترة التي تسلمته فيها هيئة المعابر والحدود التابعة للسلطة الفلسطينية بقدرة تفوق 500 مسافر يومياً. وكشف أبو مذكور أنّ تكلفة رحلة العمرة تبلغ 800 دينار أردني (حوالي 1200 دولار أميركي)، وهي تشمل النقل من معبر رفح حتى مطار القاهرة، إلى مطار مدينة جدّة السعودية، بالإضافة إلى جميع رسوم المعابر، وبرنامج إقامة يمتد 14 يوماً. وعن التكلفة، اعترف أبو مذكور صراحة أنّ الأسعار ارتفعت نتيجة ارتفاع ثمن تذكرة الطيران وايجار الفنادق والمواصلات، خصوصاً في الجانب المصري، بعد عولمة الجنيه المصري، ومقارنته بالدولار الأميركي. ويشير أبو مذكور إلى أن الشركات تدفع ما يزيد على 300 دولار ثمن تذكرة النقل الجوي، فضلاً عن وجود مضيفين في الطائرة، ومراسم الاستقبال في مطار جدّة الدولي.
وعند مقارنة هذه التكلفة بتكلفة رحلة أخرى جرت في مارس قبل خمس سنوات، فإنّ المعتمرين دفعوا لمغادرة القطاع 650 ديناراً أردنياً (حوالي 870 دولاراً أميركياً). ووفق أبو مذكور، فإنّ تكلفة رحلة العمرة ستشهد ارتفاعاً طفيفاً في شهر أبريل (نيسان) المقبل، وازدياداً آخر في شهر رمضان، مرجّعاً السبب إلى غلاء أسعار الطيران والسكن في مدينتي مكة والمدينة المنوّرة السعوديتين. ومقارنة بمعتمري الضفة الغربية، فإنّ ثمن الرحلة يبدأ من 150 ديناراً أردنياً (200 دولار أميركي) ويصل إلى 200 دينار أردني (300 دولار أميركي)، لكن أبو مذكور يرجع ذلك إلى أنّ تكلفة النقل البري في الضفة تبلغ 25 ديناراً فحسب، فضلاً عن أن برنامج الإقامة لا يتجاوز سبعة أيام. وعن برنامج رحلة العمرة، أوضح أنّ المعتمر سيقضي 11 يوماً في مدينة مكة، وثلاثة أيام في المدينة المنوّرة، بالإضافة إلى سلسلة رحلات داخلية في السعودية لمزارات ومعالم دينية عديدة.
انخفاض أعداد المسجلين
وبشأن أعداد المسجلين لأداء مناسك العمرة، يقول أبو مذكور إنه "بعد فتح باب التسجيل لدى الشركات المرخصة كان العدد 2500 معتمر، وهو رقم منخفض مقارنة بالعام 2015، الذي سجّل فيه خلال أسبوع واحد 12 ألفاً". ويعود الانخفاض الملحوظ في أعداد المسجلين إلى الحصار على القطاع، وما ترتب عليه من ارتفاع في نسب البطالة ووقف المشاريع الأوروبية، بالإضافة إلى قطع رواتب عدد من الموظفين. وبشأن طريقة السفر عبر معبر رفح، يوضح أبو مذكور أنّ الطريق تحتاج إلى 12 ساعة، يتولى خلالها الجيش المصري تأمين الرحلة، فضلاً عن وجود نقاط أمنية منتشرة طوال الطريق لحماية المعتمرين، بسبب سوء الأوضاع في سيناء. وبيّن أبو مذكور أنّ الخطوط الجوية المصرية تعمل على نقل معتمرين من غزّة، وفق بروتوكول موقع بين السلطة الوطنية ووزارة النقل والمواصلات المصرية، على أن يكون في إشراف الطيران المدني الفلسطيني. ويرى متابعون أنّ عودة رحلات العمرة هي نتيجة التفاهمات الأخيرة بين السلطات المصرية وحركة حماس، عقب انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار في 30 مارس الماضي.