ذات مرّة، في زمن ليس ببعيد، بدا ممكناً التنبؤ إلى حد كبير بمقال كهذا يأتي بعد حفل توزيع جوائز "مسابقة بريت للتسجيلات الصوتية" [مكرّسة لتكريم موسيقى البوب في بريطانيا]، لدرجة أنه يمكنك كتابته قبل ذلك الحدث. واستطراداً، كان روبي ويليامز (أو أمثاله) ليحصد الجوائز ويكون نخب الأمسية، وكذلك كان من شأن فرق كـ"سيمبلي ريد" و"ستيبس" و"وان دايريكشن" وغيرها من المجموعات المحببة الأخرى، أن تبرز في الأمكنة كلها. واستطراداً، كان ذلك الأمر ليشمل بعضاً من لحظات سيمون كاول المُبهجة.
وفي السياق عينه، كان باستطاعة الموسيقى المقلدة والرخيصة المستلهمة من أناس سود (كموسيقى البوب والروك أند رول والسول والهيب هوب) أن تسيطر على الأمسية، لكن... لن يكون هناك وجود، في الغالب، لأصحاب البشرة السوداء.
على العكس من ذلك، تلاشت تماماً في الليلة الماضية القدرة على التنبؤ بنتائج جوائز "مسابقة بريت". لم يكن الأشخاص السود، بالأحرى البريطانيون السود، في الخلفية كالمعتاد، لقد كنا في المقدمة والخلف والوسط. وربما أثلجت الصدور أكثر، مع واقع أن الأمر لم يقتصر على مجرد وجوه لأشخاص سود يغنون ويرقصون، بل [وصل إلى أن يكون] سياسة سوداء. وقدم مغني الراب ديف المثل على ذلك.
من المستطاع القول إن نجم موسيقى الـ"غرايم" الإلكترونية الراقصة قدّم أفضل أداء على الإطلاق في جوائز "بريت". وجسّد ذلك تماماً كل ما يمكن أن نطلبه، بمعنى أنه [قدّم إداءً] شاعرياً وحنوناً وتأملياً وسياسياً وأسودَ بطريقة لا تدعو للأسف قطعاً. لم يكن ذلك طبيعياً في عروض توزيع جوائز التي قد تخطر على بالكم. وحتى في احتفالات توزيع جوائز موسيقى الهيب هوب، كان سيطلب منه أن يؤدي شيئاً أكثر إمتاعاً و"مرحاً". حقيقة أنه مُنح مساحة ليس لمجرد غناء نسخة محدثة من أغنية "بلاك"، لكن أيضاً لتسليط الضوء على القضايا السياسية الخطيرة (مثل حريق "برج غرينفيل"، و"فضيحة ويندراش" السياسية التي وقعت في 2018 وتضمنت احتجازاً تعسفياً لأشخاص [ملونين] وحرمانهم من الحقوق القانونية، إضافة إلى الهجمات الإرهابية التي وقعت على جسر "لندن بريدج"، ووصف رئيس وزراء البلاد بالعنصري، أثناء وقت الذروة على قناة "آي تي في". وبدا ذلك كله كأنه أمر لا يصدق.
على عكس عدد من التكريمات التي وُزعت في السنة الأخيرة وعلى عكس جوائز الـ"غرامي"، لم تكن جوائز "بريت" في معظم الأحيان، تقديراً للتسويق الجيد للموسيقى، بل شكّلت تكريماً للموسيقى الجيدة في حدّ ذاتها. إنها تكريم للفن الجاد الفعلي. ومثلاً، تُكَرِّم جوائز الـ"غرامي" دائماً الأعمال التي تلقى استحساناً أو شعبية (بمعنى أنها تكون الموسيقى التي تحظى بتسويق جيد مدعوم بتمويل جيد) وغالباً ما يجري تجاهل العمل الجيد والمشهود به (من قبل النقاد والزملاء [الفنانين]، والجمهور الفعلي الملتزم بذلك النوع من الموسيقى، على حد سواء). وللسبب نفسه، عندما فاز ديف بجائزة ألبوم السنة عن "سايكودراما"، لم أصدق عيني أو أذني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا أريد الإسهاب في الكلام عن ديف، لكنه ينتسب إلى سلالة في مدرسة الـ"هيب هوب" تشمل مغني الراب الواعين اجتماعياً الذين غالباً ما يظلون غير معروفين ضمن الاتجاه السائد، على غرار ناس وآيس كيوب وتوباك وإمورتال تيكنيك وطالب كويلي وفونتي. إن رؤيته يحصل في التكريم الأعلى للموسيقى من قِبَل الموسيقى البريطانية، يتحدث عن حقيقة أن جوائز الـ"بريت" [حاضراً] باتت ذات صدقية، إضافة لكونه مؤشراً على الجودة أكثر من جوائز الـ"غرامي".
عندما وقف تايلر ذا كرييتر على المسرح، وهو ليس من أكثر الفنانين تسييساً في أفضل الأوقات، قدم أداءً انتقامياً بارداً جديراً [أن يكون جزءاً من المسلسل التلفزيوني] "منزل من ورق" ("هاوس أوف كاردز"). بعد خمس سنوات مرّت بسرعة على حرمانه الحق في دخول المملكة المتحدة من قِبَل تيريزا ماي، إبان عملها وزيرة للداخلية آنذاك، فاز تايلر بجائزة "بريت" لأفضل مغنٍ رجل على مستوى العالم، وأهدى الجائزة لها. وأمام الحشد، نطق بالكلمات التالية، "أريد أن أوجه تحية خاصة لشخص له معزّة في قلبي، [الشخص] الذي جعلني غير قادر على المجيء إلى هذا البلد قبل خمس سنوات... أعرف أنها موجودة في المنزل وغاضبة. شكراً لك، تيريزا ماي". إنّ الدرس الذي يمكن تعلمه من تلك الخطوة يتلخّص في ضرورة التنبّه إلى الأشخاص الذين تغضبهم في طريق صعودك (كي أستخدم لغة تايلر ذا كرييتر) لأنهم قد يتبولون عليك كثيراً في طريق سقوطك.
وعلى نحو مُشابِه، أثناء استلامه جائزة أفضل مغنٍ في فئة الرجال، أورد ستورمزي "كي أكون أفضل مغنٍ رجل، كان لدي أكثر الإناث روعة في فريقي". يجب أن ترن هذه الكلمات في آذان كل مدير تنفيذي أو زعيم في هذه الأمة وخارجها من أصحاب الفكر اليميني. إذ بدت [الكلمات] أكثر إيجازاً وفعالية من كل قضية عن التنوع قد سمعتُ بها (أو انخرطتُ فيها) من قبل، ومعناها أنه إذا أردتَ الفوز وأن يأتي فوزك كبيراً في بريطانيا الحديثة، يجب أن يحيط بك فريق متنوّع.
وعلى عكس ما حصل أثناء حفل توزيع جوائز "بافتا" البريطانية [للأفلام والمسلسلات التلفزيونية]، عندما قرر الممثل خواكين فينيكس [بطل فيلم "الجوكر] التصدي لتصحيح أخطاء العالم، نهض الأشخاص المهمشون (الأشخاص السود بشكل أساسي) في حفل الـ"بريت" كي يتحدثوا عن أنفسهم وغيرهم من الأشخاص المهمشين. وفي المقابل، لكان من المثلج للصدر أن تجري مشاركة عبء التمثيل السياسي مع فنانين من خلفيات تتمتع بامتيازات أكثر، لكن حتى في احتفال متنوع مثل حفل جوائز "بريت 2020"، ظلّت بعض الأمور على حالها.
لقد أصبحت الموسيقى الشعبية البريطانية (والتي لا تنال تسويقاً) في معظمها، سوداء على الجانبين كليهما. وتحمل أيضاً طابع السود سياسياً. لقد كان من المبهج رؤية أن جوائز "بريت" تُكرِّم تلك الموسيقى. ولعلها تستمر في ذلك لفترة طويلة.
نيلز آبي كاتب مقيم في لندن. ويتوافر حالياً كتابه الأول "فكّر مثل رجل أبيض"، الذي يمثّل نقداً ساخراً لكونه شخصاً أسود يعمل في عوالم الشركات المالية.
© The Independent