في الحادي عشر من فبراير (شباط) 2020، تسربت أنباء عن انعقاد لقاء بين رئيس الحكومة الفيدرالية الصومالية محمد عبدالله فرماجو، ورئيس جمهورية صوماليلاند موسى بيحي عبدي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، على هامش مشاركة الرئيس فرماجو في أعمال القمة الأفريقية التي كانت منعقدة حينها.
في حين أتت زيارة بيحي إلى العاصمة الإثيوبية بناءً على دعوة من الرئيس الإثيوبي أبي أحمد. وعلى الرغم من التأكيد اللاحق الذي صرح به وزير الخارجية والتعاون الدولي الصوماليلاندي ياسين حاجي محمد حير-فرتون الأنباء بحدوث اللقاء، فقد تعمدت كلتا الحكومتين عدم الإفصاح عن دواعي اللقاء ومجرياته، مع ذكر مصادر مطّلعة أنّ اللقاء كان مفاجئاً، ولم يتجاوز الساعة ومن دون أن تكون له أجندة محددة.
وتسببت الزيارة في غليان الشارع "الصوماليلاندي"، علماً أن "جمهورية صوماليلاند" المعلنة من طرف واحد، قامت على أراضي المحمية البريطانية في الشمال الصومالي، في الثامن عشر من مايو (أيار) عام 1991، رداً على الجرائم التي ارتكبتها القوات الحكومية على مدى سنتين، أثناء الحكم العسكري للجنرال محمد سياد بري، ما أدّى إلى مطالبة جانب كبير من السكّان، بالرجوع عن الوحدة التي جمعتهم مع المستعمرة الإيطالية، تلك الوحدة التي تحققت في الأول من يوليو (تموز) عام 1960، لذا فإن اللقاء غير المعلن عنه مسبقاً بين رئيس صوماليلاند ورئيس الحكومة الفيدرالية الصومالية، كان مثيراً لريبة الصوماليلانديين تجاه رئيسهم.
وحدث ذلك بعد إعلان شخصيات معارضة عن شكوكهم العميقة تجاه طريقة حدوث اللقاء، وعدم صدور بيان من الحكومة الصوماليلاندية في هرجيسا عن الزيارة قبل حدوثها، وتجنب كل من دار الرئاسة ووزارتي الخارجية والإعلام الإدلاء بأية تصريحات توضح للشعب ما يجري.
محاولة اعتذار أججت الجدل
فاجأ الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو المجتمعات الصومالية، بعيد عودته من أديس أبابا، وأثناء خطابه في اجتماع عقده مع المؤسسة القضائية في مقديشو، بإعلانه بكلمات مقتضبة عن رغبته في تقديم اعتذار للشعب الصومالي، شمال الصومال عمّا عاناه الشعب هناك إبان حكم الرئيس محمد سياد بري، ما أثار جدلاً كبيراً في الأوساط الشعبية في كل من صوماليلاند وبونتلاند، في حين رحّبت به الأوساط في مناطق الجنوب.
واعتبر كثير من المراقبين أن الاعتذار كان غير موفّق البتة، نظراً إلى ارتباك الرئيس الشديد أثناء تقديمه من جهة، والنقد الذي قدمه مراقبون من صوماليلاند، ما اعتبروه "كلاماً خالياً من المعنى"، باعتباره محاولة للتنصل من تركة الجنرال محمد سياد بري، والمسؤولية التي تحملها الحكومة في مقديشو، في التعامل مع مطالب جانب كبير من سكان صوماليلاند، في الحصول على "فك الارتباط" من الوحدة المنتهية على أرض الواقع، ومساواته بين الشعب والحكومة المستبدة، وعجز الحكومة الفيدرالية عن القيام بأية إجراءات قانونية تجرم الأحياء من رجالات ذلك العهد.
تصاعد مؤشرات ضغط إثيوبي
تزايدت التكهنات بوجود تأثير إثيوبي، أنتج اللقاء المفاجئ الذي حدث بين بيحي وفرماجو، وتقديم الأخير اعتذاره للشعب في شمال الصومال، إلّا أن ما تمّ الإعلان عنه عن عزم رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد علي على زيارة هرجيسا برفقة محمد عبدالله فرماجو، بدّد الكثير من الشكوك حول الدور الإثيوبي، في المستجدات المتلاحقة في شبه الجزيرة الصومالية، إذ تجلّى أن رئيس الوزراء الإثيوبي قد ألقى بثقله على الطرفين الصوماليين، في سبيل إخراج الوضع - المتأزم بينهما - من حالة الجمود، ليتمكن – هو- من حصاد المزيد من النقاط، باعتباره عرّاب التصالح والسلام في منطقة القرن الأفريقي، عبر تنشيط الحوار "الصومالي-الصومالي" المتعثر بين هرجيسا ومقديشو".
ويسعى أبي أحمد لاستكمال المشوار الذي بدأه، في تصفير الخلافات في منطقتي القرن الأفريقي والشرق الأفريقي عامة، إلّا أن مساعيه تلك مدفوعة بعدم الاستقرار في الداخل الإثيوبي، ما يجعل محاولاته لتمرير أجندته التي بناء عليها حصل على "جائزة نوبل للسلام" أخيراً، تميل إلى قصر النفس، والرغبة في حصد التقدير على محاولاته عبر التركيز الإعلامي عليها، أكثر من أن كونها هادفة لإنجاز نتائج حقيقية وذات ديمومة على أرض الواقع.
فسياسة أحمد الحالية تبدو قائمة على فرض السلام، كما حدث في زيارته المفاجئة مع حليفه الرئيس الصومالي محمد عبداله فرماجو، إلى كينيا للملمة الخلاف الحدودي البحري بين الصومال وكينيا، من دون تخطيط مسبق أو نتائج فعلية، إضافة إلى السلام الذي أعلن عنه مع الجارة اللدود إريتريا، وإن بقيت الحدود ما زالت مغلقة بين البلدين بعد شهور، نظراً إلى عدم التوصل لأية حلول تزيل جذور الخلافات المعقدة بين الطرفين، ما يعني أن كل الحركة الدبلوماسية الدؤوبة لأبي أحمد، لا تكاد تتجاوز إظهار ذلك القائد الإثيوبي الشاب، كمناضل من أجل السلام.
"صوماليلاند" أمام أبي أحمد في مأزق
تواجه صوماليلاند في الآونة الأخيرة فترة صعبة، على المستوى الاقتصادي، يزيدها تعقيداً تعنت الريس بيحي الذي يحول دون تحديد موعد لانتخابات المجالس البرلمانية والبلدية، ما يضعف شرعية الحكم، ويذكي نار انتقادات القوى الدولية والدول المانحة للحكومة.
ومع تزايد الصعوبات وتراكم الأخطاء منذ تولي الرئيس موسى بيحي عبدي الحكم، تتصاعد حالة عدم الثقة الشعبية بالقيادة في صوماليلاند، وقد أدّت الزيارة إلى حالة من الترقب تجاه ما سيقدمه بيحي من تنازلات أمام أبي أحمد لصالح حليفه فرماجو، من دون يقين بحدود تلك التنازلات ومدى خطورتها على استمرار استقلال الجمهورية غير المعترف بها دولياً، وما قد يؤدي إليه أي قرار متسرع لبيحي من انفجار الأوضاع وتدهورها إلى درجة حدوث صراع مفتوح مسلح ودام بين المتشددين المتمسكين باستمرار "صوماليلاند" حرة ومستقلة.
وفي خضّم تلك الحالة، ظهر تسريب مقطع فيديو لرئيس مجلس الشيوخ في صوماليلاند سليمان محمود آدم-غال، متحدثاً فيه إلى أعضاء المجلس المنعقد لمناقشة أمر الزيارة التي أزمع أبي أحمد القيام بها برفقة فرماجو، ودعوة غال أعضاء المجلس لرفض استقبال فرماجو، بناءً على طلب الرئيس بيحي، في ظل تسريبات تتحدث عن حدوث تصويت في مجلس الوزراء الصوماليلاندي على الموافقة بالإجماع على الزيارة واستقبال فرماجو.
وقد يكون قول رئيس مجلس الشيوخ، بأنّ بيحي حضّه على إقناع مجلس الشيوخ بالتصويت بالرفض لاستقبال فرماجو، على الرغم مما تردد من إجماع مجلس الوزراء على الموافقة، دليلاً على المأزق الذي تعيشه إدارة بيحي في تناول ملف العلاقات الخارجية المتدهور، ليضيق مجال المناورة لديها، أمام عنفوان الضغط الإثيوبي.