وجدت دراسة حديثة أنّ أعداد البشر التي نجت من الثوران البركاني العظيم قبل 74 ألف عام في جزيرة سومطرة الإندونيسية، أكبر مما ساد الاعتقاد به طويلاً. وآنذاك، فاقت قوّة انفجار ذلك البركان [يسمّى "توبا"] بخمسة آلاف مرّة، ثورة بركان "جبل سانت هيلين" (1980) الذي أودى بحياة 57 شخصاً واعتُبِرَ البركان الأشد تدميراً في تاريخ الولايات المتحدة.
وبرزت نظرية تفيد بأنّ ثورة بركان "توبا" في سومطرة بإندونيسيا استُتبعت "بشتاءٍ بركانيّ" استمرّ طيلة عشرة أعوام، وأدّى إلى تبريد حرارة الأرض على مدى ألف عام وأوشك على قيادة صنفنا البشري إلى الانقراض.
بيد أنّ علماء الآثار وجدوا أدوات من صنع الإنسان تعود إلى ما قبل ذلك الثوران البركاني الهائل وبعده، ما دفعهم إلى اقتراح أن ذلك الحدث لم يكن مروّعاً بالقدر الذي اعُتقد في أوقات سابقة.
يُذكر أنّ ثوران "توبا" أدّى إلى هلاك الجزء الأعظم مما احتوته آسيا من الثدييات والفصيلة المُسمّاة "أشباه البشر" الذين يتصلون بشجرة بيولوجية تضم القردة العليا والبشر، لكنهم [= الأشباه] أقرب إلى النوع الأخير. ومن بين الأجناس التي تنتمي إلى تلك الشجرة، لم يبق سوى البشر، بالأحرى الجنس البشري الذي يُشار إليه باسم "الإنسان العاقل" ("هومو سيبيانس") الذي ينتمي إليه كل إنسان في الكرة الأرضية.
واستطراداً، يُعتقد أنّ العدد القليل الناجي من الـ"هومو سيبيانس" استطاع الاستمرار على قيد الحياة في أفريقيا بفضل تطوير استراتيجيات متقدمة في الإجتماع والرموز [على غرار اللغة والأرقام] والاقتصاد، مكّنتهم في نهاية المطاف من التوسّع مجدداً والانتشار في آسيا قبل 60 ألف عام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقترح الدراسة الجديدة التي نُشرت في مجلّة "نايتشر كومونيكايشنز" أنّ "الإنسان العاقل" عاش في آسيا في وقت أكثر تبكيراً ممّا اعتقده العلماء طويلاً. وكذلك درس المتخصصون سجلّات الصخور التي تعود إلى 80 ألف عام في منطقة "دهابا" في "وادي سون" بشمال الهند.
وأشارت الأدوات الحجرية التي اكتُشفت في الصخور بأنّ شعوب العصر الحجري القديم الأوسط (= العصر الباليوليثي القديم) التي تمرست باستخدام الأدوات، وُجدت هناك قبل 74 ألف عام [زمن حدوث الثوران البركاني العظيم] وبعده.
واعتبر الباحثون أنّ ما توصّلوا إليه يعزّز الأدلة التي تأتت من الأحفوريات ودلّت إلى أنّ الإنسان هاجر من القارة الأفريقية وانتشر في أوراسيا [= تضم مناطق واسعة من قارتي آسيا وأوروبا] قبل 60 ألف عام.
وعلى نحوٍ مُشابِه، تدعم تلك الأدلة نفسها نتائج البحوث الجينية التي أظهرت أنّ البشر تزاوجوا مع الأنواع القديمة من البشر أو أشباه البشر كالنوع البدائي المعروف باسم "إنسان النياندرتال".
وفي هذا السياق، ذكر مؤلّف الدراسة الرئيسي كريس كلاركوسون من "جامعة كوينزلاند" أنّ "الشعوب في "دهابا" استخدمت أدوات حجرية تشبه إلى حدّ كبير تلك التي استخدمها "الإنسان العاقل" في أفريقيا أثناء تلك الحقبة نفسها. وأضاف، "يشير واقع عدم اختفاء هذه المجموعة من الأدوات تزامناً مع الثوران العظيم لبركان "توبا"، وكذلك عدم تبدّلها بشكلٍ جذري بعد ذلك، إلى أنّ الشعوب البشرية نجت من تلك الكارثة واستمرّت في ابتكار الأدوات للتأقلم مع محيطها".
في سياق متصل، اعتبر جاغاناث بال، كبير المحققين في "جامعة الله آباد" في الهند، أنّه "على الرغم من أنّه جرى تحديد بقايا رماد من بركان "توبا" للمرّة الأولى في "وادي سون" في ثمانينيات القرن العشرين، فإننا لم نعثر حتى اليوم على أدلة آثارية متعلقة بذلك البركان. وتالياً، يتبيّن أنّ [المعطيات الآثارية في موقع] "دهابا" من شأنها أن تقدم معطيات عن فجوة زمنية كبرى في تاريخنا."
( تقارير إضافية من "برس أسوسييشن")
© The Independent