بات واضحاً تزايد اهتمام ألمانيا بالقارة الأفريقية، خصوصاً في جانبها الاقتصادي، وذلك للاستفادة من مواردها الطبيعية وفرصها الاستثمارية. وآخر مظاهر هذا التوجه، جولة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي يصل، الخميس 27 فبراير (شباط)، إلى السودان ليكون الرئيس الأوروبي الأول الذي يزور الخرطوم منذ نجاح الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، علماً أنّ شتاينماير آتٍ من كينيا التي زارها الأحد 23 فبراير، لمدة خمسة أيام.
أما الزيارة السابقة لرئيس ألماني إلى السودان، فكانت قبل 35 عاماً، لريتشارد فون فايتسكر.
موطئ قدم
لكن، ما سرّ اهتمام ألمانيا في القارة الأفريقية، خصوصاً السودان؟
يجيب الاقتصادي عبد المنعم الحاج، في حديث مع "اندبندنت عربية"، "القارة الأفريقية مستقبل الاقتصاد العالمي، وتُعدُّ أغنى تجمعاً للموارد الطبيعية مثل النفط والنحاس والماس والبوكسيت والليثيوم والذهب وغابات الأخشاب الصلبة والفواكه الاستوائية، وتشير التقديرات إلى أنّ 30 في المئة من الموارد المعدنية المستخرجة من الأرض موجودة في القارة الأفريقية، و12 في المئة من النفط المنتج في العالم يأتي من أفريقيا، فضلاً عن امتلاكها أكبر احتياطات للمعادن الثمينة في العالم، إضافةً إلى أنّ ثلثي مجموع الأراضي الزراعية غير المستغلة في العالم في أفريقيا".
يتابع الحاج أن الاحتياطات من الثروات الطبيعية تسهم بشكل كبير في دعم اقتصادات البلدان الأفريقية، وتعزّز فرص النمو ودعم مؤشرات التنمية في القارة الصاعدة، ما يجعل عدداً كبيراً من دول العالم ومن بينها ألمانيا تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع دول هذه القارة، والبحث عن موطئ قدم لها والاستفادة من مواردها المتعددة، باعتبارها وجهة جديدة ومجدية للمستثمرين، بل باتت الساحة الجديدة للتنافس والصراع بين القوى الدولية.
تطور إيجابي
ويلتقي الرئيس الألماني والوفد المرافق الذي يضمّ 70 مسؤولاً ومستثمراً ألمانياً خلال زيارته الرسمية، رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لبحث التطورات الراهنة ولمتابعة زيارات رفيعة المستوى لمسؤولي البلدين وكذلك لإعلان شراكات استراتيجية اقتصادية بين الخرطوم وبرلين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويذكّر مدير الإدارة الأوروبية في وزارة الخارجية السودانية السفير محمد الغزالي بزيارة حمدوك إلى برلين منتصف فبراير الحالي، التي التقى خلالها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وعدداً من البرلمانيين، وتُوّجت بإصدار قرار من البرلمان الألماني يقضي باستئناف المساعدات التنموية للسودان، التي توقفت منذ عام 1989، ما يُعتبر أكبر تطور في علاقات البلدين.
ويرجع الغزالي إلى بداية العلاقات بين السودان وألمانيا، أيام السلطان علي دينار، الذي أعلن دعم الدولة الأوروبية في الحرب العالمية الأولى، وكانت العلاقات الثقافية بين البلدين قد سبقت ذلك بكثير، حين أوفد الملك فريدريش وليام الرابع بعثة أثرية إلى وادي النيل بقيادة ريتشارد ليبسوس الذي تمكّن ما بين 1842- 1845 من تخطيط ورسم معظم المواقع الأثرية في السودان، ومثّلت الخطوة بداية للعلاقات بين الدولتين. أما العلاقات الدبلوماسية، فقد نشأت عقب استقلال السودان عام 1956، إذ إنّ ألمانيا رابع دولة اعترفت باستقلاله واعتُبرت شريكاً مهمّاً للخرطوم في أواخر الثمانينيات.
توقف المعونات
ووفق الغزالي، فإن الطابع الاقتصادي هو السمة الغالبة على العلاقات بين الخرطوم وبرلين منذ عام 1958، إذ تلقّى السودان في ذلك الوقت مساعدات اقتصادية وفنية من ألمانيا الاتحادية. وفي فترة الستينيات، قدمت الدولة الأوروبية الدعم لتلفزيون السودان، وأنشأت مصانع للسكر ومحطات للكهرباء وشبكات للطرق ومراكز للتدريب المهني. إضافةً إلى ذلك، فقد أقامت ألمانيا عدداً كبيراً من المؤسسات الثقافية والتعليمية في الخرطوم، وتميزت العلاقات السودانية - الألمانية بالطابع الاقتصادي. إلاّ أنّ العلاقات السياسية بين البلدين شابها التوتر في بعض الأحيان، فتوقفت المعونات والمنح، خصوصاً خلال فترة النظام السابق، إذ فرضت ألمانيا شروطاً عدّة لاستمرار دعمها وتعاونها مع الدول في المجال الاقتصادي والفني، منها ما يتعلّق بحقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح.
على الرغم من ذلك وفي مؤشر دلّ على قوة العلاقات الاقتصادية بين الخرطوم وبرلين، تنشط شركات ألمانية في تنفيذ مشاريع اقتصادية عملاقة في السودان، خصوصاً مشاريع البني التحتية مثل مدّ خطوط السكك الحديد وإنشاء محطات توليد الطاقة. وفي هذا الصدد، يقول الغزالي إن "الوجود الألماني مهمّ جداً للسودان، خصوصاً أن الشركات الألمانية معروفة بمستواها الجيد، ولا سيما في مجال التكنولوجيا".
في الأثناء، تترقب الحكومة السودانية جهود مجموعة أصدقاء السودان التي أسستها ألمانيا بهدف دعم العملية السياسية في البلاد.
ولا يُنسى في السودان، دور برلين في جهود السلام، فألمانيا أسهمت في تقريب وجهات النظر، بخاصة في أزمة دارفور، ما يرشّحها للعب دور في مفاوضات السلام.