تحولت الهدنة العسكرية في ليبيا إلى حبر على ورق، بعدما تواصلت الاشتباكات المسلحة جنوب العاصمة طرابلس في وتيرة متصاعدة بشكل ملحوظ، فاتحة الباب للعديد من الأسئلة بشأن مصير ما أتفق بشأنه في مؤتمري موسكو وبرلين.
معيتيقة تحت القصف
وتركز التصعيد يوم الجمعة وقبله الخميس، في تكثيف قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر قصفها على مطار معيتيقة، الذي تقول إنه "بات قاعدة لاستجلاب المرتزقة والأسلحة إلى ليبيا لدعم قوات حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج".
وكان القصف، الذي شنه الجيش الجمعة، هو الأعنف على المطار منذ بداية العملية العسكرية على طرابلس في أبريل (نيسان) الماضي، إذ قال وكيل وزارة المواصلات بحكومة الوفاق هشام بوشكيوات في تصريح تلفزيوني إن "مطار معيتيقة ومحيطه قصفا بأكثر من 50 قذيفة الجمعة".
وأضاف بوشكيوات أن "حركة الرحلات في مطار معيتيقة لم تعد بشكل كلي بعد"، موضحاً أنهم "سيّروا رحلات لإعادة العالقين في الخارج".
جاء ذلك عقب تعليق حركة الملاحة الجوية بعد اندلاع حرائق في أجزاء من المطار، جراء سقوط قذائف بشكل مكثف، ما أدى إلى تحويل الرحلات إلى مطار مصراتة.
وقال الناطق باسم عملية "بركان الغضب" عبد المالك المدني من جهته، إن قوات "الوفاق" ردت على القصف "وعاقبت الغزاة على قصف الآمنين باستهداف أكثر من 11 نقطة عسكرية مهمة لقوات الجيش"، مدعياً أن "مستشفى ترهونة ملئ بالقتلى والجرحى من الجيش".
وحمّل الصحافي الليبي بدر الرابحي حكومة الوفاق مسؤولية القصف الذي يتعرض له مطار معيتيقة بشكل يومي، متسائلاً "لماذا الإصرار على استخدام قاعدة معيتيقة لأغراض عسكرية وتعريض المواطنين للخطر؟".
وقف تدفق المقاتلين الأجانب
ويهدف الجيش الليبي من تركيز قصفه على مطار معيتيقة إلى منع تدفق المقاتلين الأجانب، الذي لم يعد خافياً أنه يتم عبر هذا المطار الوحيد العامل في العاصمة، بعد توقف المطار الرئيس في المدينة وهو مطار طرابلس الدولي عن العمل منذ سنوات، بعد تدميره في حرب فجر ليبيا التي نشبت في إطار صراع بين ميليشيات متناحرة بالعاصمة عام 2013.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الرئيس التركي رجب أردوغان، قد اعترف في الأسبوع الماضي بإرسال المسلحين السوريين إلى ليبيا.
وحذر الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري قبل أيام من "تحول مطار معيتيقة إلى قاعدة عسكرية مسيطر عليها بالكامل من قبل تركيا"، وذلك بعد تشكيل غرف عمليات عسكرية متنوعة الأغراض، يديرها ضباط أتراك تتقدمها غرفة عمليات لتوجيه الطائرات الحربية المسيرة.
كما أشار المسماري في تصريح منفصل قبل يومين إلى "رصد 4800 من المقاتلين الذين نقلتهم تركيا إلى طرابلس"، مؤكداً أن "هذا العدد في تزايد مستمر"، محذراً من أن "سقوط ليبيا في يد أردوغان وتركيا يهدّد أمن المنطقة والمجتمع الدولي".
تغيير نوع الهجوم
وحول السبب في تغير نوع الهجمات التي تشنها قوات الجيش الليبي على مطار معيتيقة من الهجمات الجوية إلى القصف المدفعي الموجه، كما بات ملحوظاً في الأيام الماضية، يفسر الصحافي الليبي معتز الفيتوري هذا التغيير قائلاً لـ "اندبندنت عربية"، إن ذلك "يرجع إلى المعلومات الاستخباراتية المدعمة بصور شاهدها الجميع في ليبيا لمنظومات دفاع جوي متطورة، قامت تركيا بتركيبها في مطار معيتيقة".
وأضاف الفيتوري "بات التحليق فوق معيتيقة خطراً على طائرات الجيش بعد تركيب هذه المنظومات، فلجأ إلى تكتيك جديد يعتمد على القصف المدفعي الموجه، الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى تدمير البنية التحتية التي أنشأها الجيش التركي لإدارة عملياته العسكرية ضد الجيش".
ويهدف القصف، وفق تصريحات لقادة الجيش الليبي، إلى إيقاف استخدام المطار منصة لإطلاق الطائرات المسيرة التركية، لضرب أهداف تابعة لقوات الجيش في محيط طرابلس.
وأكد آمر غرفة عمليات المنطقة الغربية اللواء المبروك الغزوي، أن "وحدات القوات المسلحة العربية الليبية تمكنت من إسقاط ست طائرات تركية مسيرة في طرابلس في يوم واحد"، بينما ذكرت مصادر ليبية صحافية متطابقة، أن الطائرات التي تم إسقاطها هي أربع.
ويرجح الباحث والأكاديمي الليبي جمال الشطشاط في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن تقل هجمات الطائرات المسيرة في سماء العاصمة في الأيام المقبلة، قائلاً "من الواضح أن الجيش حصل على مضادات أرضية جديدة ومتخصصة في استهداف هذا النوع من الطائرات، والدليل عدد الطائرات التي أسقطت في يومين فقط، حتى أن المسألة تحولت إلى طرفة يتندر بها الليبيون على مواقع التواصل".
وأضاف "هذه الطائرات شكلت أرقاً للجيش في الأشهر الماضية وإخراجها من المعارك نقطة جديدة تحسب لصالحه".
لا نية للتراجع
ولا يبدو أن لدى الجيش نية للتراجع عن مواصلة هجماته على مواقع تمركز القوات التركية والمسلحين السوريين الذين جلبتهم إلى طرابلس، حيث قال القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر في تصريحات جديدة الجمعة، إن "أي بلد يخطط لاحتلال أرضنا تحت أي ذريعة هو عدو سنقاتله بكل طاقاتنا".
وأضاف في كلمة له خلال استقباله وفداً من مشائخ قبائل ليبية في مقره ببنغازي أنه "منذ بداية الأزمة، كان من الواضح أن تركيا لا تريد أن تستقر ليبيا".