تسابق السلطات الجزائرية الزمن من أجل تحديد موعد للقمة العربية في دورتها العادية خلال أسابيع، في سياق مؤشرات عن رغبة قوية في "العودة إلى الساحة العربية"، حيث استقبلت السبت الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وتعمل على جعل القمة العادية التي ستحتضنها لرابع مرة في تاريخها محطة لحلحلة الملف الليبي وعودة سوريا إلى الجامعة العربية.
وقبل وصول أبو الغيط إلى الجزائر، أشار الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي، بأنه سيلتقي خلال الزيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ووزير الخارجية صبري بوقادوم لمناقشة عدد من الملفات الإقليمية الهامة في المنطقة العربية، وفي مقدمها الوضع في ليبيا وسوريا وآخر تطورات القضية الفلسطينية.
وأوضح أن المباحثات ستتطرق إلى موعد القمة المقبلة، إضافة إلى بحث عدد من الموضوعات المطروحة على جدول أعمال المجلس الوزاري المقبل للجامعة العربية في 4 مارس (آذار) المقبل.
ومنذ انضمامها إلى جامعة الدول العربية في أغسطس (آب) 1962، بعد شهر من استقلالها، احتضنت الجزائر ثلاث قمم عربية، بينها واحدة طارئة. وعقدت الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 1973، في عهد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، حيث كانت القمة السادسة في تاريخ الجامعة العربية، وشهدت انضمام موريتانيا إلى مجلسها.
كما احتضنت الجزائر مؤتمر القمة الخامسة في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد في يونيو (حزيران) 1988. أما آخر قمة عربية استضافتها الجزائر، فكانت في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في مارس 2005، وشهدت مشاركة عدد كبير من قادة الدول العربية، بينهم الملك المغربي محمد السادس.
دبلوماسية جديدة
تحاول الجزائر من خلال طلب عقد القمة العربية على أراضيها، الجهر بنواياها "العودة إلى الساحة العربية" من أوسع الأبواب. ويقول الصحافي جلال بوعاتي لـ"اندبندنت عربية"، إن "الجزائر ترسم هذا المنحى في علاقاتها الدولية بشكل واضح وهي بذلك تبعث برسائل عن تمسكها بعمقها العربي"، مضيفاً أنها "كانت شبه منقطعة عن الفضاء العربي تبعاً لانسحاب الرئيس الجزائري السابق وغيابه عن القمم العربية الأخيرة مع تمثيله في العادة برئيس مجلس الأمة السابق عبد القادر بن صالح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد بوعاتي أن "أقصى ما ترغب به الجزائر من استضافة القمة العربية إعلان عودتها إلى هذا الفضاء الإقليمي"، حيث أنها "تستفيد من مناخ سياسي جديد بعد انتخاب تبون، ومن حالة ترحيب عربية واضحة بالمقابل".
وعاد الرئيس الجزائري السبت إلى بلاده بعد إنهاء أول زيارة خارجية أداها إلى السعودية. وبمجرد عودته، أعلن وزير التجارة الجزائري كمال رزيق عن فتح ورشات اقتصادية كبيرة مع الرياض، لافتاً إلى شراكة كبيرة مع شركة "المراعي" في القريب العاجل.
وليست السعودية وحدها التي تحاول الجزائر استقطاب استثمارات من خلالها، فعقب القمة العربية المقبلة ستستضيف الجزائر منتديين اقتصاديين موسعين، الأول مع السعودية في 7 أبريل والثاني مع الإمارات العربية المتحدة في 14 من الشهر نفسه.
عودة سوريا
يراهن تبون على دعم عربي من أجل رفع التجميد عن عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، انطلاقاً من القمة التي ستحتضنها بلاده. فهو أعلن عن رغبته هذه في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" قبل أسبوع، تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى للحراك الشعبي في البلاد الذي انطلق في 22 فبراير (شباط) 2019.
وقال تبون "الجزائر وفية لمبادئها الدبلوماسية، ولا نقبل أن يُمس أي شعب عربي أو دولة عربية بسوء، وسوريا من الدول المؤسسة للجامعة العربية وهذا ما نعمل عليه في الواقع".
وأوضح أن "من يشتري ويبيع في قضية سوريا وحتى فلسطين لا يحق له ذلك لأن الأمر يتعلق بشيء لا يملك". كما كان وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم قد قال، قبل أيام، إن موقف بلاده تجاه سوريا "مبدئي" و"واضح" و"حاسم"، مذكراً بأن الجزائر "سبق أن اعتبرت تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية خسارة لكل الدول العربية".
لكن الباحث محي الدين شيتور، المقرر السابق للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، يقول في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إنه لا يتصور أن يكون الملف السوري أبرز "أجندة" في قمة الجزائر. وفي رأيه، فإن جهود "اللحظات الأخيرة" التي بذلتها الجزائر لدى استضافتها أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الثلاثاء الماضي، ثم سفر تبون إلى السعودية تلمح إلى "مستجد ما في الملف الليبي تزامناً مع هدنة ملحوظة في مواقف عواصم عربية مؤثرة، كما هي الحال بالنسبة إلى خطاب طرفي النزاع نفسه".
ووفق تحليل شيتور، يأتي الملف الجزائري - المغربي في درجة أقل ضمن توقعات القمة المقبلة، إذ "لا شيء يوحي بوجود مستجدات في علاقات الجزائر والمغرب، لا على مستوى الخطاب ولا على مستوى التعاون الثنائي". وأضاف "أتصور ألا يشارك الملك المغربي محمد السادس في القمة التي تحتضنها الجزائر، على الرغم من أنه فعلها سابقاً عام 2005، حينما احتضنت الجزائر قمة عربية أعقبتها حلحلة شيء من خلاف الجزائر بالرباط، كما تبادلا إلغاء التأشيرة عن رعايا بلديهما".
ويشير شيتور إلى أن "شحناً إعلامياً عاد للتصاعد بين الجزائر والرباط. فقد أغضب تعيين الجنرال المتقاعد عبد العزيز مجاهد مستشاراً أمنياً وعسكرياً للرئيس تبون دوائر القرار في الرباط واعتبرته إمعاناً في إظهار رسائل معادية". ويوضح أن "الحديث عن تقارب جزائري - مغربي في القمة المقبلة أو حتى في الأشهر المقبلة ضرب من الخيال. فالبلدان لم يسعيا إلى أي خطوات تمهد لهذا التقارب على الأقل منذ مطلع العام الحالي".