تواجه الأجيال الصومالية الجديدة تناقضات مقلقة، لدى الحديث عن الهوية الصومالية. ومع غياب معادلة بسيطة ومباشرة، يمكن من خلالها شرح هوية الصوماليين وماهيتهم، إضافة إلى غياب الدولة على مدى ثلاثة عقود، ليمحو ذلك الغياب بقايا الأثر البسيط، الذي تركته أول دولة جامعة لحملة الهوية الصومالية، منذ ظهور الصوماليين على أرضهم منذ عشرات القرون، لذا يبقى تساؤل "من نحن" سؤالاً قابعاً في العقل الباطن لدى الفئات الشابة، خالقاً ذلك ضغطاً نفسياً هائلاً عليها، ومعرضاً إياها إلى الاستلاب والتبعية الثقافيين أحياناً، والميل إلى العدوانية والتطرف في أحيان أخرى.
ومع استمرار الجدل حول أصول الصوماليين وهويتهم، في ظل انعدام وسائل إعلام ترقى إلى مستوى أزمة الهوية الحاصلة، تستمر مواجهة الصوماليين محاولات من أطراف خارجية، لرسم هوية ما لهم، تخدم أجندات فكرية وسياسية معينة، لطالما رأى الصوماليون أنها محاولات لاستغلالهم وامتهان كرامتهم والاستخفاف بهم!
من هم الصوماليون؟
كتلة بشرية متجانسة تعيش في أرض متصلة في أقصى شرق أفريقيا، تبلغ مساحة بلادهم مليون كيلومتر مربع عبر الحدود، في كل من جمهورية الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا، ولهم جاليات قديمة اندمجت مع السكّان، في كل من سلطنة عمان واليمن والحجاز والسودان ومصر.
ويشمل وصف الصوماليين جماعات عدة تعايشت وتصاهرت لفترة زمنية طويلة، كالقبائل الصومالية البدوية التي تضم حلفاء من قبائل عربية وعشائر هندية الأصل، وسكّان المدن الساحلية الناطقين بالسواحيلية في الجنوب، ذوي الأصول العربية والفارسية والهندية والتركية والبرتغالية، ويدين الصوماليون بالإسلام على مدرسة الإمام الشافعي، ولهم لغة خاصة هي الصومالية بفرعين رئيسيين، أولهما فرع محاي ويشمل معظم القبائل البدوية، وفرع ماي ويتركز في منطقة نهري جوبا وشبيلي والساحل المقابل لمصابّ النهرين. ويشير بعض العلماء، إلى أن اللغة الصومالية أخذت شكلها الحالي، في الفترة حول القرن الأول للميلاد.
الصوماليون جينياً
المكون الجيني الرئيسي لدى القومية الصومالية، يلقي ضوءاً على أصول الناس وأماكن نشأتهم وطرق هجراتهم وتأثير ذلك على معتقداتهم وأساليب حياتهم. ويؤكد الأستاذ عبدالله شيخ عبدالقادر، المدير التنفيذي لمركز هرجيسا للدراسات والبحوث، على ذلك بقوله، "من الملاحظ أن الصوماليين ينتمون إلى سلف جيني أبوي أطلق عليه العلماء "E1b1b"، ولا يزال مختلفاً على موضع نشأته، مع ترجيح القول بنشأته في منطقة القرن الأفريقي، على مقولة نشأته في منطقة بلاد الشام التي كانت يعززها العثور على ذلك المورث الأبوي لرفات بشرية تعود الثقافة الزراعية الأولى في فلسطين "الثقافة النطوفية"، منتمية إلى هذه المجموعة الجينية ذات السلف/الأب الواحد".
وتمتد الرقعة الجغرافية التي حمل جانب كبير من سكّانها ذلك المورث الأبوي من غرب أفريقيا الجنوبية، وصولاً إلى وسط أوروبا وبلوشستان، مروراً بالجزيرة العربية وبلاد الشام وآسيا الصغرى وشبه الجزيرة الآيبيرية وإيطاليا. إلّا أنّ حملة ذلك المورث الذكري "الأبوي" يمثلون أكثر من ثلث السكان في مصر والسودان واليونان وألبانيا وكوسوفو، ويصلون إلى أكثر من ثلاثة أرباع السكان، في مناطق واسعة من القرن الأفريقي، في حين يقتربون من 90 في المئة من أبناء القومية الصومالية.
الإسلام والهوية الصومالية
مع انتشار الإسلام في بلاد الصومال، وبروز الحاجة إلى تعلم اللغة العربية، ظهرت مدارس متنقلة تعتمد منذ القرن الحادي عشر "منهجاً لتعليم العربية خاصاً بالصوماليين"، فأصبحت العربية هي اللغة المعتمدة في السواحل الصومالية من دون استثناء، وغدا طبيعياً استبدال مصطلحات دينية قديمة بأخرى عربية، كما أن تسميات الأدوات والمواد القادمة بالتجارة إلى البلاد، أخذت تميل أكثر إلى الاحتفاظ باسمها العربي مع تصرّف بسيط.
ويشير الباحث في شأن الهوية الصومالية محمد عبدالكريم مختار إلى أنه "مع اتساع تجارة الصوماليين وصولاً إلى الصين في عهد القائد الصيني الحاج محمود شمس الدين (Zheng He بحار صيني مسلم) ، غدا أن لا مناص للتجار الصوماليين من توثيق صلاتهم بنظرائهم العرب، وقد أدى انتماء الصوماليين للإسلام، إلى تمييزهم أنفسهم عن قوميات وقبائل أفريقية غير مسلمة، كانت لا تتحرج عن استرقاق بعضها بعضاً، وبيع الفائض لتجار المحيط الهندي، مما أبقى الساحل والداخل الصوماليين، معزولين عن تجارة الرقيق".
تلك التجارة التي تجاوزت القبول بالمعروض من الرقيق، بتحولها إلى حروب أقرب ما تكون للإبادة شنها آسيويون وأوروبيون في القرون السادسة والسابعة والثامنة عشرة.
العروبة والهوية الصومالية
في المقابل، عززت النجدات المتبادلة بين الصوماليين وعرب جنوب الجزيرة العربية، من حالة التحالف الطبيعي بين العنصرين الشقيقين. ويؤكد الباحث محمد أحمد علي على تلك المسألة قائلًاً، "إن التصوّف الذي ساهم في تثبيت الإسلام، ونشر علومه بين الصوماليين، وتركيزه على حب النبي – صلى الله عليه وسلم – وآل بيته، أدّى إلى التفاف القبائل حول الدعاة والشيوخ العرب، الذين كانوا ينتسبون في غالبهم إلى آل البيت، وهو ما يعزز احتمال انتقال الصوماليين من مرحلة الانتساب الروحي للشيخ العربي، إلى مرحلة الأخذ بالنسب الدموي المباشر، إلّا أن ظهور نتائج الفحص الجيني لقبائل عربية كبيرة في شبه الجزيرة العربية ووادي النيل، وأخرى كذلك تنتسب لآل البيت، مشتركة مع الصوماليين في الأصل الجيني، يثير علامات استفهام حول صحة الشكوك، بانتساب قطاع كبير من الصوماليين إلى العرب دموياً"!
ومع خروج الاستعمار، عانى الصوماليون من عزلة شديدة، نظراً إلى تقسيم بلادهم على يد قوى الاحتلال الأوروبي، الذي ورّطهم في صراع مع الكيانات السياسية المجاورة، ومع تلاقي الموقف الشعبي الصومالي المتظلّم من الاحتلال، ومواقف الأنظمة الجمهورية العربية، فقد كان تطوّراً طبيعياً دخول الصوماليين في معادلة "الأمن العربي"، من باب حصولهم على دعم عربي في مواجهة الجيران "إثيوبيا وكينيا وفرنسا في جيبوتي"، وضمان عدم تعرّض حوض النيل والبحر الأحمر إلى هيمنة طرف متحالف مع الكيان الصهيوني، ودعم الحركات الشعبية داخل إريتريا وجيبوتي ضد كل من مملكة الحبشة إثيوبيا وفرنسا.
أزمة الهوية مشكلة حقيقية
تعاني الأجيال الصومالية الحالية، من أزمة هوية حادة، أخذت أشكالاً كثيرة، في داخل البلاد وخارجها. وتقول الناشطة الحقوقية الدكتورة هبة شوكري، "إن من مظاهر أزمة الهوية في داخل البلاد الانكفاء نحو الانتماء القبلي، بدلاً من الانتماء الثقافي والقومي الجامع، ما يجعل الفئات الشابة وقوداً متوافراً للصراعات القبلية والسياسية والتطرف، في حين أن الصوماليين في الخارج من ذات الفئات العمرية تلك، يعيشون حالة من تراجع الاهتمام باللغة الأم، وازدراء التقاليد والأزياء القومية، والتأثر العميق بالصورة النمطية السلبية التي تنقلها وسائل الإعلام الأجنبية عن البلاد، وهو ما قاد كثيرين منهم إلى الذوبان في المجتمعات الأجنبية التي يعيشون بينها، من دون أن يجدوا تقبلاً من تلك المجتمعات لهم"، ما يجعل تلك الفئات الشابة من الصوماليين في حالة من الصراع النفسي اليومي، بين تراثهم الذي تركوه، ومجتمعات تراهم غرباء عنها، وتتعامل معهم على ذلك الأساس.