Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة النازحين السوريين: سجال لبنانيّ في طريق مسدود

يتقدم السجال حالياً طرفان هما "التيار الوطني الحرّ" ومن ورائه "حزب الله" و"حركة أمل"، والقوى الصديقة للنظام السوري، يقابلهم حزب "القوات اللبنانية" ومن ورائه تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب وما بقي من جماعة "١٤ آذار".

ما أعيد تأكيده ضمنياً في القمة العربية - الأوروبية في شرم الشيخ أن الأولوية لدى أوروبا هي تجنّب استقبال اللاجئين والتبرّع بما يمكن لإبقائهم في الدول المضيفة (دالاتي ونهرا)

اللبنانيون مختلفون من ضمن الإجماع على أمرين: أولهما الواجب الإنساني والأخوي حيال النازحين السوريين إلى لبنان، وثانيهما ضرورة السعي بكل السبل الممكنة إلى عودة هؤلاء إلى ديارهم بعد سبع سنوات من أعباء النزوح الثقيلة على لبنان باقتصاده المأزوم ومجتمعه الهشّ وأمنه الدقيق وبناه التحتية المتقادمة، كما على النازحين والمنظمات التي تقدم المساعدات لهم.

في البدء كان خلاف بين مَن يطالب بوضع قيود وضوابط على تدفّق النازحين لتحديد أعدادهم بشكل يجعل الوطن الصغير قادراً على تحمل الأعباء، وبين مَن يدرك صعوبة ضبط الأمور عبر الحدود بين البلدين ويتصور أن النزوح مسألة موقتة. وكانت أحزاب وقوى اقترحت أيضاً إقامة مخيمات قريبة من الحدود لوضع النازحين فيها كما فعل الأردن، وقوى أخرى رفضت فكرة المخيمات خوفاً من تكرار تجربة المخيمات الفلسطينية ومعها كوابيس "التوطين"، على الرغم من نصّ الدستور على رفضه.

في المحصلة، ما حدث هو انتشار مليون ونصف مليون نازح في كل مناطق لبنان، أي ثلث اللبنانيين. وهم على ثلاثة أنواع من النزوح: الهرب من القصف والدمار والتهجير في الحرب. الهرب من القمع والتجنيد الإجباري للشباب. والنزوح بحثاً عن فرصة عمل، وهو من الأمور المألوفة في لبنان قبل حرب سوريا وحتى خلال حرب لبنان، إذ كان هناك دائماً مئات آلاف السوريين العاملين في قطاعَي الزراعة والبناء بشكل خاص. يُضاف إلى هؤلاء ولادة عشرات آلاف الأطفال للنازحين، إلى حدّ التخوّف من أن لبنان سيشهد جيلاً جديداً من السوريين لا يعرف سوريا. فمَن جاء وهو في العاشرة من عمره أصبح اليوم شاباً، ومَن جاء في الخامسة بات مراهقاً، ومَن ولِد هنا أمامه وقت ليكبر.

ويدور اليوم سجالٌ حادّ بين أطراف في السلطة حول الطريق إلى عودة اللاجئين الذين اخترنا أن نسميهم نازحين هرباً من واجبات "الرعاية والحماية" المفروضة وفق القانون الدولي على الدول حيال مَن تَقبل لجوءهم إليها. ولم يكن ذلك سوى تجاهلٍ للواقع، لأن أكثرَ من مليون نازحٍ تسجلوا في سجلات الأمم المتحدة التي تقدم لهم منظماتها المساعدات، وهم بالتالي لاجئون بالنسبة إلى القانون الدولي. أما المعركة اللفظية التي خاضها لبنان مع المجتمع الدولي، فإنها الإصرار على تعبير "العودة الآمنة" بدل ما تسميه الأمم المتحدة "العودة الطوعية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطرح الرئيس اللبناني ميشال عون منذ البدء، في العواصم التي زارها ومع كل الشخصيات التي استقبلها في القصر الجمهوري، نظرية العودة من دون انتظار التسوية السياسية في سوريا. وحجته إلى جانب تفاقم الأحمال الثقيلة على لبنان، هي أن الحرب توقّفت معاركها الكبيرة وباتت مناطق عدة آمنة في سوريا. ويتقدم السجال حالياً طرفان هما "التيار الوطني الحرّ" (حزب رئيس الجمهورية) ومن ورائه "حزب الله" و"حركة أمل"، والقوى الصديقة للنظام السوري أي جماعة "٨ آذار"، يقابلهم حزب "القوات اللبنانية" ومن ورائه تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب وما بقي من جماعة "١٤ آذار".

منطق الفريق الأول هو الحاجة إلى التنسيق السياسي، لا الأمني فقط، مع دمشق لضمان عودة النازحين. ومنطق الفريق الثاني هو أن لبنان لم يسحب سفيره من سوريا، لكن الانفتاح السياسي عليها هو قرار عربي يتقيّد به لبنان، وأن عودة النازحين تحتاج إلى تنسيق مع المجتمع الدولي. وفي الحالين، نبدو أمام سجال يواجه طريقاً مسدوداً، فلا دمشق قادرة اقتصادياً على إعادة النازحين إلى بلدٍ مهدّمٍ أو راغبة سياسياً بإعادة المعارضين الذين نزحوا منها. ولا مجال للخطأ في قراءة خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي كرّر فيه تصنيف السوريين بين وطنيين وعملاء واتهم الدول المضيفة بعرقلة العودة. ولا يرى المجتمع الدولي فرصةً لعودة اللاجئين قبل التوصل إلى تسوية سياسية وبدء إعادة الإعمار. فالمعادلة بالنسبة إليه هي: لا إعادة إعمار من دون تسوية.

والأمثلة أمامنا ناطقة، فما قادت إليه مساعي مدير الأمن العام اللبناني عباس ابراهيم و"حزب الله" بالتنسيق مع دمشق هو عودة أعداد بسيطة من مجموع النازحين، بدت مثل تفريغ البحر بملعقة. والمبادرة الروسية لعودة اللاجئين التي تحمّس لها اللبنانيون جميعاً توقّفت عملياً لأنها ظهرت وكأنها حيلة روسية لدفع الغرب والعرب إلى الانفتاح على دمشق وتمويل إعادة الإعمار تحت عنوان إعادة اللاجئين من دون ربطها بالتسوية السياسية. وما أعيد تأكيده ضمنياً في القمة العربية- الأوروبية في شرم الشيخ أن الأولوية لدى أوروبا، هي تجنّب استقبال اللاجئين والتبرّع بما يمكن لإبقائهم في الدول المضيفة.

ولا أحد يعرف متى تنتهي حرب سوريا التي تدخل بعد أيام عامها الثامن. ومَن يتصوّر أنه انتصر ويعرف كيف تنتهي، يمارس خداع النفس قبل خداع الآخرين أو أقلّه يرتاح للأوهام.

المزيد من آراء