في الوقت الذي تستعد فيه بريطانيا لخوض مرحلة جديدة من الضغط على "حزب الله" من خلال قرار وزير داخليتها ساجد جاويد الاستعداد لحظر الجناح السياسي للحزب، الذي يدخل حيّز التنفيذ اعتباراً من يوم الجمعة المقبل، بعد تصويت مجلس العموم عليه، في خطوة من شأنها أن تمنع انصاره من القيام بأي تحرك في الشوارع البريطانية وحمل علم الحزب، أثار القرار ردود فعل متفاوتة على الساحة اللبنانية في معرض تلقف حيثياته وتداعياته على المشهد السياسي الداخلي، خصوصاً انه يطرح مجموعة تساؤلات يمكن اختصارها بالتالي:
- هل هو خطوةً متقدمة تمهد لخطوة مماثلة على صعيد الإتحاد الأوروبي أم هو خطوة منفصلة تماماً لا سيما أن المملكة المتحدة تستعد خلال فترة قصيرة جداً للانفصال عن الاتحاد؟
- كيف يتلقف "الحزب" هذا القرار؟ وهل تكون له تداعيات على الساحة اللبنانية ضد الوجود البريطاني في ظل مواقف إعلامية قريبة منه تدفع في اتجاه التحريض، مناصبة المملكة المتحدة العداء؟
- واستطراداً، ماذا سيكون موقف لبنان الرسمي؟ هل يتأثر بتداعيات القرار لا سيما أن بريطانيا تُعدّ داعماً اساسياً للبنان؟
وإجابةً عن السؤال الأخير، أتت المواقف اللبنانية الرسمية بدءاً من رئيس الحكومة سعد الحريري وصولاً إلى وزير الخارجية جبران باسيل لتؤكد ضرورة الفصل بين القرار الذي يشكّل شأناً سيادياً يتعلق ببريطانيا وحدها، وهذا لا علاقة للبنان به. ويمكن الخروج بهذا الاستنتاج بعد استعراض سلسلة المواقف الصادرة عن الحريري وباسيل بعد لقائهما رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في شرم الشيخ على هامش القمة العربية - الأوروبية حيث كان تأكيد، عاد وجدده وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، بشأن استقرار لبنان وازدهاره، من دون أن "يكون هناك تهاون عندما يتعلق الأمر بالارهاب". وتشير مصادر في الخارجية اللبنانية إلى أن الحريري او باسيل لم يلمسا أي توجه بريطاني لتجميد الدعم أو المساعدات أو التعاون، بل على العكس، لمسا حرصاً بريطانياً على الاستمرار في تعزيز العلاقات والتعاون بين البلدين. من هنا، يستبعد لبنان أن يكون للقرار تأثير كبير في مجالات التعاون والدعم، متوقعاً أن يكون التأثير محدوداً لا سيما أن الغرب يتفهم الخصوصية اللبنانية في هذا المجال والحاجة إلى مراعاتها. لكن هذا لا يعني أن بريطانيا لن تجد صعوبة بعد قرارها في التعامل مع الوزارات التي يشغلها ممثلون لـ "الحزب"، لا سيما وزارة الصحة اللبنانية.
الدعم مستمر
لم يصدر أي موقف رسمي عن السفارة البريطانية في بيروت باستثناء تغريدة للسفير كريس رامبلينغ وصف فيها القرار بـ"المهم"، مشيراً إلى أنه يتعلق بـ"حزب الله"، وأن الدعم البريطاني القوي للدولة وللشعب اللبنانيَين سيستمر في مجالات الأمن والتعليم والخدمات والاقتصاد. لكن مصادر في السفارة أوضحت رداً على اسئلة "اندبندت عربية" حيثيات القرار، عاكسةً حرص المملكة المتحدة على الفصل بين القرار الصادر في بريطانيا ضد "حزب الله" وبين الدعم المعقود للبنان والحرص على استمرار التعاون بين البلدين.
The Home Secretary has announced the UK Government intends to proscribe Hizballah in full. This important decision is about Hizballah: strong UK support for the Lebanese people and State will continue in security, education, services and the economy. https://t.co/9c5lb4ezgq
— Chris Rampling (@crampling) February 25, 2019
في هذا الصدد، قالت المصادر نفسها "لطالما كانت المملكة المتحدة قلقة من قيام حزب الله بزعزعة استقرار المنطقة. واول الاجراءات اتُخذ في العام 2001 عندما أدرجت بريطانيا وحدة الأمن الخارجي للحزب منظمةً إرهابية، بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وتم توسيع الحظر ليشمل الجناح العسكري في العام 2008، وذلك رداً على دعم الحزب لميليشيات في العراق كانت تستهدف القوات البريطانية. واعتمدت بريطانيا سياسة عدم الاتصال مع الجناح السياسي للحزب سنوات عدة.
وأضافت المصادر "إننا نراجع بانتظام حظر بريطانيا للمنظمات المصنفة ارهابية، وفي ضوء الروابط بين كبار قادة الأجنحة السياسية والعسكرية لحزب الله، ونشاط مجموعته المسلحة في المنطقة، ولجوء جناحه السياسي إلى تعطيل نزع السلاح من أيدي هذه المجموعة وتبرير نشاطاتها العسكرية في المنطقة ولبنان، بات متعذراً التمييز بين الجناحين ولم يعد ممكناً الدفاع عنه الآن".
لكن المصادر تعود وتؤكد أن لندن "ثابتة في التزامها استقرار لبنان وأمنه وازدهاره". وتذكّر بأن المملكة المتحدة تدعم لبنان حالياً بأكثر من 200 مليون دولار أميركي، في إطار المساعدة على حماية الحدود مع سوريا في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ لبنان، وتوفير فرصة التعليم للجميع، وتعزيز تقديم الخدمات في البلديات وتقديم المساعدات الإنسانية لعائلات اللاجئين واللبنانيين الأكثر عرضة للخطر. الدعم والالتزام بدولة لبنانية قوية سيستمران".
وتشدد المصادر على أن "نتائج الانتخابات اللبنانية وتشكيل حكومة جديدة، لم يكونا خلف هذا القرار ولم يشكلا عاملاً لاتخاذه. فالقرار لا يعني فرض مزيد من العقوبات على لبنان، لكن المملكة المتحدة لا تزال قلقة من نشاط "حزب الله" المزعزع للاستقرار في المنطقة. ليس هناك أي عقوبات مرتقبة في هذه المرحلة، لكننا سنستمر في إبقاء كل الخيارات قيد المراجعة".
"حزب الله" صامت
أما في ما يتصل برد فعل الحزب على القرار، فلا تزال أوساط "حزب الله" تتحفظ عنه وتلتزم الصمت في انتظار تقويم ابعاده وحيثياته.
وبينما فُتح النقاش في الوساط اللبنانية حيال خلفية القرار البريطاني وهل يكون خطوة متقدمة تمهّد لخطوة مماثلة على صعيد الإتحاد الأوروبي أو أنها منفصلة تماماً، لا سيما أن المملكة المتحدة تستعد خلال فترة قصيرة جداً للانفصال عن الاتحاد، يعتقد مراقبون أن الرد الفوري جاء على لسان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي صرح بأن فرنسا لن تضع أي حزب لبناني ممثَل في الحكومة على قوائم الإرهاب، مضيفاً أن باريس تعتبر الجناح العسكري لـ "حزب الله" "تنظيماً إرهابياً، لكنها تتحاور مع الجناح السياسي الممثل في البرلمان".
ضغوط أميركية؟
وبعدما كانت فيديركا موغيريني، الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الإتحاد الأوروبي، أكدت أن موقف بريطانيا هو "شأن سيادي خاص بها ولا يؤثر في موقف الاتحاد حيال الحزب". وجاء كلام موغيريني عشية زيارتها إلى بيروت لافتتاح المقر الجديد للاتحاد في العاصمة اللبنانية. وحرصت المسؤولة الأوروبية بعد لقاءاتها مع المسؤولين اللبنانيين، على تأكيد "استعداد دول الإتحاد الأوروبي للاستمرار في تقديم المساعدات للبنان في كل المجالات، لا سيما في المجالين الاقتصادي والأمني، وهذا ما يدفع إلى استبعاد أي توجه أوروبي في الوقت الراهن نحو السير على خطى بريطانيا في قرار الحظر على "حزب الله" بجناحيه السياسي والعسكري، فضلاً عن رفض الإتحادِ الضغطَ الأميركي المتنامي على دوله ومن ضمنها بريطانيا من أجل تضييق الخناق على الحزب من دون الأخذ في الاعتبار تأثير ذلك في المجتمع اللبناني.
يذكر أن الإتحاد الأوروبي كان وافق بالإجماع، في اجتماع وزراء خارجية دوله الأعضاء في بروكسيل في يوليو (تموز) 2013ً على ادراج الجناح العسكري للحزب ضمن لائحته للمنظمات الارهابية. وجاء التمييز بين الجناحين بمبادرة من مفوضية الشؤون السياسية في الاتحاد في مسعى لعدم التأثير سلباً في الوضع الداخلي اللبناني. وكان الكونغرس الأميركي أقرّ في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 قانوناً يحضّ دول الإتحاد الأوروبي على تصنيف الحزب كله منظمةً ارهابية وعدم الفصل بين جناحيه العسكري والسياسي. وأتى هذا القرار في إطار الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على الاتحاد الذي آثر ابقاء الجناح السياسي خارج التصنيف لكونه جزءاً مهماً في الحياة السياسية اللبنانية.