بعد حوالى ستة شهور، أفرجت السلطات الإسرائيلية عن المواطن الفلسطيني أدهم البهتيني (22 سنة) بعد اعتقاله عند الحدود الشرقية لغزّة، أثناء محاولته تجاوزها متسللاً إلى الداخل الإسرائيلي، بحثاً عن فرصة عمل، وهروباً من واقع الحياة المرير والحصار المفروض على القطاع.
فور وصول أدهم إلى الحدود مع إسرائيل، تعاملت معه القوات الإسرائيلية المنتشرة هناك بالقوة المفرطة. ويقول "منذ رصدي بكاميرات المراقبة، أطلق عليّ الجنود الكلاب البوليسية، وبسرعة حاولت الهرب، لكني لم أنجح في ذلك، ونهشتني الكلاب وشوهت جسدي".
قتل أو تعذيب
وروى أدهم أنه بعد معركة مع الكلاب استمرت لدقائق، وصل الجنود الإسرائيليون إليه وضربوه بمعداتهم العسكرية، وصعقوه بالكهرباء، ورشّوا وجهه بغاز الفلفل الحار، ما أدى في المحصلة إلى تعرضه لكسور بالغة وتشوهات في جسده، ثم اقتادوه إلى غرفة التحقيق، نقلوه بعدها إلى سجن مكث فيه حوالى ستة أشهر، حتى أُفرج عنه.
وتتعامل إسرائيل مع المتسللين من غزّة بالشدة، ويطلق جنودها النار مباشرةً صوب الفلسطينيين الذي يحاولون الفرار من القطاع، وتقتل عدداً منهم أو تصيبهم بجروح بالغة، وتعتقلهم.
وأشارت معلومات حصلت عليها "اندبندنت عربية" من رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، إلى أن إسرائيل أعدمت حوالى 21 شاباً لدى اجتيازهم الحدود الشرقية للقطاع خلال العام الماضي.
ويعقّب فروانة على ذلك بأن إسرائيل تتعمد استخدام القوة المفرطة في التعامل مع المتسللين، وتنفذ عمليات القتل المباشر لكثيرين منهم. ويجري ذلك بناءً على تعليمات من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي أعطت الضوء الأخضر لجنودها للتعامل مع المتسللين بقوة النار.
تزايد عمليات التسلل
وفقاً لجغرافيا الأرض، فإن قطاع غزة يرتبط مع إسرائيل بحدود من الجهة الشرقية بطول 41 كيلومتراً، ومن الشمال بطول يصل إلى 7 كيلومترات، يحاول سكان القطاع التسلل عبرها إلى الأراضي الإسرائيلية.
وبحسب فروانة، فإنّ عمليات التسلل ليست جديدة، بل شهدت تزايداً خلال الخمس سنوات الماضية، بينما تشير المعلومات التي رصدتها وحدة الدراسات والتوثيق إلى أن 84 حالة تسلل للحدود الشرقية والشمالية جرت خلال عام 2019، وحوالى 12 حالة سُجلت حتى نهاية فبراير (شباط) 2020. وتُعدّ هذه الأرقام كبيرة جداً، بخاصة أن إسرائيل وحركة حماس حاولتا ضبط الحدود منذ بداية العام الماضي، الأمر الذي يُفترض أن يخفف عمليات التسلل. وقال فروانة "بحسب الدراسات التي أجريناها فإن عمليات التسلل تشهد ارتفاعاً على الرغم من وجود قوات الأمن".
مراقبة للحدود
على الجانب الإسرائيلي، ركبت المؤسسة الأمنية كاميرات مراقبة على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزّة، ونشرت قوات من الجيش الإسرائيلي لمراقبة وحراسة الحدود، كما شيّدت جدار عزل ممغنطاً بالكهرباء يصعب على الأفراد تجاوزه.
أما على الجانب الفلسطيني، فإن "حماس" التي تسيطر على غزّة منذ فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، نشرت في بداية العام الماضي، قوات الضبط على الحدود، لمنع عمليات التسلل وحفظ الأمن هناك.
ويقول فروانة إنه "لولا انتشار قوات ضبط الحدود التي نشرتها حماس، لكانت أرقام حالات التسلل مضاعفة، لكن وجود هذه القوات وكذلك الرقابة الإسرائيلية قللت نسبة التسلل".
وعلى الرغم من الوجود الأمني المكثف من الجانب الفلسطيني، إلا أن متسللين كثراً تمكنوا من الوصول إلى الحدود في المناطق العازلة، التي تخضع للرقابة الإسرائيلية.
ويقول أحد المواطنين المفرَج عنهم من السجون الإسرائيلية، إنه تجاوز السلك الشائك بعدما نجح في قصّه بالسلاح الأبيض، وتمكن من تجاوز الحدود لأمتار، وبعدها أطلق الجيش الإسرائيلي النار عليه وأصابه في قدمه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صفقة تبادل مرتقبة
ويؤكد فروانة أن "إسرائيل تستقبل المتسللين بإطلاق النار، والقنابل المسيلة للدموع، والرصاص غير القاتل، والقمع والتعذيب، ولا تراعي أعمارهم وحاجاتهم وظروفهم، ومنهم مَن تعرض للمساومة والابتزاز".
وتشير بيانات "وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى"، إلى أن معظم المتسللين من فئة الشباب، وبحسب عمليات الرصد فإن جزءاً منهم قاصرون، ولا تتجاوز أعمار البقية 30 سنة.
وعلى الرغم من أن معظم المتسللين قاصرون، إلا أنّ وزير الدفاع والجيش الإسرائيلي نفتالي بينيت قدم اقتراحاً إلى الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) باحتجاز الشبان الذين يتسللون من قطاع غزة لفترات سجن طويلة، من دون محاكمة، بعد اعتبارهم "مقاتلين غير شرعيين"، وذلك تحسباً لأي انتقادات دولية ضد إسرائيل. ويهدف بينيت من هذه الخطوة إلى استخدام المتسللين كورقة مساومة بوجه حماس، في أي صفقة تبادل أسرى مرتقبة.
ورصدت المؤسسات الحقوقية سلسلة حالات إعدام مباشر لمواطنين من قطاع غزّة حاولوا التسلل عبر الحدود، وبحسب المعلومات المتوافرة لـ "اندبندنت عربية"، فإن حوالى 19 جثماناً فلسطينياً محتجزاً لدى إسرائيل، جلّهم من المتسللين عبر الحدود، ترفض الإفراج عنهم.
دوافع
ومن وجهة نظر القانون الدولي، فإنّ المتسللين هم أسرى مدنيون ويجب معاملتهم وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة. وتشير الأرقام إلى أن إسرائيل ما زالت تحتجز حوالى 50 قاصراً و46 معتقلاً من الشباب، حوكِم معظمهم.
أما عن دوافع التسلل، يتصدر الفقر والحصار على غزة الأسباب التي تجبر الشباب على التسلل. وأكد فروانة ذلك بالقول، إن "نتائج التحقيق تشير إلى عدم وجود دوافع تنظيمية لدى المتسللين، ولا توجيهات من الفصائل".
يُذكر أن نسبة الفقر المدقع في قطاع غزّة وصلت إلى 25 في المئة، بينما معدلات البطالة تخطت 60 في المئة. وسجّلت وزارة العمل قرابة 5000 عاطل من العمل من حمَلة الشهادات الجامعية. كما أن موظفي السلطة الفلسطينية يتقاضون 50 في المئة من رواتبهم، بينما يتلقى موظفو حكومة حماس 50 في المئة من رواتبهم كل 50 يوماً.