يستخدم الأميركيون عبارة "الثلاثاء الأسود" لوصف انهيار بورصة وول ستريت في أكتوبر (تشرين الأول) 1929، كأوّل خطوة للأزمة الاقتصادية العالمية في عقد الثلاثينيات من القرن العشرين والمعروف بـ"الكساد الكبير".
فكيف أظلمت شمس الحلم الأميركي إلى حين؟ يعود ذلك إلى استثمار مبالغ ضخمة في وول ستريت، ما رفع أسعار الأسهم إلى قيم وأسعار خيالية وغير واقعية جذبت مستثمرين من شتّى الطبقات والمستويات، إلى استثمار أموالهم في البورصة رغم عدم واقعية الأسعار.
حتى حلّ ذلك الثلاثاء الذي عرض فيه على لائحة البيع أكثر من 13 مليون سهم، ما جعل العرض أعلى من الطلب، واتّجهت الأسهم نحو القاع، وعمّت الفوضى في المكان، إذ بدأت أموال المستثمرين تتبخر، وازداد الأمر سوءاً حين زاد عدد الأسهم المعروضة إلى 30 مليون سهم في الأيام التي تلت، الأمر الذي جعل أسعار الأسهم بلا قيمة، وجعل الكثير من المستثمرين في ديون عميقة لصالح البنوك التي بدورها أعلنت إفلاسها لفشل المقترضين على السداد.
ويبدو أن للسعوديين أيضاً ثلاثائهم الأسود أيضا، فمطلع عام 2006 كان داعياً للتفاؤل بعد أن حققت السوق مكرر ربحية بـ55 مرة في فبراير (شباط)، حين ارتفع مؤشر الأسعار العام حتى اقترب من ملامسة 21000، وهو ارتفاع غير مبرر حسب محلل الأسواق المالية سعود المطير الذي يفسّر هذا الارتفاع بعدة عوامل صنعت الفقاعة "قلة عدد الشركات أسهمت في تركّز السيولة الكبيرة التي كانت لدى المواطنين، التي عززتها القروض الشخصية التي كانت تمنحها البنوك، مع محدودية قنوات الاستثمار بالبلد حينها في عدد قليل من الأسهم، ما أسهم في تضخمها بشكل لا يتوافق مع حجم السوق الفعلية في ذلك الوقت"، إضافة إلى ارتفاع الدعاية الإيجابية التي قادتها وسائل إعلامية ومحللون، وأيضاً مجموعات التوصية عبر الرسائل النصية التي كانت شائعة وقتها.
إلا أنّ الأمر لم يطل، فلم يلبث السهم أن عاد متنازلاً عن بعض مكاسبه القياسية في فترة التداول الصباحية، وفي فترة التداول المسائية افتتحت السوق على انخفاض حاد بقيادة سهم الكهرباء الذي كان قد أغلق صباحاً على نسبته القصوى، ما أدّى إلى هبوط المؤشر إلى ما دون 20400 نقطة.
وكعادة البورصة شديدة التأثر، شهد اليوم التالي موجة بيع جماعية في الدقيقة الأولى من التداول، تسببت في زيادة حدة الهلع وملامسة أكثر من 60 شركة نسبتها الدنيا، وإغلاق جميع شركات السوق على انخفاض، إذ خسر المؤشر العام في اليوم الثاني للانهيار ما يقرب من 980 نقطة، وهو ما يعادل 4.75 في المئة من مجمل السوق، وخسرت الأسهم ما يقرب من 144.5 مليار ريال (38.52 مليار دولار) من قيمتها السوقية، معلنةً بذلك نهاية حقبة الأرباح السريعة التي انتهت قبل بدايتها، ليتحوّل إلى أحد الأعوام الكبيسة في الذاكرة السعودية المعاصرة.
استدارة خلف قافلة الزيت
لم تكن اللحظة التي قرر فيها مالك شركة الزيت السعودية "أرامكو" طرح عملاق النفط العالمي للاكتتاب لحظة مثالية، فالاكتتاب المحلي الذي انطلق في نهاية العام الماضي جرى تحت القصف، مهدداً قدرة الشركة في الحفاظ على مكانتها كمصدر إمداد ثابت للطاقة، وموثوقية ثبات قيمتها السوقية باستهداف أهم أصولها في بقيق وخريص.
إلا أنّ الاكتتاب ورغم كل ذلك نجح في حصد أرباح غير مسبوقة، لتحتل "أرامكو" صدارة العالم كأكبر شركة مدرجة في العالم، ومصافيها لا تزال تتعافى من جراح سبتمبر (أيلول)، متكئة على موثوقية أقنعت السعوديين للعودة لسوق الأسهم للاكتتاب على حطام المصافي، إذ بلغ إجمالي الاكتتاب في أرامكو 446 مليار ريال (119 مليار دولار)، بتغطية بلغت 465 في المئة.
ويفسّر المهندس والمهتم بالقطاع النفطي عائض آل سويدان، صمود موثوقية الشركة خلال الاكتتاب بنجاح الشركة في ضمان الإمدادات في فترة تعرض منشآتها للتخريب "الجهد الذي بذل في صناعة اسم أرامكو في قطاع النفط والغاز كان مهماً وقت الاكتتاب، فأرامكو التي أثبتت قدرتها على المحافظة على إمداد الأسواق بالمنتجات وتسليمها خلال المواعيد المحددة في أشد الظروف، لعب دوراً مهماً في إقناع المستثمر بموثوقية الاستثمار فيها".
ويضيف، "الاحتياطيات الهائلة من النفط والغاز التي تضع الشركة يدها عليها، يجعل الاكتتاب فيها أمراً غير قابل للتجاهل، وهو أيضاً أسهم في التسويق للطرح رغم الظروف التي أحاطت به".
ويشدد آل سويدان، على أهمية البنية التحتية التي تملكها الشركة، التي أسهمت في حفاظ الشركة على توازنها والصمود أمام الضربة التي وجهت لها "البنية التحتية المميزة التي تملكها الشركة أحد أهم مراكز موثوقيتها، فتمدد أذرعها وأملاكها على مستوى العالم أسهم في قدرة الشركة على امتصاص التعطيل والاستمرار في عملية الإنتاج، الأمر الذي أعطى الشركة قدرة على استعراض متانتها وقدرتها على مواجهة أي تحديات"، وهو ما خدم الحملة التسويقية للشركة، وتقديمها كشركة ذات عجلة إنتاج وربحية دائمة رغم المتغيرات، وهذا أمر مغرٍ جداً لمكتتب تتحكم نوبات الهلع والبيع الجماعي على قراراته الاستثمارية.
وهو ما تؤكده متخصصة التطوير الإداري آلاء نحاس، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، إذ تضيف أن الشركة نجحت في إدارة الأزمة لصالحها "أبدت (أرامكو) نجاحاً في إدارة الأزمة لصالحها، إذ سلّطت الضوء على إجراءات الطوارئ التي اتخذتها، وحدت من تأثر مبيعات الشركة"، وهو ما قدّمته الشركة على أنه نجاح، "أسهم في توظيف الأزمة لصالح الترويج لمتانة الشركة وإيجابية الاستثمار فيها".
الفرد لم يعد اللاعب الأول
وإن كانت أرامكو أسهمت بقدراتها الفردية في تعزيز ثقة المستثمر في العودة إلى سوق الأسهم، فإنه لا يمكننا إغفال التغيرات الهيكلية التي طالت السوق من حينها إلى اليوم، فالمستثمر الفردي "الجبان" الذي يبني قراراته الاستثمارية غالباً على الهلع وموجات البيع التي تضرب السوق لم يعد اللاعب الأول في السوق، كما كان الوضع في يوم أظلمت صباحات الثلاثاء، وهو ما يعززه المطير في قوله "في ثلاثاء 2006 كان الطابع الفردي يسيطر على السوق، إذ شكّل الأفراد ما نسبته 95 في المئة من إجمالي المستثمرين في الأسهم المحلية في حينها، إلا أنّ الأمر تغير اليوم، إذ انخفضت نسبة الأفراد بشكل كبير مقابل نسبة المؤسسات".
ولم يكن تصحيح نسب المستثمرين السبب الوحيد في تماسك السوق اليوم، فقد حدّ التنظيم الجديد من تأثير الأسهم القيادية في السوق، ففي 2003 كانت تشكل ثلث السوق، لكن مع التنظيم الجديد فلم يعد بإمكان شركة بأن تتأثر بأكثر من 15 في المئة "لو ارتفعت أسعار النفط سيؤثر ذلك في أرباح أرامكو بشكل كبير، إلا أن نسبة تأثيرها في المؤشر العام لن يتجاوز الـ15 في المئة كحد أقصى".