حقق نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن المرشح الرئاسي الأميركي قفزة هائلة في سباق الانتخابات التمهيدية لم يتوقعها أحد داخل الحزب الديمقراطي في معركة يوم الثلاثاء الكبير، حيث تمكن فجأة وبدعم واضح من المؤسسة السياسية للحزب الديمقراطي، من وقف قطار السيناتور الاشتراكي التوجه بيرني ساندرز الذي كان يتصدر السباق منفرداً، بل توقعت استطلاعات الرأي أن تتوج الانتخابات التي جرت في 14 ولاية أميركية الثلاثاء المنصرم، سجل انتصاراته السابقة لتقربه من الفوز بترشيح الحزب. ويستغرب خصوم بايدن وحلفاؤه، كيف تمكن بايدن من تجاوز جميع الحواجز التي كادت أن تحبط مسيرته وتقصيه خارج السباق الرئاسي، ويتساءلون عما إذا كانت فرص ساندرز في الفوز قد بدأت في التراجع والذبول، أم أن المعارك الانتخابية المقبلة التي سوف تحسم نحو 60 في المئة من أصوات المندوبين قد تحمل مفاجآت معاكسة.
"سوبر بايدن"
حصد بايدن جوائز عديدة مكّنت أنصاره من تسمية هذا اليوم الكبير على اسمه ليصبح "سوبر بايدن" بدلاً من "الثلاثاء السوبر" كما يطلق عليه في الولايات المتحدة، فقد فاز بايدن بتسع ولايات من أصل 14 ولاية جرى التنافس عليها بينما يقترب من كسب الولاية العاشرة، في حين حسم ساندرز ثلاث ولايات هي فيرمونت وكولورادو ويوتاه، وما زال يتقدم في ولاية كاليفورنيا بنسبة 31 في المئة والتي تعد الجائزة الكبرى في السباق نظراً لاستحواذها على 415 مندوباً من إجمالي 1357 جرى التنافس عليها في الولايات الأربعة عشر.
وجاءت أكبر المفاجآت بدءاً من ولاية فيرجينيا التي حصد فيها أكثر من 50 بالمئة من الأصوات رغم أن استطلاعات الرأي كانت تضعه في مرتبة تالية لبيرني ساندرز، كما مثل انتصاره الكاسح في ولايات الجنوب دليلاً آخر على دعم الأميركيين الأفارقة له بشكل قاطع، حيث فاز بفارق تراوح بين 7 إلى 25 في المئة في كل من آلاباما بـ 63 في المئة من الأصوات، وفي كارولينا الشمالية بـ 42 في المئة، وأوكلاهوما بـ 38 في المئة وتينيسي بـ 41 في المئة. لكن الجائزة الأهم لبايدن كانت في ولاية تكساس التي اقتنصها من خصمه بنسبة 33.4 في المئة مقابل 30 في المئة لساندرز.
انتصارات بايدن لم تقتصر على ولايات الجنوب بل امتدت إلى الشمال الأميركي حيث استكمل مفاجآته بالفوز بولاية ماساتشوستس التي تعد موطن السيناتور إليزابيث وارن، كما فاز بولاية مينسوتا التي كان يتوقع أن يكتسحها ساندرز مثلما فعل ضد هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية عام 2016.
سبب المفاجأة
العامل الحاسم الذي حول بوصلة الانتخابات داخل الحزب الديمقراطي باتجاه بايدن يعود إلى المؤسسة السياسية للحزب الديمقراطي التي وضعت كل ثقلها خلف نائب الرئيس السابق بعد الفوز الساحق الذي حققه في ولاية كارولينا الجنوبية قبل أربعة أيام مدعوماً بمساندة جيمس كلايبورن، النائب الديمقراطي عن الولاية الذي جعل الأميركيين الأفارقة يصوتون لبايدن بقوة.
وقبل يوم "الثلاثاء الكبير"، حصد بايدن تأييداً واسعاً من كبار قيادات الحزب الديمقراطي مثل السيناتور هاري ريد، زعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ، والسيناتور السابقة باربارا بوكسر وحاكم ولاية فيرجينيا السابق تيري ماكوليفي. كما أن انسحاب كل من المرشحين الرئاسيين بيت بوتيدجيج وإيمي كلوباتشير من السباق وإعلانهما تأييدهما لبايدن كان له أثر كبير في حشد أصوات الناخبين خلف بايدن وتقليل تقسيم أصوات المعتدلين بين أكثر من مرشح.
إنقلاب ضد ساندرز
السيناتور بيرني ساندرز، وإن أصابه الذهول من النتيجة المفجعة التي أحبطت آماله العريضة بترسيخ انتصاراته السابقة بعد أن أكدت استطلاعات الرأي قبل أيام تقدمه في العديد من الولايات، حاول أن يظل متفائلاً بأن يُبقي الأمل في نفوس أنصاره، وتعهد الفوز بترشيح الحزب خلال المعارك الانتخابية المقبلة، ومع ذلك فقد عبر ساندرز عن استيائه من دعم المؤسسة السياسية للحزب الديمقراطي لخصمه بايدن حين قال إن على الناخب أن يختار بين ساندرز أو مؤسسة الحزب الديمقراطي في إشارة مبطنة إلى أنه يصارع الحزب الديمقراطي الذي قال قبل ايام إن قياداته لا يريدونه في البيت الأبيض.
وبينما وصف عدد من كبار مؤيدي ساندرز ما حدث يوم "الثلاثاء الكبير" بأنه "انقلاب" من المؤسسة الحزبية الديمقراطية، اقترح أعضاء برلمانيون توحيد جبهة اليسار التقدمي في الحزب للفوز بالمنافسات القادمة مثلما وحد تيار الوسط قواه السياسية إلى جانب بايدن.
هل تنسحب وارن؟
وفي حين لم يطلب ساندرز من منافسته اليسارية السيناتور إليزابيث وارن الخروج من السباق الانتخابي، شرع آخرون في مطالبة وارن علناً بإفساح الطريق أمام بايدن بعدما فشلت في كسب أية ولاية من الولايات التي جرت فيها الانتخابات التمهيدية منذ بدايتها، بل إنها خسرت ولاية ماساتشوستس التي تمثلها داخل مجلس الشيوخ.
لكن وارن لم تعلن موقفها حتى الآن، ولا تزال على ما يبدو متمسكة بالاستراتيجية التي أعلنتها من قبل وهي الاستمرار في خوض غمار المعركة الانتخابية وصولاً إلى اجتماع الحزب المقرر في الصيف المقبل، لاختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني).
ويُعد تمكن وارن من كسب 30 مليون دولار من المتبرعين عقب هجومها على الملياردير مايكل بلومبيرغ خلال مناظرة لاس فيغاس، هو أحد الأسباب التي تساعدها على الاستمرار في السباق. غير أن مراقبين في واشنطن يتوقعون أن تواجه وارن ضغوطاً ودعوات من اليسار في الحزب كي يلتف التقدميون حول ساندرز.
ما مستقبل بلومبيرغ؟
وبالمثل، يواجه عمدة مدينة نيويورك السابق الملياردير مايكل بلومبيرغ، ضغوطاً مشابهة من أجل انهاء حملته التي كلفته نحو 600 مليون دولار حتى الآن، حيث ينتظر أن يجتمع مستشاري بلومبيرغ خلال ساعات، لتحديد ومناقشة مستقبل رجل الأعمال الأميركي في السباق الانتخابي، بعد أن كشف يوم "الثلاثاء الكبير" عن خيبة أمل كبيرة في غالبية الولايات، ولم يفز بأي ولاية من الولايات الأربعة عشر.
غير أن مدير حملته ألمح أن بلومبيرغ قد يخرج من السباق بقوله إن أولوية الحملة الأولى هي إلحاق الهزيمة بالرئيس ترمب في نوفمبر المقبل.
ومثل فوز بايدن الكاسح ضربة موجعة ومباشرة لبلومبيرغ الذي دخل السباق بسبب ضعف مستوى بايدن في استطلاعات الرأي وعدم قدرته على اكتساح ساندرز ووارين.
انحصار المنافسة
وبينما يأمُل بايدن في انسحاب سريع من بلومبيرغ بما يمنحه زخماً كبيراً مثلما فعل بوتيدجيج وكلوباتشير من قبل، لتجميع أصوات تيار الوسط خلف مرشح واحد، بدأت ملامح المعركة المقبلة التي بدا جلياً أنها تقتصر على بايدن وساندرز دون سواهما، فخلال كلمة له احتفالاً بنصره المذهل، قال بايدن، من دون أن يحدد ساندرز بالاسم، إنه الوحيد القادر على هزيمة ترمب، مشيراً إلى أنه إذا أراد الناخبون الديمقراطيون الحفاظ على سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب وإبقاء نانسي بيلوسي رئيسة للمجلس فيجب عليهم انتخابه. ويقصد بايدن من ذلك أن فوز ساندرز بترشيح الحزب سوف يضر بحظوظ الديمقراطيين في انتخابات مجلس النواب في الثالث من نوفمبر بسبب مخاوف الناخبين المعتدلين من أجندة ساندرز الثورية اليسارية.
ويتوقع النائب كلايبورن استمرار فوز بايدن على هذا النحو ليصبح هو مرشح الحزب ومن ثم رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
في المقابل، كتب عمدة نيويورك الحالي بيل دي بلاسيو المؤيد لساندرز على موقع تويتر: " بدأت اللعبة على التو، وما زالت هناك ولايات عديدة ستجري بها الانتخابات خلال أيام وأسابيع، لقد أصبح السباق بين مرشحين اثنين فقط، وكلاهما مناقض للأخر، وسوف تكون المناظرات الانتخابية ساخنة، وتلك صيغة جيدة لساندرز.