"من حقي نرجع"، نداء أطلقه مرصد الحقوق والحريات بتونس مع عائلات الأطفال التونسيين العالقين في البلدان التي تشهد حروباً ومعارك طاحنة، لاسترجاع فلذة أكبادهم.
حيث تحدثت السيدة تحية في شهادة مؤلمة عن أحفادها الخمسة العالقين في مخيم سوري على الحدود التركية قائلة بلوعة وحزن شديدين "لقد مات منهم اثنان تحت سن العامين بسبب المرض، أما البقية فيعيشون أوضاعاً سيئة للغاية"، وتضيف الجدة تحية "أكبرهم عمره ست سنوات. من المفترض أن يكون في المدرسة كبقية أترابه، لكنه يعاني الأمرين جراء الإعاقة التي سببها له القصف خلال المعارك هناك، وحالته الآن تتطلب تدخلاً جراحياً في الرأس"، وبنبرة اليائسة تتابع، "المسكين لا يستطيع حتى تناول غذاء سليم أو تناول دواء لنزلات البرد، فكيف له بالعملية الجراحية، في تلك الظروف المهينة لطفل بعمره"، وتوجهت تحية والدموع تنهمر من عينيها برسالة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد للنظر بعين الرحمة لهؤلاء الأطفال كما طالبت الدولة التونسية الكشف عن الأطراف المسؤولة على تسفير ابنها إلى سوريا برغم أنها أعلمت السلطات قبل أن يسافر لمنعه من ذلك سنة2012 ، إلا أنهم لم يفعلوا شيئاً، فتوفي في يوليو (تموز) 2013 تاركاً زوجته السورية تصارع الحياة مع أبنائها".
بالألم واللوعة ذاتهما تحدثت السيدة فتحية بن طاهر عن حفيديها فداء، 6 سنوات، وسهيب، 4 سنوات، اللذين يعيشان في مخيم بسوريا بعد أن توفي والديهما في معارك ضد الجيش السوري وطالبت الجدة فتحية السلطات التونسية بإرجاع ابنيها وإنقاذهما من العذاب والموت، وبصوت غير مفهوم بسبب بكائها المتواصل، استغربت الجدة فتحية تجاهل السلطات التونسية لحال الأطفال العالقين في بؤر التوتر وكأنهم غير تونسيين.
تحريك المياه الراكدة
من جهته يقول رئيس مرصد الحقوق والحريات بتونس أنور أولاد علي إن "المجتمع المدني في تونس حريص على تحريك المياه الراكدة، ووضع الإصبع على المشكلات التي يقع ترحيلها من حكومة إلى أخرى، ومن برلمان إلى آخر".
مضيفاً أنهم قاموا بالتركيز على رصد وضعية الأطفال التونسيين العالقين في سوريا لأن العدد بحسب رأيه مفزع، إذ بلغ حوالي300 طفل رغم أنهم لم يستطيعوا الوصول إلا إلى 104 أطفال ورصد ظروف عيشهم في المخيمات السورية، وهي مخيم الهول ومخيم الروج والمخيم القطري بأعزاز، ومخيمات تركية، إضافة إلى وضعية الأطفال في السجون ووجهات أخرى غير معلومة.
فحسب إحصاءات المرصد حول الأطفال العالقين في سوريا، أغلبهم أيتام ويعيشون منذ سنوات في مخيم الهول بسوريا الذي تشرف عليه "قوات سوريا الديمقراطية" وهم من الأكراد المدعومين من طرف الجيش الأميركي.
كما يضيف أولاد علي بنبرة فيها الكثير من السخرية أن "الدولة التونسية التي يطالبها الحقوقيون بعودة الأطفال، استجابت فقط لعودة بعض الإرهابيين بضغط أجنبي وتركت أطفالهم ونساءهم في مخيمات وسط مخاطر عديدة".
ويواصل رئيس المرصد في حديث خاص "أسوة بالدول الأخرى، من واجب الدولة التونسية استرجاع أبنائها"، معتبراً بكل أسف أن المواطن التونسي بالنسبة لدولته لا قيمة له".
تحمل الأمانة كاملة
وفي سياق الضغط على السلطات التونسية يعتبر مرصد الحقوق والحريات بتونس أن خطوة رئيس الجمهورية باستقبال ستة أطفال كانوا عالقين في ليبيا غير كافية، ويدعو إلى تحمل الأمانة كاملة، كما يطالب الحكومة الجديدة بمختلف هياكلها تجنب المغالطات والحسابات التي ميزت تعامل الحكومات السابقة بحسب نص البيان الصادر عن المرصد بمناسبة تقديمه لإحصاءات حول الأطفال.
كما دعا المرصد مجلس نواب الشعب إلى القيام بدوره الرقابي ومساءلة كل الجهات المتخاذلة والمتهربين من تحمل المسؤولية، كما يحذر من مخاطر التسييس أو التأخير بالعودة، ويدعو إلى معالجة حقوقية قانونية سريعة لهذا الملف، داعياً الى تشكيل لجان من أجل زيارة المخيمات والمعتقلات والاطلاع عن كثب على المخاطر التي تهدد عشرات الأطفال التونسيين.
ظروف لا إنسانية
من جهته يقول نائب الرئيس السابق للجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة حاتم قطران إنه في الوقت الذي تحتفل فيه تونس كسائر الدول بالذكرى الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل لا يزال عشرات الأطفال التونسيين عالقين في عدد من المخيمات والمعتقلات في كل من ليبيا وسوريا، تهددهم التقلبات الجوية والمعارك العسكرية وتجعلهم عرضة للوقوع في قبضة التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية أو البقاء في ظروف احتجاز لا إنسانية تزداد سوءاً سنة بعد سنة، ويوماً بعد يوم، بخاصة أمام التقلبات السياسية وتخلي المجتمع الدولي عن واجباته.
ويؤكد قطران أن تونس صادقت على اتفاقية الطفل الخاصة باشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة وبالتالي من واجبها التعامل مع الملف بكل مسؤولية، كما ذكّر قطران بالقرار 2427 الأخير الذي صدر عن الأمم المتحدة والمتعلق بالأطفال العالقين أو المجندين أو المتأثرين بالنزاعات، الذي يحمّل كل الدول المسؤولية في حمايتهم.
وأخيراً انتقد غياب قضايا حقوق الأطفال في المشهد العام، داعياً إلى مزيد من الاهتمام بقضايا الطفولة في تونس، مندداً بالسلطات التونسية التي لم تبذل أي جهد في استرجاع أبنائها من الأطفال العالقين في بؤر التوتر.
نظرة دونية
أما رئيسة لجنة المرأة والطفولة بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب سيدة مبارك تحدثت عن حق الأطفال العائدين من بؤر التوتر في إعادة الانخراط، معتبرة في السياق ذاته أن الدولة التونسية لم تتحمل مسؤوليتها في إرجاع هؤلاء الأطفال، موضحة "حتى الستة الذين استقبلهم رئيس الجمهورية رجعوا بفضل مجهودات أطراف ليبية بمساعدة الهلال الأحمر وليس بفضل تونس".
لكن لم تتجاهل مبارك الإشكاليات التي تعترض تونس في التعامل مع هذا الملف الحارق، ومن أبرزها غياب الجهات الرسمية في سوريا أو ليبيا لمعرفة كل المعطيات الدقيقة حول ملف الأطفال العالقين.
ولم تخف مبارك ألمها من النظرة الدونية التي يتلقاها هؤلاء الأطفال العائدون من طرف المجتمع.
من جانبه اعتبر محيي الدين لاغة، عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن موضوع هؤلاء الأطفال مهم على المستوى الوطني والدولي حيث قدرت اليونيسف عددهم بـ29 ألفاً دون13 سنة.
مضيفاً، "رغم قلة عدد الأطفال التونسيين، فإننا نتناول الملف من المنطلق الحقوقي"، موضحاً "حتى وإن كان لدينا طفل واحد، فسيكون لنا الموقف ذاته"
وأضاف لاغة، "وبرغم أن أولياء الأطفال من الإرهابيين، يجب رعايتهم كي لا نجعل منهم ضحية مرتين".
كما ذكر لاغة أن الرابطة تستند إلى المعاهدات الدولية وأهمها حق المواطن في الجنسية كما يكفلها الدستور التونسي، لا سيما في الفصل 26 منه، الذي يحجر سحب الجنسية من أي مواطن، ويكفل له حق الرجوع إلى وطنه، إضافة إلى الاتفاقيات الأممية التي وقعتها تونس بخاصة "اتفاقية حقوق الطفل".