Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثروات أفريقيا تغذي الانقلابات وتطيح آمال التنمية

أطاحت رؤساء 5 دول في غضون 3 سنوات وتهدد جهود تحقيق التنمية الاقتصادية

متخصصون يرونها انعكاساً لصراع دولي على الهيمنة والاستحواذ على ثروات القارة (أ ف ب)

ملخص

بوركينا فاسو وغينيا ومالي والنيجر والغابون كانت مسرحاً للانقلابات خلال السنوات الثلاث الأخيرة

جدد انقلابان في القارة الأفريقية في غضون شهر واحد هذا الصيف سلسلة من الانقلابات العسكرية جرت في غضون ثلاث سنوات، في بوركينا فاسو وغينيا ومالي، بعد انضمام النيجر في 26 يوليو (تموز) والغابون في 30 أغسطس (آب) الماضيين، للقائمة، إذ أطاح الأخير الرئيس الغابوني علي بونغو، الذي حكمت عائلته البلاد لمدة 55 عاماً.

وقال البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إن القارة السمراء شهدت في 70 عاماً، وتحديداً بين عامي 1952 و2022 نحو 98 انقلاباً، واعتبرت المنظمة الأممية أن "غياب النمو الاقتصادي الشامل" هو السبب الرئيس.

وشكلت المنافسات حول تقاسم الدخل الحالي والمستقبلي للثروات، وبخاصة إيرادات الطاقة إحدى الركائز الأساس لهذه الانقلابات، إذ تم الكشف عن اجتماع لمجلس وزراء خاص للغاية كان ينبغي عقده في 27 يوليو (تموز) في نيامي عاصمة النيجر قبل أن يأتي المجلس العسكري ليقلب مجرى الأمور يوم 26، أي قبل يوم واحد من إطاحة رئيس البلاد محمد بازوم، وسواء كان ذلك من قبيل المصادفة أم لا، كان ينبغي لحكومة هذا البلد الواقع في منطقة الساحل في ذلك اليوم، أن توافق على مرسوم استراتيجي، يسمح بإنشاء شركة جديدة هي "بترونيجر"، كان من المفترض أن يكون هدفها إدارة موارد النفط في البلاد، مما يجعل من النفط سبباً أساساً من بين أسباب الانقلاب في النيجر وفق متخصصين.

موارد مغرية وراء ستار الديمقراطية

أما الغابون، فهي رابع أكبر منتج للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء والدولة العضو في منظمة "أوبك"، وموطن سادس أكبر مخزون للنفط المؤكد في القارة، وفقاً للبنك الأفريقي للتنمية بنحو 3.68 مليار برميل.

ويمثل القطاع النفطي، الذي يضم شركة "توتال إنرغيز" الفرنسية العملاقة من خلال شركتين تابعتين لها 38.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و70.5 في المئة من الصادرات في عام 2020. وتمثل الصين العميل الرئيس لصادرات الغابون بنسبة 33.2 في المئة، بينما تمثل فرنسا أول مصدر للواردات بحصة سوقية تبلغ نحو 26 في المئة، تليها بلجيكا 10.4 في المئة والصين 9.3 في المئة.

وتمتلك الغابون أيضاً احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي تقدر بأكثر من 28.3 مليار متر مكعب، ويمكنها أيضاً الاعتماد على المنغنيز موردها التعديني الرئيس، والذي صدرت منه 6.1 مليون طن في عام 2019، ولديها القدرة على أن تصبح المصدر الرئيس لهذا المعدن في العالم، وفقاً للبنك الآسيوي للتنمية.

بخصوص بوركينا فاسو التي شهدت انقلاباً عام 2022 فتعد إلى جانب غانا ومالي، واحداً من أكبر ثلاثة منتجين للذهب في غرب أفريقيا، لكن في السنوات الأخيرة، تعرضت مناجم الذهب وشركات التعدين لعديد من الهجمات الإرهابية، مما أجبر بعض الجهات الفاعلة على تعليق أنشطتها.

وأنتجت مناجم الذهب في بوركينا فاسو 57.67 طناً في عام 2022، وشهد إنتاج هذا المعدن النفيس نسقاً تصاعدياً من 5.4 طن في عام 2008، إلى 12.5 طن في عام 2009، و23.1 طن في عام 2010، و32.6 طن في عام 2011، و25.6 طن في عام 2012، واليوم، يتقدم على القطن أحد أهم صادرات البلاد، نتيجة ارتفاع عدد مواقع التنقيب.

تتمثل ثروة غينيا في المقام الأول في البوكسيت (أكسيد الألومنيوم المائي)، الذي تعد خامس أكبر منتج له في العالم، وتمتلك أكثر من نصف احتياطات الكوكب، لكن باطنها يحتوي أيضاً على الحديد والذهب والماس من بين صادراتها الرئيسة، وبلغت صادرات الذهب من شركات التعدين العاملة ما قيمته 130.334 مليون دولار في أبريل (نيسان) 2022، بحسب البنك المركزي.

أما مالي، فتتمتع بإمكانات تعدين استثنائية، ووفقاً لبنك فرنسا، تمتلك البلاد ما يقارب مليون كيلومتر مربع من الأحواض الرسوبية الغنية ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة باحتوائها النفط والغاز والفحم الحجري، وتضم احتياطات مهمة من الغاز واليورانيوم، وأكثر من ملياري طن من احتياطات خام الحديد، واحتياطات من البوكسيت التي تقدر بـ1.2 مليار طن، واحتياطات من المنغنيز تزيد على 20 مليون طن مع إنتاج 45.9 طن من الذهب، مما عزز مكانتها كثالث منتج أفريقي للمعدن الأصفر، بعد جنوب أفريقيا وغانا.

تجاذبات وفاتورة باهظة

اعتبر متخصصون أن هذه الانقلابات تأتي للسيطرة على قطاعات مربحة مثل الطاقة والمعادن سواء كانت من أطراف داخلية أو قوى خارجية، وتظل تهديداً لتدفق الاستثمارات على القارة برمتها، وبخاصة بلدان جنوب الصحراء بسبب الاضطرابات، وتستمر حالة عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد أي جهد لتحقيق التنمية الاقتصادية كما يتطلب تأقلم الاقتصادات المجاورة بالقارة أو بأوروبا الشريك الاقتصادي الرئيس.

ويرى المتخصص في الشأن الاقتصادي محمد الناير أن توالي الانقلابات في أفريقيا نتاج طبيعي للتجاذبات السياسية التي تعكس محاولات الهيمنة على القارة المستنزفة من بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ممن يحاولون الحفاظ على امتيازاتهم من طريق التدخل في الشؤون الداخلية، مما يغذي التجاذبات المذكورة وفشل تركيز السلم الاجتماعي.

وفتح الطريق اليوم للصين باستحواذها في السنوات الأخيرة على جزء كبير من الاستثمارات بأفريقيا، في وقت يحاول فيه الشريك التقليدي، أوروبا وكندا والولايات المتحدة، معالجة القضية بمنح أفريقيا مقعداً دائماً بـ"مجموعة الـ20" استشعاراً لأخطار فقدان نفوذهم في القارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتنعكس هذه الانقلابات العسكرية سلباً على واقع التنمية، وتؤثر في الاستثمارات بحكم متطلبات المستثمرين المرتكزة على حكومات مستقرة ومستدامة وقوانين ثابتة، كما ترمي بظلالها على إمدادات الطاقة في العالم باعتبار أن أفريقيا مصدر مهم للطاقة ولا تقتصر على النفط، بل تتجاوزه إلى اليورانيوم، فيما استبعد الناير توقف الإنتاج في هذا الصدد، لكن استقرار السوق العالمية للنفط والمعادن يبقى مشروطاً باستقرار شركات وبلدان معلومة مثل فرنسا المستفيد الأكبر.

وحذر وزير الاقتصاد السابق بموريتانيا، محمد ولد العابد من تدهور علاقات الدول التي شهدت انقلابات عسكرية مع المنظمات المانحة. وقال إنه "معلوم أن جل المانحين يعارضون الاستيلاء على السلطة بالقوة، ونرى اليوم الممولين وكل هيئات التمويل المباشر تغادر وتعلق تعاونها مثل البنك الدولي وصندوق النقد والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الآسيوي للاستثمار، من ثم تصبح هذه البلدان غير مستفيدة من القروض والمنح التي منحت لها قبل الانقلاب، ويترتب عن ذلك أزمة مالية نتيجة عدم توفر الموارد الضرورية لتمويل المشاريع والموازنة، كما يترتب عن الانقلابات العزوف عن الاستثمارات، ورأينا في هذه البلدان جل المستثمرين إما تراجعوا عن استثمارات قاموا بها لاستغلال مواد طبيعية أو استثمارات سابقة في هذه البلدان قلصوا من حجمها أو تنازلوا عنها لصالح مستثمرين محليين، حتى وإن تكبدوا خسائر كبيرة، من ثم تراجع أهم مقدرات النمو".

المزيد من تقارير