Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تباطؤ الاقتصاد الصيني يثقل كاهل التنمية في أفريقيا

تعد بكين أكبر شريك تجاري لبلدان جنوب الصحراء وتملك 17 في المئة من الدين الخارجي للمنطقة

معظم الديون الصينية مستحقة على أنغولا والكاميرون وكينيا ونيجيريا وزامبيا (أ ف ب)

ملخص

انخفاض النمو في الصين نقطة مئوية واحدة من الممكن أن يؤدي إلى تراجع متوسط النمو في المنطقة 0.25 نقطة مئوية

في ما يشبه تأثير الدينامو، لا يبدو التباطؤ الاقتصادي في الصين مؤلماً لبكين وحدها، إذ سيظل على الأرجح يلقي بتبعات غير محمودة على عديد من الدول التي تعتمد على الاستدانة من ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومن عديد هذه البلدان تأتي منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا في صدارة القائمة.

ويخلص تقرير حديث لأربعة من الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي إلى أن الارتباط الاقتصادي للصين مع تلك المنطقة يجعل الأخيرة في تأثر شديد، بخاصة في النمو والتجارة والاستثمار، بعد 20 عاماً، أقامت خلالها بكين علاقات اقتصادية رصينة مع دول منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، مما يجعلها أكبر شريك تجاري منفرد لدولة في المنطقة، فتشتري الصين خمس صادرات المنطقة من المعادن والوقود، وتوفر في المقابل غالب السلع المصنعة والآلات التي تستوردها البلدان الأفريقية.

ويرى كل من هاني عبداللطيف وينجي تشين وميشيل فورنينو وهنري رولينغز أن خفض معدل النمو في الصين بمقدار نقطة مئوية واحدة من الممكن أن يؤدي إلى تراجع متوسط النمو في المنطقة بنحو 0.25 نقطة مئوية في غضون عام واحد، وبالنسبة إلى البلدان المصدرة للنفط، مثل أنغولا ونيجيريا، فقد تصل الخسارة إلى 0.5 نقطة مئوية في المتوسط.

تبعات اقتصادية

وتمتد التأثيرات المتتابعة لتباطؤ الاقتصاد الصيني إلى الإقراض السيادي لدول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، الذي انخفض إلى أقل من مليار دولار في العام الماضي، وهو أدنى مستوى منذ ما يقارب عقدين من الزمن، ويمثل هذا التخفيض تحولاً بعيداً من تمويل البنية التحتية الكبيرة، إذ يعاني عديد من البلدان الأفريقية تصاعد الدين العام.

وارتفعت القروض الصينية للمنطقة بسرعة في العقد الأول من القرن الـ21، إذ قفزت حصة البلاد من إجمالي الدين العام الخارجي لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من أقل من اثنين في المئة قبل عام 2005 إلى 17 في المئة بحلول عام 2021، وهذا يجعل الصين أكبر مقرض رسمي ثنائي لدول المنطقة، ومع ذلك فإن حصة الديون المستحقة للصين لا تزال صغيرة نسبياً، إذ تقل قليلاً عن ستة في المئة من إجمالي الدين العام للمنطقة، ومعظمها مستحق على خمس دول هي أنغولا والكاميرون وكينيا ونيجيريا وزامبيا.

ومع تزايد التفتت الجغرافي الاقتصادي ستحتاج بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى التكيف مع تباطؤ النمو في الصين وتراجع المشاركة الاقتصادية من خلال بناء القدرة على الصمود من خلال زيادة التجارة بين البلدان الأفريقية وإعادة بناء الهوامش الوقائية، بما في ذلك من خلال إصلاحات السياسة الضريبية وتحسين إدارة الإيرادات، وفق التقرير، إضافة إلى أن الجهود المبذولة لتنويع الاقتصادات الأفريقية أمر حيوي للحفاظ على النمو في المستقبل، علاوة على أن الطلب القوي على المعادن التي تدعم تطوير الطاقة المتجددة يمكن أن يوفر فرصة للبلدان لإقامة علاقات تجارية جديدة وتطوير مزيد من قدرات المعالجة المحلية، وبوسع البلدان الأفريقية أن تعمل على تحسين قدرتها التنافسية من خلال خلق بيئة أعمال مواتية، والاستثمار في البنية الأساسية، وتعميق الأسواق المالية المحلية.

الخاسر الأكبر

تقرير "الصندوق" جاء بعد توقعات مماثلة في مايو (أيار) الماضي للمؤسسة العالمية رأت فيها أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا قد تكون الخاسر الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمركزان حول الصين أو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي هذا السيناريو القاسي يمكن أن تشهد اقتصادات منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا انخفاضاً دائماً يصل إلى أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بعد 10 أعوام، وهي خسائر أكبر مما شهده عديد من البلدان خلال الأزمة المالية العالمية في 2008.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الماضي استفادت المنطقة من التحالفات الاقتصادية والتجارية مع شركاء اقتصاديين جدد، بخاصة الصين، ولكن هذه التحالفات جعلت البلدان التي تعتمد على واردات الغذاء والطاقة أكثر عرضة للصدمات العالمية، بما في ذلك الاضطرابات الناجمة عن زيادة القيود التجارية في أعقاب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وإذا تصاعدت التوترات الجيوسياسية، قد تتعرض البلدان لارتفاع أسعار الواردات أو حتى تفقد إمكانية الوصول إلى أسواق التصدير الرئيسة، وقد يتأثر نحو نصف قيمة التجارة الدولية في المنطقة.

ومن الممكن أن تتفاقم الخسائر إذا انقطعت تدفقات رأس المال بين التكتلات التجارية بسبب التوترات الجيوسياسية، وقد تخسر المنطقة ما يقدر بنحو 10 مليارات دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات المساعدة الإنمائية الرسمية، وهو ما يمثل نحو نصف في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً (استناداً إلى متوسط تقديرات الفترة 2017-2019)، ومن الممكن أيضاً أن يؤدي خفض الاستثمار الأجنبي المباشر على المدى الطويل إلى إعاقة نقل التكنولوجيا التي تشتد الحاجة إليها، وبالنسبة إلى البلدان التي تتطلع إلى إعادة هيكلة ديونها، فإن تعميق التجزئة الاقتصادية يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تفاقم مشكلات التنسيق بين الدائنين.

ولا تزال بلدان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا خارجة من جائحة "كوفيد-19" وقد تضررت من تباطؤ الاقتصاد العالمي، والتضخم في جميع أنحاء العالم، وارتفاع كلف الاقتراض، وأزمة كلفة المعيشة، وفي كثير من الحالات، لا يزال التضخم مرتفعاً للغاية، وتبقى كلف الاقتراض مرتفعة، وتستمر ضغوط أسعار الصرف، ويشكل عدم الاستقرار السياسي مصدر قلق مستمر، ولضمان أن يكون الانتعاش القادم أكثر من مجرد لحظة عابرة، من المهم أن تحترس السلطات من أي تخفيف سابق لأوانه لسياسات تحقيق الاستقرار، مع التركيز أيضاً على الإصلاحات لاستعادة الأرض المفقودة من الأزمة المستمرة منذ أربع سنوات، وكذلك لخلق مساحة جديدة لتلبية الحاجات التنموية الملحة في المنطقة، وفق تقرير "الصندوق".