Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقابر الغرباء في لبنان... من يملك كلفة "المثوى الأخير"؟

يفشل كثر في تأمين سعر قطعة الأرض لحفر قبر

يشكل القبر عبئاً إضافياً على موازنة كثير من العائلات (اندبندنت عربية)

ملخص

يشكل تأمين القبر عبئاً كبيراً على أهالي المتوفين في لبنان فيما تبرز ظاهرة "مقابر الغرباء" لدفن المقيمين غير اللبنانيين

تنسحب هموم اللبناني على "أكلاف الموت"، ويشكل تأمين "القبر" عبئاً كبيراً على كاهل المواطنين والمقيمين الأجانب على حد سواء مع بلوغ المقابر الكبرى "مرحلة الإشباع القصوى" و"التخمة". في المقابل تنتشر "مقابر الغرباء" في أكثر من منطقة لبنانية، وهذه المقابر التي ظهرت في حقبة معينة لضرورات اجتماعية وثقافية اتسع نطاقها مع موجات اللجوء الفلسطيني، ومن ثم النزوح السوري على مستوى البلاد بأسرها.

عبء القبر

"في لبنان، لا قبور للفقراء والغرباء"، يختصر سامر بهذه العبارة رحلة البحث عن قبر لجارته الستينية التي عاشت العمر وحيدة، ولم تدخر المال الكافي لشراء قبر في آخرتها، قبل أن تتوفى جراء ذبحة قلبية مفاجئة. ويروي الشاب "بعد الوفاة، بدأت رحلة البحث عن قبر لها. فهي لا تملك قبراً سابقاً لأحد أفراد عائلتها في هذه القرية، التي اعتاد أهلها على فتح قبور الآباء لوضع جثث الأبناء"، مضيفاً "أجرينا اتصالات مع كل وجهاء القرية، ولكن كان الجواب أنه لا توجد مساحات إضافية في المقبرة، أو أن المساحة المتبقية متروكة للأحوال الطارئة جداً، ولكن جاء الحل بتنازل أحد أفراد القرية عن مساحة مخصصة لعائلته".

تزداد الأعباء في المدن الكبرى حيث تحتاج العائلة إلى إنفاق ثروة ثمناً للقبر الجديد. وتتكرس الفروق الطبقية بين أغنياء قادرين على شراء القبور، وفقراء قاصرين عن ذلك. من هنا يفضل كثر الانتقال إلى مسقط رؤوسهم في القرى البعيدة، أي في الجنوب أو عكار شمالاً أو البقاع.

يقول الشاب علي المنحدر من إحدى القرى الجنوبية "لا مشكلة لدى أبناء القرى لأن هناك تؤمن البلديات والأوقاف مقابر لأبنائها والمنحدرين منها، لكن هناك عبئاً مالياً على المقيمين الذين يقررون الدفن في روضة الشهيدين (التابعة للطائفة الشيعية في قضاء بعبدا)، أو جبانة الشهداء (التابعة للوقف السني في بيروت)"، ويضيف "كما نعلم في بيروت تدفع العائلات مبالغ قد تساوي آلاف الدولارات لشراء بعض الأمتار من الأرض لدفن جثث أقاربهم".

مقابر الغرباء تتوسع

تضم مدينة طرابلس شمالاً أكبر مقابر الغرباء في لبنان، التي احتضنت عبر التاريخ الحديث جثامين الآلاف من الوافدين والمقيمين. ارتبطت إقامة المقبرة مع تحول المدينة إلى وجهة تجارية وسياسية مهمة في بلاد الشام. ويعيد رئيس دائرة الأوقاف الإسلامية السابق الشيخ عبدالرزاق إسلامبولي إنشاءها إلى الحقبة العثمانية، عندما خصصت قطعة أرض كبيرة لجعلها مقبرة للغرباء عن طرابلس التي كانت عاصمة ولاية الساحل الشرقي للبحر المتوسط التي تمتد من شمال اللاذقية في سوريا إلى الناصرة وحيفا جنوباً. ويؤكد إسلامبولي "في طرابلس 10 مقابر، وتعتبر مقبرة الغرباء أكبر المقابر القديمة على الإطلاق. وقد تبدل شكلها عبر التاريخ، حيث اقتطعت الأوقاف قطعة منها لبناء مسجد التقوى، وكذلك أقيم الملعب البلدي القديم على قطعة منها، كما خصصت قطعة لإنشاء مركز لتجميع النفايات الصلبة لبيعها بالمزاد أو فرشها في بساتين طرابلس كسماد عضوي". ويضيف "أقيمت فيها مقبرة الخشخاشة، التي تعتبر مقبرة تحت الأرض، ويدفن فيها كثير من الناس، مجهولي الهوية والإقامة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تطورت المقبرة مع مرور الزمن، فخصصت فيها مقابر لبعض العائلات المهاجرة التي انتمت إلى طرابلس بفعل قدومها إلى المدينة في العهد العثماني وما يليه، كما احتضنت مقابر الطائفة العلوية قبل إقامة "مقبرة الزهراء" في جبل محسن، وكذلك الأكراد. ومن ثم أنشئت "ثانوية الغرباء" على أرض الملعب القديم، وكذلك "جامع التقوى" ومجموعة من المحال المؤجرة والمستودعات. ويعبر إسلامبولي عن أسفه لاتساع نطاق المخالفات على أراض تابعة للمقبرة، إذ "تعرضت للاحتلال من قبل قادمين من القرى للعمل، فأقاموا التخشيبات ومساكن شعبية داخلها لعدم الاستئجار في المدينة".

ويؤكد إسلامبولي أنه "أمام امتلاء المقابر أقامت دائرة الأوقاف الإسلامية مقبرة جديدة في منطقة محاذية لبلدة بكفتين مقابل أبي سمراء، لتكون بديلة عن كل مقابر طرابلس القديمة". في المقابل يشير إلى "فتوى تسمح بإعادة استخدام القبر بعد ثلاث سنوات من آخر مرة استعمل فيها، بعد التأكد من فناء الجثة. وفي هذه الحالة تدفن العظام إلى الجانب، ويوضع أحد أفراد العائلة المباشرين". ويوضح إسلامبولي أن "الأوقاف حددت رسماً لقاء أعمال الدفن من أجل تغطية أجور العمال وكلف تأمين الشطايح ومواد البناء"، لافتاً إلى أنه "لا وجود لشراء القبور في بلادنا، وإنما هناك بدل استخدام على طول الزمان، وينزل الأقارب في القبر نفسه بسبب قلة المساحات المتاحة".

مقابر الغرباء للسوريين

يشكل السوريون الشريحة الكبرى من "الغرباء" في لبنان. يفضل الأكثرية منهم دفن المتوفين في لبنان، نظراً إلى تعقيد إجراءات نقل الجثامين إلى سوريا، وكلفتها الباهظة، وضرورة تنسيقها مع جهاز الأمن العام. لذلك تولت الهيئات الإغاثية مهمة إنشاء مقابر مركزية لهم في بعض المناطق. يشير حسام الغالي، المسؤول في اتحاد الهيئات الإغاثية، إلى إنشاء مقبرة لاجئين في عرسال الواقعة على الحدود مع سوريا على أرض قدمها أحد المحسنين، كما اشترت الهيئات مقبرة في البقاع الأوسط، ولكن بعد امتلائها اشترت أرضاً أخرى. ويضيف الغالي "اشترينا 6 آلاف متر في عكار، وأقمنا مقبرة خاصة بها، وقد امتلأ نصفها"، كما اشترت الهيئة "أرضاً بمساحة ألف متر في إقليم الخروب ضمن منطقة داريا (محافظة جبل لبنان)، وهي تشكل امتداداً للمقابر التقليدية للبلدة"، كاشفاً عن وجود مشكلة حقيقية في بيروت وصيدا، حيث ترسل الجثث عادة إلى الشمال لتدفن في مقابر الغرباء.

يتحدث الغالي عن طلب بعض أصحاب الأراضي "أسعاراً هستيرية" فتشعر "الهيئات بوجود شيء من الطمع"، كما تتخذ الهيئات إجراءات للحيلولة دون أي اعتراض مستقبلي من قبل أهالي القرى على إنشاء المقابر. ففي عكار مثلاً، حصل الاتحاد على موافقة خطية من البلدية، والمخاتير، ولجنة مؤلفة من 20 شخصية قبل افتتاح المقبرة. ويلفت الغالي إلى أن الهيئات أمنت الأراضي وجهزتها، فيما يترك للأهل تحمل كلف التكفين والدفن والحفر.

مقابر خاصة داخل القرى

بعض القرى قررت احتضان المتوفين أياً كانت انتماءاتهم. في بلدة السنديانة – عكار، خصصت مقبرة للسوريين إلى جانب مقبرة أبناء البلدة، كما يمنحون الحرية في إقامة مراسم العزاء في القاعات العامة، هذا الأمر يتكرر في كاتران – قضاء الضنية، حيث أقيمت مقبرة للسوريين مع تزايد أعداد الوفيات وتجاوزها أولئك المقيمين في القرية، إذ تستقدم إليها جثامين من القلمون وزغرتا وطرابلس بسبب وجود أقارب لهم.

في المقابل على الضفة الفلسطينية شارفت "المقبرة القديمة" على الامتلاء، وهي المخصصة لدفن الفلسطينيين المقيمين في محافظة شمال لبنان. لذلك تنتشر تقنية دفن أكثر من شخص في القبر الواحد، وتقدر كلفة القبر داخل المخيم بـ75 دولاراً أميركياً. ومنذ خمسة أشهر تشكلت لجنة لشراء قطعة أرض لاستخدامها كمقبرة، ولكنها لم توفق في جهودها بسبب الظروف الراهنة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير