Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدة التاريخية تجمع الإبداع والثقافة في "بلد الفن"

يهدف إلى تعزيزها كوجهة سياحية وثقافية واقتصادية تحت شعار "العودة إلى الأمام"

تهدف مبادرة جدة "بلد الفن" للفنون والثقافة لتعزيز مدينة جدة كوجهة سياحية وثقافية واقتصادية (اندبندنت عربية)

ملخص

ماذا يتضمن برنامج جدة "بلد الفن" وما هي أبرز فعالياته؟

تقول الأسطورة إن أمنا حواء عندما هبطت من السماء إلى الأرض، هبطت في مدينة جدة بالسعودية، وبدأت هناك حكايتها الأرضية، وفي أرض جدة دُفنت، وعندما تزور جدة يعود بك الحنين للجذور، حيث موطن جدّة أهل الأرض جميعهم، ومن هنا جاء اسم "جدة"، تلك المدينة التي يعود تاريخ تأسيسها لحوالى ثلاثة آلاف عام مضت، عندما استقر الصيادون فيها.

وتستقبل المدينة منذ السابع من ديسمبر (كانون الأول) الماضي وحتى التاسع من مارس (آذار) المقبل، وفوداً إعلامية وثقافية وزواراً من أنحاء العالم كافة للتعرف إلى جدة التاريخية، المدينة التي تجمع بين التاريخ والحضارة والاحتشام والحداثة في أبهى صورها، وذلك ما عبرت عنه فعاليات جدة "بلد الفن".

جدة "بلد الفن"

خلال الفترة الممتدة من الثاني إلى السادس من فبراير (شباط) الجاري، لبّت "اندبندنت عربية" ضمن وفد إعلامي ضم صحافيين من البلدان العربية والأوروبية ومن الولايات المتحدة والصين، دعوة "جدة الثقافية" للاطلاع على بعض من برنامج وفعاليات مبادرة جدة "بلد الفن" للفنون والثقافة، ويأتي البرنامج في إطار مشروع لتعزيز مدينة جدة كوجهة سياحية وثقافية واقتصادية وتحت شعار "العودة إلى الأمام" والذي يهدف إلى إحياء الأهمية التاريخية لجدة البلد، بمشاركة كل من المعهد الملكي للفنون التقليدية و"زاوية 97" وصوت البلد وشركاء البلد من مؤسسات وشركات ومحال تجارية وتنظيم جمعية "أثر" الأهلية.

ويجمع "بلد الفن" سبعة تيارات من المحتوى الفني باعتبارها الركائز الأساسية لبرمجة الحدث، وهي الموسيقى والفنون البصرية والفنون المسرحية والطهي والحرف اليدوية والسينما والتصميم.

وتتنقل تلك الفعاليات في رحلة بين الماضي العريق والحاضر الجميل والمستقبل المشرق، لتقدم مشهداً ثقافياً مميزاً في إطار الرؤية ‫السعودية المستقبلية من خلال لغة عالمية إنسانية لا تحتاج إلى ترجمة، مثل الموسيقى والمسرح والرسم والنحت داخل أحياء جدة القديمة التي تضم بيوتاً تراثية تعبق بالحضارة والتاريخ، وذكريات لأناس عاشوا هناك تتلمسها وأنت تتجول في أحياء جميلة هادئة، متزوداً بالسلام والسكينة.

ومن أبرز البرامج والفعاليات في "بلد الفن"، "معرض سندباد" الذي يحمل شعار "إني أرى اليابسة" (I Can See Land) والذي يستلهم روحيته من الرحلات والسفر في عرض مبهر، يتجاوز الحدود الجغرافية واللغوية في إطار الحفاظ على الهوية والميزة الفردية، ونجد أيضاً معرض "شيء ما سيكون" وفعاليات "المدن الحارة" و"شارع المعلقات" و"سوق البدو" و"ناس البلد"، إضافة إلى عرض سلسلة من المجسمات الفنية.

وتقول مديرة مشروع "بلد الفن" إيمان حسن محرق لـ"اندبندنت عربية" إن "المهرجان يهدف إلى تسليط الضوء على منطقة جدة التاريخية وتعريف الزوار بها وبما تحتويه من معالم وإرث تاريخي كبير بغية المحافظة عليها وإعادة إحياء عادات وتقاليد أهلها، إضافة إلى جعلها مزاراً لأهالي وزوار عروس البحر الأحمر. وأسهم مهرجان جدة التاريخية بصورة كبيرة في تعزيز ملف انضمام جدة التاريخية إلى منظمة ’يونيسكو‘ وتسجيلها كموقع تراث عالمي يجدر الاهتمام به والمحافظة على تاريخه".


جدة التاريخية "حي البلد"

ما يميز جدة التاريخية أو "البلد"، المساحة الشاسعة التي تسمح لزوارها ولأهل البلد بالتنزه مشياً على الأقدام والتمتع بالبيوت التراثية التي تتميز بهندسة خاصة وشرفات يطلق عليها اسم "رواشين"، وهي النوافذ أو الشرفات البارزة المصنوعة من ألواح الخشب لتغطية الفتحات الخارجية في المنازل، وإحدى سمات الطراز المعماري الحجازي القديم، إذ نحتت على طريقة فن "الأرابيسك"، وهو عبارة عن أنماط ونماذج هندسية معقدة تخرج في هيئة زخارف متشابكة ومتداخلة ومتقاطعة.

ولعل أجمل ما يمكن زيارته هي تلك الأحياء القديمة التي تضم بيوتاً ما زالت تدعى باسم مالكيها الأوائل، ومن أشهر وأقدم المباني الموجودة حتى الآن "دار آل ناصيف" و"دار آل جمجوم" فـي حارة اليمن، و"دار آل باعشن" و"دار آل شيخ" و"دار آل قابل" و"دار قمصاني" والمسجد الشافعي فـي حارة المظلوم، و"دار آل باناجة" و"دار آل الزاهد" فـي حارة الشام، و"دار آل النمر" في حارة البحر. ويتألف بعضها من أربعة إلى خمسة طوابق ويصل ارتفاعها إلى أكثر من 30 متراً، وكانت منظمة "يونيسكو" صنفت جدة التاريخية ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، نظراً إلى ما تحويه من معالم وآثار في يونيو (حزيران) 2014، واللافت هو ازدهار ثقافة المقاهي في شوارع "البلد" خلال الأعوام الأخيرة، مما يعطي حياة لتلك الأزقة ويضفي رونقاً وجاذبية للسواح والمستكشفين، وهنا تشير المرشدة السياحية منى أبو سليمان التي رافقتنا بشرح جذاب وأنيق باللغتين العربية والإنجليزية، إلى ركن صغير ما زال يحافظ على هويته الذكورية ويسمى "المركاز".

المشهد الثقافي للسعودية

من جهتها، تشير محرق إلى أنه من خلال اللغة العالمية للفن، يسعى البرنامج إلى تعزيز المشهد الثقافي للسعودية وتقديم تجارب حسية فريدة عبر زيادة الوعي وحضّ الزوار على زيارة جدة التاريخية من خلال تقديم أشكال الفنون، إذ سيقدم "بلد الفن" أربعة معارض فنية وبرامـج موسيقية وعروضاً مسرحية متنوعة، إضافة إلى مـجموعة من المطاعم المحلية والزيارات المدرسية لإثراء الطلبة بالمحتوى الفني".

والحقيقة أن فعاليات جدة كانت انطلقت منذ أعوام، جامعة بين العراقة والأصالة والحداثة، وعن ذلك تقول محرق إنه "منذ بدايتها صممت مدينة جدة لتكون تحفة فنية، بحيث تحوي كل شوارع جدة تماثيل لفنانين عالميين من كل مكان، ووجودها على البحر يجعل منها مدينة في منتهى الجمال، ويتلاقى هذا مع رؤية السعودية، إذ ستكون كل المملكة نقطة التقاء للعالم وجسر عبور بين الشرق والغرب، مما يدفع العالم أجمع للإشارة إلى التطور الذي تشهده وعلى المستويات كافة"، لتستدرك أنه "نظراً إلى كثرة وسرعة التغيير والتطور، أنا نفسي أعيش في البلد وأتفاجأ يومياً بأمور جديدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"العودة إلى الأمام"

أما عن اختيار عنوان "بلد الفن"، فتلفت محرق إلى أن "المبادرة هي في الأساس مبادرة فنية واستخدمنا شعار بلد الفن لأن الفعاليات تجري في البلد، والغاية والهدف من وراء المبادرة تكريس الهوية الوطنية ولفت انتباه الفنانين والعقول المبدعة إلى أن جدة التاريخية هي بيئة ملهمة والمكان الطبيعي للفنانين والعقول المبدعة، كي يجعلوا من البلد مقراً لأعمالهم وأفكارهم الإبداعية والفنية".

وتتابع أنه "من هنا تقام فعاليات ’بلد الفن‘ تحت شعار ’العودة إلى الأمام‘، وهي تعني أنه كي نتقدم يجب علينا التمسك بجذورنا القوية، نحن نعيد النظر إلى هذه الجذور سواء اللغوية أو الفنية أو الثقافية لأن للمملكة تاريخاً عميقاً جداً، ونحن نسعى إلى لفت الانتباه لعمق هذا التاريخ لأنه كلما تجذرت الشجرة زاد نموها، إذاً شعار العودة إلى الأمام يعني أن علينا أن نغرس أنفسنا أكثر في ثقافتنا وتاريخنا".

"حي جميل"

ولا بد لمتذوقي الفن المعاصر من زيارة "حي جميل" الذي افتتحته مؤسسة "فن جميل" في ديسمبر (كانون الأول) 2021، ويعد أول مجمع إبداعي من نوعه، وفقاً لموقعه على الإنترنت، ويهدف إلى أن يكون مركزاً مجتمعياً معنياً بالصناعات الإبداعية، يتماشى مع حقبة جديدة من الحياة الثقافية في السعودية.

ويهدف "حي جميل"، المجمع الإبداعي المقام على مساحة 17 ألف متر مربع، إلى أن يكون وجهة مجتمعية في مدينة جدة لباقة عريضة من التخصصات الإبداعية في مكان واحد، ويتكون من أربع مساحات تُدار وتُشغَّل من قبل "فن جميل"، إضافة إلى "فناء حي" وهو مساحة متعددة الأغراض للعروض وورش العمل والمحاضرات. ومن المرافق التي يضمها مجمع "حي جميل"، "استوديو حي"، وهي مساحات إنتاج ومرافق للتعلم التطبيقي والإقامات الفنية، و"سينما حي" وهي أول دار سينما مستقلة في المملكة، وتضم قاعة تتسع لمئتي مقعد. وما يلفت الانتباه خلال زيارة "حي جميل" هو معرض للموسيقار العربي الراحل فريد الأطرش مع ملصقات الأفلام التي شارك فيها، وعرض لعوده الخاص ضمن سلسلة معارض لفنانين مبدعين.

ولمحبي الفن المعاصر لا بد من التوقف عند التجربة الفنية التي يقدمها معرض "أثر غاليري" الذي يسعى إلى تقديم مشهد فني معاصر عبر عرضه لمجموعة من الأعمال لأبرز الفنانين السعوديين والعرب والعالميين.

"باسموكا" أول متحف افتراضي في العالم

وخلال الجولات الكثيرة التي قمنا بها في جدة ضمن المدة الزمنية القصيرة التي لا يمكن أن توفي المدينة حقها، كان لا بد من زيارة بيت الفنانة السعودية بسمة السليمان، إحدى أهم هواة ومقتني وجامعي الأعمال الفنية ورعاة الفنون في الشرق الأوسط، ومؤسِسة أول متحف افتراضي في العالم، "باسموكا"، وبيت الفنانة السعودية هو عبارة عن معرض دائم لأعمال فنانين سعوديين وعرب، وعالميين، وتقدم لك بنفسها قصة تلك الأعمال ورحلتها حتى وصلت إلى جدران منزلها وزواياه.

وتتحدث السليمان إلى "اندبندنت عربية" عن بداية رحلتها منذ التسعينيات، وكان ذلك عبر اقتنائها أعمالاً على المستوى الشخصي، وتتابع أنه "منذ وفاة ابني عام 2012، سعيت إلى تخليد ذكراه عبر إهداء مجموعتي إليه ’ما يبقى في الأعماق‘. ومن ضمن ذلك إعارة أعمال فنية أو التبرع بها لمتاحف عالمية، فتبرعت بمجسم ’غذاء للفكر‘ للفنانة مها الملوح للمجموعة الدائمة بمتحف الفنون التطبيقية في فيينا، وأحد أعمال الفيديو للفنان أحمد ماطر لمتحف متروبوليتان للفنون بنيويورك"، وأيضاً تبرعت لمعهد سميثونيان ومتحف مقاطعة لوس أنجليس للفنون والمتحف البريطاني وغيرها.

 


وتعد بسمة السليمان من الأعضاء المؤسسين للمجلس الفني السعودي، وتفتخر بأنها كانت المبادِرة إلى إنشاء حديقة المجسمات في مدينة جدة بالهواء الطلق، وتعتبر أول امرأة سعودية تمنحها الحكومة السعودية جائزة لدورها الفاعل وجهودها في مجال الفنون والثقافة، وتحاول جمع الأعمال الفنية المعاصرة العالمية والشرق أوسطية على حد سواء، مع التركيز على أعمال الفنانين السعوديين.

وتقول الفنانة السعودية المقيمة في لندن التي جالت على بلدان عدة وقضت فترة من الزمن في الصين والهند، إن أمنيتها أن تحول بيتها إلى متحف دائم وإن هدفها الدائم كان "الحفاظ على إرث وهوية بلدها السعودية وحمايتهما"، فكانت تعمد إلى شراء أي عمل سعودي يُعرض في المزادات العلنية. وتشير إلى أول قطعة سعودية عُرضت في فيينا عام 2012 التي لم يشترِها أحد نظراً إلى كبر حجمها من ثمانية إلى 10 أمتار، وبعدما كانت السفارة الأميركية عازمة على شرائها، قررت السليمان شراءها لأنها أول قطعة سعودية تعرض في أحد معارض أوروبا، حيث عادت وعرضتها في العلا بعد أن كانت قد بقيت في المخزن لمدة 10 سنوات.

شغف الفنانة السعودية بالفن دفعها إلى تأسيس متحف "باسموكا" أو "متحف بسمة السليمان للفن المعاصر" عام 2011، وهو متحف افتراضي ويضم أعمالاً فنية لفنانين عالميين معاصرين من جميع أنحاء العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة والصين.

وتقول عن المتحف إنها أنشأته ليعرض أعمالاً فنية معاصرة، عبر عرضها على الإنترنت باستخدام تقنية العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد للجمهور وتقنية أخرى تسمى "بلس غيمينغ"، فاستطاعت جمع محبي الفن حول العالم، ومكنت الزوار من التفاعل مع بعضهم بعضاً ومع الفن في الفضاء الرقمي كصور شخصية رمزية، أو "آفاتارات".

والفنانة بسمة السليمان التي تجمعها مع كل قطعة فنية اقتنتها علاقة من نوع خاص، تستطيع أن تحدثك وبصورة دقيقة عن زمان ومناسبة اقتنائها لتلك القطعة، وتقول إن حماستها الكبرى هي لدعم وتشجيع جميع الفنانين السعوديين، خصوصاً الصاعدين منهم.

المزيد من فعاليات