Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أصبحت الدول الغنية مدمنة العمالة الرخيصة؟

تعتمد الشركات بصورة أكبر على المهاجرين لكن الاقتصاديين يحذرون من أخطار طويلة المدى

أصبحت الهجرة أعلى مرتين إلى 3 مرات من مستويات ما قبل الوباء بما في ذلك كندا وألمانيا وبريطانيا (أ ف ب)

ملخص

سيتقلص عدد السكان في سن العمل في الاتحاد الأوروبي بمقدار الخمس حتى عام 2050

مع وصول الهجرة إلى مستويات قياسية في جميع أنحاء العالم ينشأ جدل بين الاقتصاديين حول ما إذا كانت بعض الصناعات أصبحت اليوم تعتمد بصورة مفرطة على العمالة الأجنبية. ويقول عديد من أصحاب الأعمال إن جلب العمال الأجانب ذوي المهارات المتدنية أصبح ضرورياً، مع تقدم السكان في السن وتقلص القوى العاملة.

وفي ريف ولاية ويسكونسن الأميركية، يقول جون روزناو، إنه من المستحيل العثور على سكان محليين للعمل في مزرعة الألبان، وهو يعتمد على 13 مهاجراً مكسيكياً، بعد أن كانوا ثمانية إلى 10 عمال قبل عقد من الزمن، ومكنه ذلك من تجنب القيام باستثمارات مكلفة في الروبوتات التي يمكن أن تساعد في حلب الأبقار، كما فعل بعض مزارعي الألبان الآخرين.

ويقول روزناو، "لدينا أشخاص جيدون حقاً، وفي ما يتعلق بالعمالة المهاجرة، إذا كنت أرغب في مضاعفة العمالة، فيمكنني إنجاز ذلك في غضون أسبوع"، ولكن بالنسبة لبعض الاقتصاديين، فإن الاعتماد على استيراد العمال يقترب من مستويات غير صحية في بعض الأماكن، مما يخنق نمو الإنتاجية، ويساعد الشركات على تأخير البحث عن حلول أكثر استدامة لنقص العمالة.

ويقول هؤلاء الاقتصاديون إن هذه الحلول يمكن أن تشمل استثمارات أكبر في الأتمتة، أو عمليات إعادة هيكلة أكثر جذرية مثل إغلاق الشركات، وهي إجراءات مؤلمة، لكنها قد تكون ضرورية على المدى الطويل.

وقال أستاذ دراسات الهجرة في فلورنسا بإيطاليا، مارتن روهس، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "بمجرد تنظيم الصناعة بطريقة معينة وتشجيع أصحاب العمل على توظيف المهاجرين، قد يكون من الصعب للغاية التراجع. في بعض الحالات، يجب على صناع السياسات أن يتساءلوا، هل هذا منطقي؟"، تساءل روهس، وهو أيضاً عضو سابق في اللجنة الاستشارية للهجرة في المملكة المتحدة، التي تقدم المشورة للحكومة البريطانية في شأن سياسة الهجرة.

ومن المرجح أن تزداد حدة المناقشة مع اقتراب المجتمعات الغربية من الهاوية الديموغرافية، فللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، يتقلص عدد السكان في سن العمل في مختلف الاقتصادات المتقدمة، وسيتقلص عدد السكان في سن العمل في الاتحاد الأوروبي بمقدار الخمس حتى عام 2050، وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة التأمين الألمانية "أليانز".

وهناك طرق لتعويض هذا الاتجاه، مثل تشجيع العمال الأكبر سناً على تأخير سن التقاعد، لكن استيراد العمالة الأجنبية غالباً ما يكون الخيار الأسهل، نظراً للمعروض من العمال المتاحين في أماكن مثل أميركا اللاتينية أو أفريقيا.

وتوفر الهجرة أيضاً اندفاعاً للنمو الاقتصادي، إذ يعمل المهاجرون على زيادة عدد السكان وإنفاق الأموال، حتى عندما يثير ذلك ردود فعل سلبية من الجماعات المحافظة، كما حدث في الولايات المتحدة وأوروبا.

وأصبحت الهجرة أعلى مرتين إلى ثلاث مرات من مستويات ما قبل الوباء عبر دول المقصد الرئيسة، بما في ذلك كندا وألمانيا وبريطانيا، وفي الولايات المتحدة، وصلت إلى 3.3 مليون مهاجر أكثر ممن غادروا العام الماضي، مقارنة بمتوسط ​​في العقد الأول من القرن الـ21 يبلغ نحو 900 ألف مهاجر، واليوم فإن ثلاثة أرباع عمال المزارع و30 في المئة من عمال البناء والتعدين في الولايات المتحدة هم من المهاجرين. وبصورة عامة، شكل المهاجرون 18 في المئة من القوى العاملة في الولايات المتحدة في عام 2021، مقارنة بـ16 في المئة قبل عقد من الزمن، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وعلى رغم الوعود على مدى عقود بالحد من الهجرة، شهدت بريطانيا طفرة في الهجرة منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي عام 2020، إذ تتدافع الشركات على الموظفين، فأكثر من 27 في المئة من ممرضات الخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا NHS هم اليوم من خارج البلاد، مقارنة بنحو 14 في المئة في عام 2013، وفي ألمانيا، فإن ما يقارب 80 في المئة من عمال المسالخ هم من المهاجرين، وفقاً لتقديرات النقابات.

سلبيات الاعتماد الزائد

وتشير بعض الأبحاث الاقتصادية إلى أن الاعتماد المتزايد على العمالة المستوردة ذات المهارات المنخفضة، يمكن أن يؤدي إلى إضعاف نمو الإنتاجية، وهو ما يحدد في النهاية مدى سرعة توسع الاقتصادات.

ووجدت دراسة أجريت عام 2022 في الدنمارك أن الشركات التي يسهل الوصول إليها من العمال المهاجرين، استثمرت بصورة أقل في الروبوتات، وتشير الأبحاث التي أجريت في أستراليا وكندا إلى أن المهاجرين قد يبقون الشركات الضعيفة على قيد الحياة، مما يؤثر في الإنتاجية الإجمالية.

وشهد نمو إنتاجية العمل تباطؤاً في الاقتصادات المتقدمة في السنوات الأخيرة، وفي قطاعات الزراعة في الولايات المتحدة وبريطانيا، ظلت الإنتاجية ثابتة لمدة عقد من الزمن أو أكثر. وفي اليابان وكوريا، اللتين تطبقان سياسات هجرة أكثر تقييداً، ارتفعت النسبة بنحو 1.5 في المئة سنوياً، وفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ويرى المحللون أن من الصعب إيجاد التوازن الصحيح بين السماح ببعض الهجرة، وهو ما قد يساعد في استعادة الديناميكية في البلدان التي تعاني الشيخوخة السكانية، وتجنب الاعتماد المفرط في عديد من الصناعات، فلا يوجد بديل واضح للعمال الأجانب.

وقد ترتفع المنتجات المصنوعة بأيدي العمالة المهاجرة، في حين أن الاستغناء عن هذه العمالة سيترك لكثير من الناس في البلدان الفقيرة خيارات أقل للسعي إلى حياة أفضل.

وتقول متخصصة الهجرة العالمية في جامعة "سيدني"، آنا باوتشر، إن بعض هجرة ذوي المهارات المنخفضة، ربما تكون ضرورية على المدى القصير بسبب نقص المهارات، فمن دونها ستتوقف بعض خدمات رعاية الأطفال في أستراليا وتموت الخضراوات في الحقول.

تدفق المهاجرين ذوي المهارات يرفع الإنتاجية

وتشير الأبحاث الاقتصادية إلى أن تدفق المهاجرين من ذوي المهارات العالية، مثل العلماء والمهندسين، من الممكن في الواقع أن يرفع إنتاجية الشركات، ويعزز أجور العمال المحليين وفرص العمل.

وينقسم الاقتصاديون بصورة أكبر عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين ذوي المهارات المنخفضة، إذ يمكن استبدال هؤلاء العمال بسهولة أكبر، بما في ذلك في الصناعات التي تبدو مرشحة غير محتملة للتشغيل الآلي.

وفي جمهورية التشيك، يستخدم بعض المزارعين الروبوتات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد وحصاد الفراولة، وطورت الشركة الإسرائيلية الناشئة "تيفيل إروبوتيكس تيكنولوجيز" طائرات من دون طيار لقطف الفاكهة، كما بدأت شركة "فيلد وورك روبوتيكس" وهي شركة بريطانية، أخيراً في بيع روبوتات قطف التوت، والتي يبلغ طولها ستة أقدام ولها أربع أذرع بلاستيكية.

وبالنسبة للحكومات، فإن متابعة الإصلاحات التي تعزز الإنتاجية وتسمح للشركات الأضعف بالموت أصعب بكثير من زيادة الهجرة، وفق ما يقول محلل الإنتاجية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، دان أندروز.

وقال المزارع والمسؤول في الاتحاد الوطني للمزارعين، وهي مجموعة تجارية، مارتن إيميت، "التكنولوجيا التي نهدف إليها تبعد عنا بنحو خمس سنوات، وكنا نقول ذلك قبل خمس سنوات. ربما سلكت بعض الدول الطريق السهل للخروج".

وعلى أمل تسريع الأتمتة في الزراعة، تضخ الحكومة البريطانية الأموال في التكنولوجيا الزراعية، وتدرس إلغاء القواعد التي تسمح للشركات بدفع أجور للعمال المهاجرين بنسبة 20 في المئة أقل من المعدل السائد للوظائف، مما أثار احتجاجات جماعات الضغط التابعة للمزارعين، إذ يقول هؤلاء إن المزارعين يتبنون التكنولوجيا بسرعة إذا كانت متاحة، لكن الروبوتات ليست جيدة في قطف الفاكهة والخضراوات.

ماليزيا وتجميد العمال الأجانب الجدد

وفي ماليزيا، أعلنت الحكومة العام الماضي تجميد توظيف العمال الأجانب الجدد، ويقول وزراء الحكومة إن الاعتماد المفرط على العمالة الأجنبية الرخيصة، خلق دورة ضارة تسمح للشركات بمقاومة الابتكار، وفق ما تقول الشركات المحلية إنها تحتاج إلى مزيد من الوقت للاستثمار في الأتمتة، ورفع مستوى مهارات العمال.

ومنذ ذلك الحين، سمح لبعض الصناعات، بما في ذلك التصنيع والمزارع، بتوظيف أجانب بعد الطعون، لكن التجميد الأوسع للعمال الأجانب لا يزال قائماً دون تاريخ انتهاء.

تدفق العمالة وتراجع الإنتاجية في كندا

وفي كندا، يقول الاقتصاديون إن الحكومة تخلت عن نظام الهجرة المدار بعناية، والذي أعطى الأولوية للعمال ذوي المهارات العالية، وزادت بصورة كبيرة من قبول الطلاب الأجانب وغيرهم من العمال الموقتين ذوي المهارات المنخفضة. ومن خلال إغراق السوق بالعمالة الرخيصة، ربما تدعم أوتاوا الشركات غير التنافسية وتلحق الضرر بالإنتاجية في نهاية المطاف، وفقاً لتقرير صدر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، شارك في كتابته محافظ البنك المركزي الكندي السابق ديفيد دودغ.

ويشير المحلل الاقتصادي في جامعة "واترلو" في أونتاريو، ميكال سكوتيرود، إلى أن الناتج الاقتصادي للفرد أقل مما كان عليه في عام 2018، بعد سنوات من الهجرة القياسية، ويقول إن كندا تجلب كثيراً من العمال ذوي المهارات المتدنية، مما يقلل من إنتاجية البلاد بصورة عامة.

انخفاض محال الجزارة إلى النصف في ألمانيا

وتحتدم المناقشات أيضاً في ألمانيا، إذ أصبحت الشركات، بما في ذلك محال الجزارة في سفوح الغابة السوداء (سلسلة جبال غابات كبيرة في ولاية بادن فورتمبيرغ في جنوب غربي ألمانيا)، أكثر اعتماداً على العمالة المستوردة.

وتقول الشركات المحلية إن الشباب لم يعودوا يرغبون في التدريب على مهنة الجزارة، لأنها عمل غير جذاب وأجره منخفض، فيما يعد نقص العمالة أحد الأسباب وراء انخفاض عدد محال الجزارة في البلاد إلى النصف تقريباً خلال العقدين الماضيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقبل ثلاث سنوات، بدأ المسؤول في الغرفة التجارية المحلية للحرف اليدوية، هانديرك فون أونغرن ستيرنبرغ، مشروعاً تجريبياً لتوظيف المتدربين على الجزارة في الهند، مستفيداً من التغيير في القانون الألماني الذي جعل من السهل توظيف العمال ذوي المهارات المنخفضة من الهند. وخارج الاتحاد الأوروبي وصلت الدفعة الأولى المكونة من 13 شاباً هندياً في سبتمبر (أيلول) 2022.

واليوم ينفجر الطلب، إذ يخطط فون أونغرن ستيرنبيرغ، لجلب ما يقارب 140 عاملاً هندياً هذا العام، ويقول إن هذا العدد قد يتضاعف ثلاث مرات في المستقبل.

ومن ميكانيكا السيارات إلى البناء، تطالب الشركات المحلية بمزيد من العمالة الهندية من الشباب، وتسعى غرف الحرف اليدوية في جميع أنحاء ألمانيا، من جبال الألب إلى بحر الشمال، إلى الحصول على مساعدتهم لبدء مشاريع مماثلة.

العمالة في مواجهة الروبوتات

وفي ولاية ويسكونسن، يقول مزارع الألبان، روزناو، إنه متشكك في آلات الحلب الآلية التي يعلن عنها في المجلات الزراعية. ويقول إن بعض الجيران جربوا الروبوتات، لكنهم عادوا إلى العمل البشري لأن الروبوتات، تحتاج باستمرار إلى الإصلاحات.

ويقول روزناو إن الروبوتات ستتكلف أيضاً ضعف كلفة العمال المهاجرين وستكون صيانتها مكلفة، أما بالنسبة للمهاجرين، فإن "العمل ليس عائقاً".

في حين لا يتفق مزارع الألبان من ولاية فيرمونت الأميركية، أونان ويتكومب مع هذا الرأي، ويقول إنه عندما أراد زيادة الإنتاج قرر عدم توظيف العمال المهاجرين، وبدلاً من ذلك أنفق 800 ألف دولار على أربعة روبوتات حلب هولندية الصنع.

ويقول إن إنتاج الحليب لكل بقرة زاد بنسبة 30 في المئة، وانخفض معدل الإصابة بالتهاب الضرع بنسبة 80 في المئة، مما يعني إنفاقاً أقل على المضادات الحيوية.