Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا والصين والغرب... خروج من ورطة اللاعدو

استيقظت أوروبا من النوم وليس أمراً قليل الدلالات أن تدفع الحرب الأوكرانية فنلندا والسويد إلى "الناتو"

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)

ملخص

ارتاحت أوروبا للعيش تحت المظلة النووية الأميركية والنوم على مخدة "الناتو" الذي تقدم واشنطن 75 في المئة من الإنفاق العسكري عليه حتى فوجئت بالحرب الروسية - الأوكرانية.

سياسة الصراعات والحروب ليست لعبة صفرية. لا أحد يحقق شيئاً من دون أن يحقق خصمه شيئاً في المقابل. ولا شيء يضمن أن تصح الحسابات المسبقة، ولا أن تدوم إذا صحت. والمثال الحي اليوم هو حرب أوكرانيا وما قادت وتقود إليه.

الرئيس فلاديمير بوتين استعاد بالقوة، بعد تمهيد نظري، بعض الدور العالمي الذي كان لروسيا أيام القياصرة ثم أيام السوفيات. وأوروبا استيقظت من وهم عاشت فيه منذ نهاية الحرب الباردة وصراع الجبارين، بحيث ردت على التحدي الروسي وفق "قانون" المؤرخ أرنولد تويني "التحدي والاستجابة".

أوروبا التي سماها دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي خلال غزو العراق وجنون المحافظين الجدد "القارة العجوز" عادت إلى الشباب. أوروبا التي وصفها المؤرخ بول جونسون بأنها "قارة مريضة". ورأى روبرت كاغان أنها "خرجت من التاريخ" ووضع في كتاب "الجنة والقوة" معادلة موجزها، "الأميركيون من المريخ، والأوروبيون من الزهرة" استعادت دورها التاريخي. ولم تتردد في دعم أوكرانيا بالسلاح والمال والتدريب في مواجهة روسيا.

لم تأخذ أوروبا وقتاً طويلاً للتوقف عن الاتكال على النفط والغاز من روسيا. وها هو ذا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقول مخاطباً كل الأوروبيين "علينا أن نكون بمستوى التاريخ، فالحرب عادت إلى أراضينا، وقد أصبح من غير الممكن وقف توسيع تهديدها كل يوم، فلا تكونوا جبناء في مواجهة روسيا".

ذلك أن أوروبا ارتاحت للعيش تحت المظلة النووية الأميركية والنوم على مخدة "الناتو" الذي تقدم واشنطن 75 في المئة من الإنفاق العسكري عليه. في الحرب العالمية الأولى احتاجت إلى أميركا. وفي الحرب العالمية الثانية لم تستطع أن تهزم هتلر لولا أميركا أيام روزفلت والاتحاد السوفياتي أيام ستالين. وفي الحرب الباردة كان العبء الأكبر على الولايات المتحدة. وبعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي وجدار برلين تصورت أوروبا أن الخصومة مع روسيا انتهت.

لم تشعر أوروبا بالخطر عندما خاض بوتين حرباً مع جورجيا وفصل عنها إقليمين، وشجع الانفصاليين في "دونباس" الأوكرانية وضم شبه جزيرة القرم قبل الحرب ضد أوكرانيا. ولا أخذت بجدية حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن "عالم ما بعد الغرب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كررت مع بوتين ما لم تفعله مع هتلر عندما صمتت على ضم "السوديت" من تشيكوسلوفاكيا بحجة أن سكانها من أصل ألماني، وكانت تلك فاتحة الشهية على غزو أوروبا والاتحاد السوفياتي. وبقيت أوروبا خائفة من قوة روسيا، مع أنها قادرة على أن تكون أقوى. فالدخل القومي لدول الاتحاد الأوروبي أكبر من الدخل القومي الأميركي والدخل القومي الصيني. والدخل القومي الروسي يعادل 40 في المئة من الدخل القومي الألماني، ويساوي الدخل في مدينة نيويورك وحدها.

أيام الاتحاد السوفياتي كان صراع الغرب والشرق له معنى واضح، صراع أيديولوجي. موسكو لديها نموذج اشتراكي تريد أن يشمل أوروبا والعالم. والغرب لديه نموذج الاقتصاد الحر والديمقراطية الليبرالية ويريد أن يصل إلى الاتحاد السوفياتي عبر "الاحتواء" وجاذبية النموذج. أما الصراع بين الغرب وروسيا فإن من الصعب رؤيته خارج المصالح القومية والصراع الجيوسياسي. لا لدى بوتين نموذج جذاب للغرب، ولا لدى الغرب طموح لتغيير النظام الروسي.

بوتين يكرر سردية تحتاج إلى تدقيق. يقول إنه أراد أن تكون روسيا جزءاً من الغرب وحتى إن تدخل في شراكة مع "الناتو"، لكن الغرب عمد إلى إذلال موسكو، ثم إلى تطويقها بمد الحلف الأطلسي إلى باب دارها، لكن الواقع أن روسيا أرادت عبر التاريخ أن تكون القطب المواجه للغرب، لا أن تندمج بالغرب.

وليس مشروع "الأوراسية" الذي يعمل له بوتين سوى مشروع قديم أعاد التركيز عليه ألكسندر دوغين الذي يقال إنه "ملهم" بوتين، والقائل "الصراع مع الغرب حتمي وليس سياسياً بل وجودي على روح روسيا". والحل هو "تشكيل قوة عظمى أوراسية عبر اتحاد روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة مع دول أخرى". والدليل حرب أوكرانيا. واللعبة الجيوسياسية والاستراتيجية لا تتغير وكل نظام في حاجة إلى عدو.

حين سقط الاتحاد السوفياتي قال المحلل السوفياتي في الشؤون الأميركية جورجي أورباتوف لصديق أميركي "أنتم في ورطة، خسرتم عدواً". ولا أحد اليوم في ورطة. الغرب الأميركي والأوروبي لديه خصمان أو عدوان هما الصين وروسيا. ولدى بكين وموسكو عدو هو "الغرب الجماعي"، لكن أوروبا استيقظت من النوم. وليس أمراً قليل الدلالات أن تدفع الحرب الروسية - الأوكرانية فنلندا والسويد إلى حلف "الناتو".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل