Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلهام إحساس يصور استحالة عيش المرأة في أفغانستان

فيلم "أصفر" من 12 دقيقة يجوب المهرجانات ويقطف الجوائز

من جو فيلم "أصفر" الذي يرصد أحوال المرأة الأفغانية (خدمة الفيلم)

ملخص

لا يميز المخرج الأفغاني البريطاني إلهام إحساس في فيلمه الوثائقي "أصفر" بين حقوق المرأة والرجل، فهو يعالج معاناة المرأة في أفغانستان في كونها مواطنة تعاني من قسوة نظام طالبان.

فتاة تدخل إلى متجر للشادور في كابول لشراء ما يغطيها بالكامل جسداً ووجهاً. فبعد سيطرة "طالبان" على أفغانستان في أغسطس (آب) 2021، ما عاد لباس المرأة شأناً خاصاً بها، في ظل قواعد الملابس الجديدة المفروضة من التنظيم الإرهابي. بهذا المشهد يُفتتح "أصفر" للمخرج البريطاني من أصل أفغاني إلهام إحساس الذي عُرض في الدورة الأخيرة من مهرجان كليرمون فيران السينمائي المخصص بالأفلام القصيرة من كل أنحاء العالم، حيث تسنّت لـ"اندبندنت عربية" مجالسته وإجراء الحوار الآتي معه.

هذا الفيلم (12 دقيقة) الذي رُشِّح لجائزة "بافتا" الخاصة بالسينما البريطانية، ليس الأول لهذا المخرج الثلاثيني الذي اشتهر في التمثيل أولاً. بعضنا يتذكّر دوره في "عداء الطائرة الورقية"، المقتبس من رواية خالد حسيني، وفيه اضطلع بدور المراهق آصف. مذذاك، كان له نشاط متنوع، بين إخراج وتمثيل وتأليف وإنتاج وحتى مونتاج. يمكن القول إن يده امتّدت إلى كل المجالات الحيوية لصناعتي التلفزيون والسينما. منذ 2017، أنجز إحساس سبعة أفلام قصيرة، أحدثها "أصفر" الذي، إضافة إلى ترشّحه لـ"بافتا"، نال أيضاً 14 جائزة دولية.

لم يدرس إحساس السينما أكاديمياً، لكنه تخرج في كلية الحقوق، وسرعان ما انتقل إلى خلف الكاميرا، الأمر الذي خيّب أمل أمه فيه كثيراً، كما كشف لي، لأنها كانت تريده محامياً يجني المال ويعيش حياة مستقرة. وعلى رغم عدد الأفلام التي أنجزها، كانت هذه أول مشاركة له في كليرمون، فبدا منبهراً. "إنني محظوظ جداً لوجودي هنا. هذا مهرجان رائع حقاً. حظيتُ بالكثير من المرح وقابلتُ أشخاصاً رائعين".

ولكن، هل شاهد أفلام زملائه السينمائيين، أم اكتفى بحضور عروض فيلمه التي يبلغ عددها الـتسعة. فكل فيلم من أفلام مسابقة كليرمون يُعرض تسع مرات في قاعات مختلفة موزعة في أرجاء المدينة. يرد: "أهوى المشاهدة والاكتشاف، إضافة إلى تكوين صداقات جديدة. هذا الفيلم أتاح لي المشاركة في الكثير من المهرجانات، وبالتالي السفر إلى بلدان عدة. سمح لي بمعاينة أفلام زملاء لي. وقد لمست رد فعل الناس على فيلمي. كان هذا شيئاً في منتهى الأهمية بالنسبة لي. رأيت تأثر المشاهدين بما يشاهدونه. علماً أنه فيلم صغير أنجزته مع أصدقائي. لكنه يلقى صدى طيباً لدى الناس".

هل خطر في بال إحساس الفكرة بعد عودة "طالبان" إلى الحكم؟ يرد قائلاً: "نعم. عندما تبوأ طالبان السلطة، فرضوا الكثير من التغييرات. ومن بينها إصدار مرسوم جديد يقضي بأن على جميع النساء ارتداء الحجاب الأزرق. وهذا ما جعلني أتصوّر أنّ ربما هناك نساء أفغانيات لم يسبق لهن ارتداؤه، وعليهن بالتالي الذهاب لشرائه للمرة الأولى. من هنا ولدت الفكرة".

لحظات سينمائية

صحيح أن الفيلم لا يناقش ظروف عيش المرأة الأفغانية تحت نظام ديني قمعي، ولكن ذهب الحديث مع إحساس مباشرةً في هذا الاتجاه. وهذا لا ينتقص من أهمية الفيلم الجمالية والفنية وفي قدرته على اختزال قضايا كثيرة في لحظة سينمائية لا تتجاوز الدقائق.

وفي هذا الصدد، يروي إحساس أن الأفغانيات قبل عودة "طالبان" الأخيرة كن يملكن خيار ارتداء الحجاب من عدمه. لكن هذا تغير بعد 2021. "قبل أسبوعين، رأيتُ وأنا أشاهد نشرة الأخبار أنهم يقتادون النساء اللواتي يرتدين حجاباً غير لائقاً إلى مركز الشرطة. قد يبدو هذا غريباً، ولكن هناك نوعين من الحجاب: السيئ والجيد. وكما نرى في فيلمي، فإن البائع يعلّم الفتاة كيف يكون الحجاب الجيد. وثمة ما هو أسوأ من هذا: تخيل أن أفغانستان هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع النساء من الذهاب إلى المدرسة. هذا يعني أن هناك 20 مليون فتاة بلا مستقبل. في الواقع، أفغانستان واحدة من أصعب الأماكن للمرأة. وهذا ما يرويه الفيلم".

يرى إحساس الكثير من النساء في أوروبا وأميركا يقمن بإنجازات مدهشة ويحققن ذواتهن، وهذا يحزنه جداً، معتبراً أن هناك نساء في بلاده يمكنهن تولّي مسؤوليات كبيرة. ويعبر عن خيبته بأن الأفغانيات لا يشاركن في السينما التي تُعتبر حراماً في الكثير من العائلات المنغلقة بسبب ثقل الأفكار المسبقة. المرأة التي تظهر في فيلم يُنظر إليها نظرة دونية. كان إحساس يريد إسناد دور البطولة لقريبة له لكن أمها (وهي عمته) رفضت. "أتتخيل أنه حتى في عائلتي يوجد هذا النمط من التفكير! السينما حرام عندهم لأنّ هناك فكرة سائدة بأنها مجرد نساء عاريات".

يبتسم إحساس عندما ألفت نظره إلى أنه مهما فعل وقال، فسيبقى في النهاية "رجلاً-يتحدّث-عن- قضية-المرأة"، وهذا بالمعايير الغربية الحديثة، بات أمراً غير مقبول. لكنه، لحسن حظه، يملك رداً لائقاً على أي ملاحظة في هذا الصدد، إذ يقول: "سألني أحدهم ذات يوم لماذا كتبتُ هذا الفيلم من وجهة نظر امرأة. وسألني كيف فعلتُ ذلك. كان ردي إني لم أكتبه من منظور امرأة، بل من منظور رجل. لأنّ، حتى عندما كانت النساء ممنوعات من الذهاب إلى المدارس، فكثر من الرجال حرموا منها أيضاً، ولم يكونوا قادرين على العمل. لم يستطع بعض مقدمي نشرات الأخبار الظهور على التلفاز. الكثير من الرجال ارتدوا أقنعة لتغطية وجوههم أيضاً. والعديد من الأطباء والطلاب خرجوا من الجامعة احتجاجاً على ذلك. النساء هن بناتنا وزوجاتنا وأخواتنا. بصفتنا رجالاً، نشعر بالحزن ونحن مثلهن ضحايا هذا النظام. لذا، إني لا أصوّر الأشياء من منظور واحد. أتفهم ألمهن وإني أطالب بالحرية لنسائنا. إنهن نصف سكان العالم، ونصف سكّان أفغانستان. كفى معاملتهن كمواطنات من الدرجة الثانية".

تفاصيل عدة في ذاكرة إحساس مرتبطة بـ"طالبان". اسم التنظيم يعود ويتكرر على لسانه. في البداية، يخيل إليك أنه ولد ونشأ في بريطانيا التي تضم العديد من المهاجرين من دول العالم الثالث. لكنه يؤكد أنه أفغاني الولادة. غادرها في عام 1999 عندما كان في العاشرة. يختزل تلك الفترة من حياته بالقول: "تركتُ البلاد خلال أول صعود لسلطة طالبان. نعم، لقد مررتُ بهذا كله. لكنني الآن أعيش في لندن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسأله: لكن، كيف تتحدّث عن حياة وناس وأنت بعيد منهما سنوات؟ ألا يضع هذا مصداقيتك على المحك؟ يرد مؤكداً أنه كان في أفغانستان قبل خمسة أشهر ويزور البلاد تكراراً على رغم ما يحدث فيها من انتهاكات. "حياتي وعملي يتمحوران على كوني من أفغانستان. جذوري فيها. لدي هذا الحب لبلدي، على رغم أنني مقيم في لندن. وأيضاً المسألة عندي تتعلّق بحقوق الإنسان، حقوق المرأة تحديداً. لا يوجد قرب أو بُعد في هذا الموضوع. أتفهم ما أقصده؟ يمكنك أن تصنع فيلماً عن الحق وأنت في أي مكان في العالم، فهذا شيء موضوعي تماماً. شيء له علاقة بالمبدأ الإنساني. نحن كبشر، لا تفصلنا الحدود، وهكذا بالنسبة للقصص والتجارب. إني من أفغانستان وعشتُ تجربتها بالكامل، لذلك أنجزتُ هذا الفيلم، لكن إذا أراد شخص آخر أن ينجز هذا الفيلم، وهو ليس من أفغانستان لكنه محصّن بخبرة في هذا المجال، فحسناً، لا أرى مشكلة في ذلك. ليس عليك أن تكون أفغانياً لتناضل من أجل حقوق الإنسان".

يكشف إحساس خلال الحديث أن بعضهم اقترح عليه تحويل الفيلم القصير هذا إلى روائي طويل، لكنه رفض ذلك لأنه فيلم قصير لا يتحمل التطويل. "لا أعرف كيف أحوله فيلماً طويلاً. إنه مجرد لحظة من الزمن. ولأنه يدور حول حقوق الإنسان، فإن آخر شيء أريد أن أفعله كمخرج هو أن أجعله عن حقوق الإنسان. بل وددتُ أن يكون عن لحظة صغيرة من التفاعل البشري بين شخصين. لا يمكن أن تتحدّث عن كل شيء في فيلم قصير، عليك بلحظة صغيرة. عليك بصخرة صغيرة من الجبل فتفحصها بدلاً من محاولة تصوير الجبل بأكمله".

أخيراً، يتمنّى إحساس لو كان في استطاعته أن ينقل ثقافته وقصصه إلى العالم، سواء كممثّل أو مخرج، مبدياً انزعاجه من حصره المتكرر داخل شخصية الإرهابي في بلده الثاني بريطانيا، التي اختارها ملاذاً آمناً من التطرف والأصولية الدينية.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما