Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هجوم روسي "أوسع وأعمق" متوقع في أوكرانيا مع انحسار الصقيع

هناك من يعتبر أن موسكو أهملت خطر الجماعات المتشددة لأنها ركزت كامل جهود أجهزة استخباراتها نحو كييف

يتوقع المراقبون أن يكون عام 2024 الأكثر سخونة وصعوبة في كامل فترة الحرب الروسية - الأوكرانية (أ ف ب)

ملخص

هناك أصوات أوكرانية تعتبر أن الكرملين وأجهزته الخاصة دبروا هجوم موسكو لخلق ذريعة ومبرر لتوجيه ضربات أشد قسوة ضد أوكرانيا وإعلان التعبئة العامة في روسيا

كل شيء سيحدث بمجرد انحسار الصقيع وجفاف الأرض، الروس يستعدون لشن هجوم واسع وشامل أواخر الربيع على طول خط الجبهة في أوكرانيا، مستغلين ضعف استعداد قوات كييف ونقص ذخيرتها وعتادها وعديد جيشها، بسبب تردد حلفائها وتأخر قانون التعبئة الجديد، لذلك فإن الجيش الأوكراني لن يكون قادراً على الاحتفاظ بخطوط دفاعه ومواقعه الحالية لفترة طويلة، بحسب عسكريين روس.

ويؤكد كثير من الوقائع الميدانية وعديد من الدلائل على الأرض أن روسيا تستعد لشن هجوم جديد في أوكرانيا أوسع نطاقاً وأكثر عمقاً، إذ إن القوات المسلحة الروسية كثفت هجماتها في ساحة المعركة ضد القطاعات الرئيسة على خط المواجهة، وحققت بعض المكاسب الإقليمية في الأسابيع القليلة الماضية، إذ استولت على أراض جديدة أهمها مدينة أفدييفكا في دونيتسك وقرى عدة إلى الغرب منها، وتقدمت أو استعادت غالبية الأراضي التي حررتها قوات كييف خلال الهجوم الأوكراني المضاد الصيف الماضي.

ويتوقع المراقبون أن يكون عام 2024 الأكثر سخونة وصعوبة في كامل فترة الحرب الروسية - الأوكرانية، التي بدأت بالنسبة إلى كييف بضم شبه جزيرة القرم. ومن الواضح أن السأم العام من الحرب يتزايد، سواء في أوكرانيا ذاتها أم في البلدان التي تدعمها. ولم يعد المحللون يتوقعون حدوث انفراجة على الجبهة، كما أن شعبية الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي آخذة في الانخفاض. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2023 سجل معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع (KIIS) ثقة الأوكرانيين في الرئيس بنسبة 62 في المئة، وقبل عام كان هذا الرقم 86 في المئة، أي قريباً من النسبة التي حصل عليها نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مارس (آذار).

من الهجوم إلى الدفاع

في وقت يستعد فيه الجيش الروسي لشن هجوم كبير وشامل، تحولت القوات المسلحة الأوكرانية، وفقاً للقائد العام للقوات في البلاد العقيد الجنرال ألكسندر سيرسكي، إلى "الدفاع النشط" بعدما فشل هجومها المضاد الذي استمر طوال أشهر الصيف الماضي.

وهذا يعني بالمقاربات العسكرية، أنه إذا بدأ هذا الهجوم الروسي فعلياً فإن جهود أوكرانيا لمقاومة الجيش الروسي ستتعرض لتهديد خطر، وأن كل شيء سيعتمد على تقييم القدرات والموارد العسكرية بالعتاد والرجال، وكذلك بالإرادة السياسية لكل من روسيا وأوكرانيا، علماً أن الطرفين لا يظهران أية علامات تراجع.

الإرهاب في موسكو

ألقى الهجوم الإرهابي على مركز "كروكوس سيتي هول" التجاري في ضواحي موسكو بظلاله على الحرب الروسية - الأوكرانية الدائرة رحاها منذ عامين وشهر، على رغم محاولات كييف النأي بنفسها عن هذا التطور الميداني، فإنه من الواضح أن الجبهة الأوكرانية ستكون كبش فداء، بغض النظر عن علاقتها بهذا الهجوم من عدمه.

وبدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "مصراً" على الربط بين الهجوم وجبهة الحرب المفتوحة مع أوكرانيا، ولم تبد السلطات الرسمية في موسكو اهتماماً كبيراً لإعلان تنظيم "داعش خراسان" مسؤوليته عن الهجوم، فيما ركزت على جزئية أن أربعة من منفذي الهجوم الذين اعتقلوا كانوا يخططون للفرار باتجاه الحدود الأوكرانية، وهو ما يحمل اتهاماً ضمنياً لكييف بالضلوع في تسهيل تنفيذ الهجوم.

انتقام مؤكد

لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رد بأن بوتين يبحث عن سبل لتحميل "مسؤولية مذبحة قاعة الحفلات في ضاحية موسكو لأوكرانيا".

وتنفي كييف بشكل قاطع أي شكل من أشكال تورطها، فيما يؤكد متابعون أن للحادثة تداعيات على مسار الحرب بين البلدين، من حيث وتيرة العمليات العسكرية وطبيعتها.

ويرى مراقبون أن هناك قناعة حتى في الداخل الروسي بأن نظام الرئيس فلاديمير بوتين يسعى إلى استثمار هذا الهجوم لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية في مواجهته المفتوحة مع أوكرانيا، ولن يترك الأمر يمر من دون جني بعض من ثماره بمسار الحرب.

وهناك أصوات أوكرانية تعتبر أن الكرملين وأجهزته الخاصة هم من دبروا الهجوم، في "خطوة استفزازية مخططة ومتعمدة" تجاه أوكرانيا، في سياق حرب مستعرة على الأرض.

وبحسب وجهة النظر الأوكرانية، فإن الهجوم سيخلق لدى الروس ذريعة ومبرراً لتوجيه ضربات أشد قسوة ضد أوكرانيا وإعلان التعبئة العامة في روسيا، ومن ثمة الذهاب إلى مزيد من التصعيد وتوسيع نطاق الحرب.

وتنقل صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية عن الباحث المتخصص في الجماعات المتشددة في منطقة القوقاز ديفيد غوزير قوله، إنه "من المؤكد أن نظام بوتين سيستخدم الهجوم في دعايته لتعزيز عدائه تجاه أوكرانيا، لكن فرضية التواطؤ الرسمي الأوكراني لا تبدو ذات صدقية"، وفق قوله.

وبحسب غوزير "يبدو هذا الهجوم أشبه بتصفية حسابات بين القوى المتشددة في آسيا الوسطى وروسيا، فالخلايا التابعة لهذه القوى في آسيا الوسطى، المتمركزة في الشتات المهاجر من آسيا الوسطى، يتم تفكيكها بانتظام في موسكو أو في أي مكان آخر في روسيا".

تعبئة عسكرية جديدة

ويخشى المواطنون الروس أن يستخدم الهجوم الذي وقع بالقرب من موسكو لتبرير تعبئة جديدة للقوات ضد أوكرانيا، وفق ما أكدته أستاذة التاريخ الروسي في جامعة سترازبورغ إميليا كوستوفا.

وتوضح كوستوفا أنه "قبل الانتخابات الرئاسية الروسية، كنا نتوقع إعلان تعبئة جديدة، سمعنا عن رقم 300 ألف رجل إضافي في الجبهة للفوز في هذه الحرب، والآن أصبح هذا الخوف أقوى وأشد"، بحسب قولها.

ووفق ما نقل موقع "فرنس أنفو" الإخباري عن كوستوفا، فإن هناك مخاوف من وقوع "هجمات أكثر عنفاً وأكثر ضخامة وخبثاً ضد أوكرانيا وسكانها"، على حد تعبيرها.

وتسعى وسائل الإعلام المقربة من السلطة في روسيا إلى "التوفيق بين عنصرين: تبني ’داعش‘ للعملية الإرهابية، مضافاً إليه تحدر المهاجمين من آسيا الوسطى من جهة، ومن جهة أخرى اتهام أوكرانيا بأنها الدولة الراعية والداعمة لتنفيذ هذا الهجوم وفتحها نافذة حدودية لاستقبالهم"، بحسب إميليا كوستوفا.

وما يعزز اتهام أوكرانيا بتدبير وتخطيط وتنفيذ هذه العملية الإرهابية، هي سوابق ارتكاب الاستخبارات الأوكرانية عمليات مماثلة على الأراضي الروسية، من اغتيال الناشطة المؤيدة للكرملين داريا دوغينا بتفجير سيارتها في ضواحي موسكو بعبوة ناسفة في خريف عام 2022، واغتيال المدون العسكري الروسي فلادلين تاتارسكي في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي في مدينة سانت بطرسبورغ، بحسب مسؤولين أمنيين.

نظرية المؤامرة

وعلقت كاتبة العمود لوسي روبيكان في مقالة لها نشرها موقع "ليزيكو" الفرنسي، أن هجوم موسكو رافقه صعود لافت لـ"نظرية المؤامرة" بعد ساعات قليلة من الحادثة، سواء بالقول إن أوكرانيا ضالعة فيه أم حتى بعدم استبعاد فرضية أن يكون الهجوم مدبراً لتبرير تصعيد جديد في الحرب.

واعتبرت روبيكان أن "هناك نزعة قوية لإلقاء اللوم على الأوكرانيين في هذا الهجوم الدموي، وهذا ما فعله فلاديمير بوتين السبت، عندما أعلن أن الأوكرانيين حاولوا مساعدة المهاجمين في عبور الحدود".

وحذرت من أن "يستخدم بوتين بنهجه المكيافيلي المعتاد الهجوم لتعبئة الشعب الروسي وتبرير تصعيد جديد في الحرب، والخلط بين الأسباب والعواقب"، كما قالت.

لكن الكاتبة أشارت إلى أن روسيا أهملت خطر الجماعات المتشددة لأنها كانت منخرطة على جبهة أخرى، وركزت كامل جهود أجهزة استخباراتها نحو أوكرانيا، مما خلق عنصر المفاجأة في الهجوم، على رغم تحذير الولايات المتحدة الأميركية قبل أسبوعين من احتمال استهداف تجمعات كبيرة في موسكو، مما اعتبره الكرملين تشويشاً على الاستحقاق الانتخابي الرئاسي.

وبالنظر إلى الفرضيات التي يطرحها المراقبون، فإن مسار الحرب الروسية - الأوكرانية سيكون مختلفاً خلال مرحلة ما بعد هجوم موسكو، وسيخضع لرؤية الكرملين للمشهد من مختلف زواياه وحيثياته وتحدياته.

قال موقع "بلومبيرغ" الأميركي إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذهب إلى اتهام كييف بالضلوع في هجوم موسكو، على رغم إعلان تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي، مما ينذر بقرارات محتملة في شأن خطط الكرملين لتصعيد الهجمات على أوكرانيا.

وأكد بوتين، في خطاب تلفزيوني عقب الهجوم، أنه أعدت وسيلة ومنفذ عبور لأربعة مشتبه بهم من الجانب الأوكراني لعبور الحدود إلى أوكرانيا، لكن أجهزة الأمن الروسية قبضت عليهم جميعاً.

وقال نائب مدير مركز الاقتصادات الجيولوجية التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن تشارلز ليتشفيلد "إن مسار الكرملين لعكس هذا الأمر واضح، وهو أنه يتعلق بالحرب في أوكرانيا".

يأتي هذا على رغم نفي المسؤولين في كييف بشكل استباقي أي دور لهم في الهجوم، واصفين إياه بأنه "عملية ملفقة من الكرملين"، فيما نشر تنظيم "داعش" صورة للرجال الذين قال إنهم نفذوا الهجوم، ولم يكن لدى المسؤولين الأميركيين والأوروبيين أي شك في ادعاءات تنظيم "داعش".

الاستيلاء على مزيد من الأراضي

وقال موقع "بلومبيرغ" إن "ما حصل ينذر بقرارات مشؤومة محتملة في شأن خطط الكرملين لتصعيد الهجمات على أوكرانيا، بعد أن ادعى بوتين حصوله على تأييد غير مسبوق بنسبة 87 في المئة في الانتخابات الرئاسية التي جرت الأسبوع الماضي"، ومع انتشار الإشاعات حول تحرك القوات الروسية على نطاق واسع لمحاولة الاستيلاء على مزيد من الأراضي الأوكرانية.

ورداً على ذلك أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أن الرئيس الروسي يسعى إلى اتهام الآخرين بالهجوم، قائلاً على "تيليغرام"، "ما حدث بالأمس في موسكو واضح. بوتين وغيره من المسؤولين يحاولون إلقاء اللوم على شخص آخر".

ويرى موقع "بلومبيرغ" أنه من المرجح أن تعكس تعليقات بوتين حتى الآن جهوده حول قراره بالهجوم على أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعلن وزير المالية البريطاني جيريمي هانت الأحد إن المملكة المتحدة "ثقتها ضئيلة جداً" بالتصريحات الروسية المتعلقة بالهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو، متهماً موسكو بأنها تحاول "الدفاع" عن هجومها على أوكرانيا عن طريق اختلاق ستار دخاني دعائي.

وقال الوزير البريطاني في تصريح لشبكة "سكاي نيوز" الإخبارية الأحد "آخذ ما تقوله الحكومة الروسية على أنه مبالغ فيه كثيراً، بعد ما شهدناه من جانبها في السنوات الأخيرة".

وأضاف "نعلم أنهم يوجدون ستاراً دخانياً دعائياً للدفاع عن هجوم شرير للغاية على أوكرانيا".

وتابع "لكن هذا الأمر لا يعني أنها ليست مأساة أن يموت أبرياء عندما تقع تفجيرات مروعة".

وحذر الوزير من أن المملكة المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية يجب "بكل تأكيد" أن تكون قلقة في شأن عودة تنظيم "داعش" للساحة الدولية.

وقال الوزير للشبكة البريطانية "نحن محظوظون للغاية في هذا البلد، لأن لدينا وكالات استخبارية تثير الإعجاب على نحو يفوق التصديق، ونجحت في إحباط كثير من التهديدات الإرهابية في السنوات الأخيرة، لكن علينا أن نبقى يقظين".

وأضاف "إذا كان ’داعش‘، فهو عشوائي تماماً في ما يفعله، وهو مستعد للقتل بأبشع طريقة".

موسكو لا تصدق ادعاءات "داعش"

السلطات الروسية لم تحمل إلى الآن تنظيم "داعش" الذي تبنى العملية الإرهابية في بيان لا يشبه بياناته السابقة المماثلة مسؤولية الهجوم، لكن الرئيس فلاديمير بوتين قال إن المهاجمين اعتقلوا خلال "توجههم نحو أوكرانيا حيث، بحسب معلومات أولية، كانت لديهم نافذة عبور للحدود".

وكان جهاز الأمن الفدرالي "أف أس بي" أشار في وقت سابق إلى أن المشتبه بهم كانت لديهم "جهات اتصال" في أوكرانيا إلى حيث كانوا يعتزمون الفرار.

وما زال الهجوم المسلح على قاعة "كروكوس سيتي هول" في الضواحي الشمالية الغربية لموسكو عصر يوم الجمعة الماضي، الذي أودى بحياة 139 شخصاً في الأقل، يطغى على التصريحات الروسية، على رغم تبني تنظيم "داعش" الاعتداء.

وقال الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، في آخر تصريحاته، "سننتقم من الجميع، وكل من شارك في الهجوم الإرهابي في كروكوس، بصرف النظر عن البلد" الذي ينتمي إليه.

وتشابهت تصريحات ميدفيديف، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، مع تصريحات عشرات المسؤولين الروس حول ضرورة الانتقام وحتميته، لكن يبقى السؤال، كيف سترد روسيا على الهجوم الدامي؟

وتتقاطع تصريحات المسؤولين الروس حول ضرورة الانتقام من منفذي الهجوم وداعميهم، مع بقاء الإصرار على أن أوكرانيا لها يد في الهجوم على رغم تبني "داعش خراسان" له.

تصاعد الحرب

بمراجعة بسيطة لتصريحات المسؤولين الروس والأوكرانيين حتى قبل الهجوم الإرهابي على قاعة "كروكوس سيتي هول" في موسكو، يتبين بوضوح عزم هؤلاء القادة على المضي قدماً في الحرب حتى تحقيق الأهداف التي وضعوها لها. وصرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اجتماع مع رؤساء السلطات المحلية في الـ16 من يناير (كانون الثاني) الماضي، بشكل لا لبس فيه، أنه لا يريد الدخول في أية مفاوضات مع أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، توقع "ضربة خطرة للغاية" نتيجة "العملية الخاصة".

وأشار نظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، خلال حديثه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، إلى "التصميم على مواصلة الدفاع من أجل التحرير الكامل لجميع أراضي أوكرانيا التي تحتلها روسيا حالياً".

الجنود والتكنولوجيا

ولكن هل تمتلك روسيا وأوكرانيا القدرات العسكرية اللازمة لتنفيذ مضامين خطاب قادتهما؟

تتعلق هذه المسألة بالذخائر والمعدات العسكرية، فضلاً عن القوة البشرية للطرفين. وكما أصبح واضحاً من الضربات الجوية الروسية المتكررة ضد مجموعة واسعة من الأهداف في أوكرانيا، بما في ذلك ضمن نطاق مدن كييف وخاركوف، ثاني أكبر مدينة في البلاد، فإن روسيا تمتلك الأسلحة والذخائر اللازمة لمواصلة هجماتها الصاروخية والقنابل، في حين لا تزال أوكرانيا تشتكي من عدم امتلاكها الدفاع الجوي الكافي لصد الغارات الروسية المتوالية.

وعلى نحو مماثل، تعرقلت العمليات العسكرية الأوكرانية على الأرض بسبب النقص الخطر المتزايد في الذخيرة لدى قواتها. وتلخيصاً لعديد من التقارير الصحافية، قال معهد دراسة الحرب (ISW) غير الربحي في الثامن من يناير 2024، إن القوات الأوكرانية "تواجه صعوبة كبيرة في التعامل مع ذخيرة المدفعية"، وإن استخدامها للطائرات الصغيرة من دون طيار لأغراض قتالية تعوقه "قدرات غير كافية لمواجهة القدرات الروسية في الحرب الإلكترونية".

أما بالنسبة إلى القوى البشرية، فإن كلا الجانبين يواجه صعوبات. وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده نهاية العام، استبعد بوتين إمكان فرض حملة تعبئة عسكرية جديدة. ووفقاً لنائب رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية فاديم سكيبيتسكي، يمكن لموسكو الاعتماد بالفعل على التدفق المستمر لنحو 30 ألف متطوع شهرياً.

لكن الكرملين يواجه الآن مسألة الكيفية التي قد يتمكن بها الاقتصاد الروسي من التعامل مع نقص العمالة مع انتقال العمال إلى الخطوط الأمامية.

كما أن تنفيذ التعبئة المخطط لها لنحو 500 ألف جندي إضافي لن يكون سهلاً بالنسبة إلى أوكرانيا ومن المرجح أن يثير الجدل.

واستفادت روسيا بشكل كبير من الإمدادات العسكرية من إيران وكوريا الشمالية، وكما رأينا في الزيارة التي قام بها وزير خارجية كوريا الشمالية تشوي سونغ هي أخيراً إلى موسكو، فمن المرجح أن تتوسع هذه العلاقات وتكثف الجهود العسكرية الروسية ضد أوكرانيا.

ارتهان أوكرانيا للمساعدات

أوكرانيا في كثير من النواحي أكثر اعتماداً على المساعدات الخارجية العسكرية والمالية  لمواصلة حربها ضد روسيا، ومع ذلك أصبحت هذه المساعدة أقل استقراراً بكثير.

وفي ظل عدم وجود اتجاه واضح في شأن كيفية ضخ مزيد من المساعدات العسكرية الأميركية، وفي ظل عدم اليقين في شأن الالتزامات المالية للاتحاد الأوروبي في المستقبل، أصبحت أوكرانيا تعتمد على عدد صغير من الجهات المانحة، بما في ذلك ألمانيا والمملكة المتحدة.

وتتفاقم محنة أوكرانيا بسبب حقيقة مفادها بأن قطاع الدفاع لديها لم يتحول بشكل كامل بعد إلى العمليات العسكرية، وهو ما يفسر جزئياً السبب وراء الصعوبة التي تواجهها في إنتاج ما يكفي من الذخيرة لقواتها في ساحة المعركة.

وحتى لو تغير الوضع، بما في ذلك بمساعدة الاستثمارات الغربية، فإن افتقار أوكرانيا إلى العمق الاستراتيجي سيظل يشكل عقبة رئيسة. فالطائرات من دون طيار والصواريخ الروسية قادرة على ضرب منشآت الإنتاج العسكري في أي مكان في أوكرانيا، ولا تمتلك أوكرانيا حتى الآن ما يكفي من أنظمة الدفاع الجوي لمواجهة مثل هذه الهجمات بشكل فعال.

كما أن الاتفاقات الثنائية بين أوكرانيا وبعض حلفائها الغربيين لتعزيز التعاون الدفاعي والأمني، التي أثيرت للمرة الأولى في الإعلان المشترك لمجموعة السبع لدعم أوكرانيا في يوليو (تموز) 2023، بدأت الآن في اتخاذ شكل أكثر واقعية، ولكنها واقعية افتراضية أكثر منها عملانية، فليس هناك من دولة من دول "الناتو" تتجرأ على خوض مجابهة مباشرة مع روسيا في الميدان الأوكراني، لأن ذلك من شأنه أن يشعل فتيل حرب نووية.

فقد تم التوقيع على اتفاق بين المملكة المتحدة وأوكرانيا في شأن التعاون الأمني في الـ12 من يناير 2024، كما وقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني اتفاقات مماثلة مع الرئيس الأوكراني في فبراير (شباط) الماضي، ولكن هذه الاتفاقات لم تترك أي أثر يذكر في الواقع الميداني للحرب على الجبهات.

وتنص الاتفاقات المبرمة بين المملكة المتحدة وأوكرانيا على "تقديم مساعدة شاملة لأوكرانيا لحماية واستعادة سلامتها الإقليمية داخل الحدود المعترف بها دولياً"، ويعد الاتفاق بـ"منع وردع ومواجهة أي تصعيد عسكري أو عدوان جديد من الاتحاد الروسي". وإضافة إلى ذلك تنص الوثيقة على "دعم التكامل المستقبلي لأوكرانيا في المؤسسات الأوروبية الأطلسية"، ولكن هذه كلها وعود إنشائية للمستقبل، وليس هناك ما من شأنه أن يغير أو يعدل موازين القوى الفعلية على أرض الواقع.

وإذا نظرنا إلى هذه الجهود على نحو منفصل، فسيتبين لنا أن الحماسة الغربية الشاملة لدعم أوكرانيا في ساحة المعركة وعضوية حلف شمال الأطلسي تظل "فاترة" في أحسن الأحوال.

ومع ذلك إذا أصبحت مثل هذه المعاهدات نموذجاً لصفقات مماثلة في المستقبل، وإذا توصلت الولايات المتحدة وغيرها من الأعضاء الرئيسين في "الناتو" إلى اتفاقات مماثلة مع أوكرانيا، وإذا تم الوفاء بهذه الالتزامات التي لم يتختبر بعد، ولم تواجه مصير مذكرة بودابست (وثيقة عام 1994، التي وافقت بموجبها أوكرانيا على سحب جميع أسلحتها النووية في مقابل اعتراف روسيا ودول أخرى بدولتها)، التي كانت الضمانات الأمنية الخاصة بها غير فعالة، ستشير إلى تصميم واضح من الغرب على منع حدوث هجوم روسي كبير. هجوم يمكن أن يؤدي مرة أخرى إلى احتلال روسيا لمناطق جديدة.

إن عديداً من التساؤلات المهمة تجعل أهداف "الناتو" المتمثلة في منع هزيمة أوكرانيا أكثر تواضعاً من طموحات زيلينسكي العسكرية، ومع ذلك فإن هذا هو على وجه التحديد السبب الذي يجعلهم أكثر واقعية، بمعنى أن إنجازهم يمكن أن يمنع تصعيداً عسكرياً أكثر خطورة وأوسع نطاقاً بين روسيا والغرب، من دون الحكم في الوقت نفسه على أوكرانيا بالهزيمة.

اتجاهات الهجوم الروسي المحتمل

يجمع المحللون والخبراء العسكريون على أن هدف أي هجوم روسي عسكري قادم في أواخر ربيع هذا العام سيتمثل في تحقيق المخطط التالي:

1- الاستيلاء على ما تبقى من أراضي إقليم دونيتسك بالكامل وطرد القوات الأوكرانية إلى خارج حدوده، على اعتبار أن مركز مدينة دونيتسك، تشكل العاصمة الإقليمية للأقاليم الأوكرانية الأربعة التي تم ضمها في خريف عام 2022.

2- السيطرة على مدينة خاركوف الأوكرانية الحدودية التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في البلاد بعد العاصمة كييف، من أجل إقامة منطقة عازلة تمنع التسلل إلى داخل الأراضي الروسية، وتبعد خطر توجيه ضربات مدفعية وصاروخية إلى الداخل الروسي؟

3- التقدم إلى أبعد قدر ممكن داخل إقليمي خيرسون وزاباروجي، من أجل تأمين شبه جزيرة القرم والطريق البري الذي يربطها بالبر الروسي عبر خيرسون وماريوبل، وكذلك ضم أكبر مساحة ممكنة من أراضي هذين الإقليمين إلى الأراضي الروسية، على اعتبار أنهما وبحسب الدستور الروسي يعتبران "أراضي روسية واقعة تحت السيطرة الأوكرانية موقتاً".

"فوز" بوتين

يعتبر الخبراء أن الخطر الرئيس الذي يواجه كييف في الأشهر القليلة المقبلة، ليس فقط الهجوم الروسي البري المحتمل في أواخر الربيع، بل ونتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة المزمع تنظيمها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لأنه نتيجة لهذه الانتخابات يمكن أن يصل الجمهوري دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مرة أخرى. وفي هذه الحالة، يتوقع المراقبون خفضاً جذرياً في المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا. وهذه هي اللحظة الأكثر خطورة في حرب روسيا ضد أوكرانيا لأنه من دون المساعدة الأميركية لكييف، يمكن لبوتين أن يحقق نصراً مريحاً.

ومع أن أوروبا تستعد لزيادة مساعداتها، إلا أنها ربما لن تكون قادرة على تحمل حصة الولايات المتحدة بشكل كامل. على هذه الخلفية، أصبح الناس في كييف يتحدثون بشكل أقل عن الآمال في انعقاد قمة "الناتو" في صيف 2024 في واشنطن، وقد يصبح قرار قبول أوكرانيا في التحالف احتمالاً أبعد.

في أحسن الأحوال يشير الخبراء إلى أن عام 2024 يمكن أن يصبح عام حرب الخنادق، وفي أسوأ الأحوال يمكن أن تؤدي الصراعات الداخلية والدعم الغربي غير الكافي إلى احتلال مناطق أكبر من أي وقت مضى في شرق وجنوب أوكرانيا، في خاركوف ولوهانسك ودونيتسك وزابوروجي ومناطق خيرسون.

تجميد الأعمال العدائية

هل من الممكن في ظل هذه الظروف تجميد الأعمال العدائية على حساب التنازلات الإقليمية لروسيا، بحسب ما يتم التفكير فيه بشكل دوري في الغرب؟ مع نهاية العام الثاني من الحرب ومضي شهر من السنة الثالثة، لا يزال عديد من المراقبين يعتبرون مثل هذا السيناريو غير مرجح. ويقول ألكسندر إيتكيند، المؤرخ والأستاذ في جامعة أوروبا الوسطى في فيينا "بوتين لا يريد التجميد، بل يريد النصر، والانهيار السياسي لقيادة أوكرانيا، ونهاية الديمقراطية الأوكرانية".

وفي المحصلة يشير الخبراء إلى أنه كان من المفترض أن يكون العام الماضي نقطة تحول بالنسبة إلى أوكرانيا في الحرب مع روسيا، لكنه انتهى إلى طريق مسدود. والعام الحالي 2024، في رأيهم، يعد بأن يكون الأصعب والأكثر خطورة بالنسبة إلى كييف.

المزيد من تقارير